كشفت مقاطع فيديو نشرها الصحفي الأوكراني ديميتري كاربينكو عن وجود أسرى
مصريين في أوكرانيا، بعدما تم اعتقالهم خلال مشاركتهم في عمليات عسكرية مع
الجيش الروسي. وظهر في أحد المقاطع الطالب المصري محمد رضوان، وهو يتحدث باللغة الروسية عن وقوعه في أسر الجيش الأوكراني، بعد تحوله من طالب في مجال الطب إلى مجند في صفوف الجيش الروسي.
أثار الفيديو مشاعر الغضب والحزن في قرية المريس بمحافظة الأقصر جنوب مصر، مسقط رأس رضوان. وتواصل الصحفي خلال الفيديو مع والدة محمد، وطمأنها على حاله، مؤكدًا أنه ينتظر تحركًا لتبادل الأسرى بين
روسيا وأوكرانيا.
وقد ظهر في الفيديو شاب آخر، قال إنه وقع في الأسر منذ ستة أشهر، ولا يزال يجهل مصيره، منتظرًا عملية تبادل الأسرى، معربًا عن خشيته من أن يتعرض للسجن في حال ترحيله إلى مصر.
لم يكن محمد رضوان، الشاب القادم من محافظة الأقصر، يتخيل أن رحلته إلى العاصمة الروسية موسكو، التي بدأها في كانون الأول/ ديسمبر 2021 لدراسة الطب، ستنتهي به على جبهة حرب لا علاقة له بها، مرتديًا الزي العسكري الروسي في مواجهة جنود أوكرانيين، قبل أن يقع في أسر الجيش الأوكراني.
وقد ظهر رضوان، في فيديو نشره الصحفي الأوكراني ديميتري كاربينكو، يتحدث فيه باللغة الروسية عن رحلته من صعيد مصر إلى موسكو، وكيف تحول من طالب جاء لدراسة الطب إلى مجند في الجيش الروسي.
ولم يكن رضوان الأسير المصري الوحيد في قبضة الجيش الأوكراني، حيث انتشرت فيديوهات لخمسة مقاتلين مصريين آخرين كانوا ضمن صفوف الجيش الروسي، ووقعوا في الأسر. منهم من انضم إلى الجيش الروسي مقابل المال، وآخر سعى للحصول على الجنسية الروسية، بينما أجبر آخرون على القتال في صفوف الجيش الروسي رغم إرادتهم.
البداية حلم دراسة الطب
يقول محمود علي، وهو اسم مستعار لأحد زملاء محمد رضوان في الجامعة الروسية، لموقع "صحيح مصر" إن حصول رضوان على مجموع 88% في الثانوية العامة عام 2021 حال دون تحقيق حلمه بالالتحاق بكلية الطب البشري، حيث كان الحد الأدنى للقبول بكليات الطب ذلك العام 90.7%...
وهو ما دفعه إلى السفر إلى موسكو، التي تقبل جامعاتها الطلبة المصريين بمجموع أقل في الثانوية.
وبعد وصوله، بدأ رضوان بدراسة اللغة الروسية لمدة عام، وفقًا لصديقه، استعدادًا للالتحاق بكلية الطب في الجامعة الفيدرالية الروسية بمدينة كازان. إلا أنه لم يتمكن من تحمل التكاليف الباهظة لدراسة الطب، فقرر التحول إلى دراسة الاقتصاد، الذي يعد أقل تكلفة.
وأضاف صديقه، الذي كان يشاركه السكن، أن رضوان اضطر إلى البحث عن عمل لمساعدته في تغطية نفقات الدراسة، خاصة بعد أن عجزت أسرته عن تحمل التكاليف المرتفعة، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر وتأثير أزمة سعر الصرف.
الفصل من الجامعة
وبسبب انشغال رضوان بعمل بدوام كامل وإهماله للدراسة وعدم التزامه بحضور المحاضرات، قامت الجامعة بفصله، ما أدى إلى إلغاء تأشيرته وإقامته في روسيا.
ورفض رضوان العودة إلى مصر، رغم وضعه غير القانوني، حيث كان يعتقد، وفقًا لصديقه، بأن عمله في روسيا يوفر له دخلاً أفضل مقارنة بأي وظيفة في القاهرة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة في البلاد.
وبدأ رضوان بالعمل في وظائف لا تتطلب أوراق إقامة أو تأشيرة، مثل توصيل الطلبات ("دليفري")، دون أن يدرك أن هذه المهنة ستغير مجرى حياته.
ففي إحدى رحلات توصيل الطلبات، حمل رضوان طردًا من مدينة كازان إلى مدينة أخرى دون أن يعرف محتواه، وفقًا لشهادة صديقه. إلا أنه أوقف في كمين أمني، حيث اكتشفت السلطات أن الطرد يحتوي على مخدرات. ولم يتمكن رضوان من الوصول إلى صاحب الطرد أو إثبات براءته، فقُدم للمحاكمة بتهمة حيازة 10 كيلوغرامات من المخدرات.
السجن أو القتال
حُكم على رضوان بالسجن لمدة سبع سنوات، وقضى الأشهر الأولى من سجنه في زنزانة شديدة البرودة، إلى أن عرضت عليه السلطات الروسية الانضمام إلى الجيش مقابل إسقاط الحكم ضده ومنحه الجنسية الروسية لتسوية أوضاعه...
فوافق رضوان على العرض دون تردد، لكنه فوجئ بنقله - بعد تدريب قصير لمدة عشرة أيام فقط - إلى الخطوط الأمامية للجيش الروسي لمواجهة القوات الأوكرانية مباشرة.. علماً بأنه لم يسبق له حمل السلاح أو التعرف على تكتيكات القتال طوال حياته.
ولم تمضِ أربعة أيام إلا ووقع رضوان في أسر الجيش الأوكراني، كما ذكر في الفيديو الذي نشره الصحفي الأوكراني.
اتصال العائلة بالسلطات
تحدث موقع "صحيح مصر" مع عائلة رضوان في محافظة الأقصر. وقال أحد أقاربه، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن اتصالات محمد انقطعت منذ عدة أشهر، ولم تكن العائلة تعلم شيئًا عن مصيره حتى ظهور الفيديو الذي كشف عن تجنيده في الجيش الروسي ووقوعه في الأسر.
وأضاف أن العائلة تواصلت مع وزارة الخارجية المصرية للبحث عن وسيلة لإنقاذ ابنها، كما أنها قدمت شكاوى إلى السلطات المصرية والروسية والجهات المعنية للتدخل، لكنها لم تتلقَ أي رد حتى الآن.
أسير مصري يتحدث أربع لغات
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، نشر موقع "
RPC" الأوكراني تقريرًا يفيد بأن قوات المظلات التابعة للجيش الأوكراني أسرت جنديًا روسيًا تبين لاحقًا أنه طالب مصري. كان الشاب قد انتقل إلى روسيا لدراسة تكنولوجيا المعلومات، قبل أن يتم تجنيده في الجيش الروسي وإرساله للقتال في مدينة كوراخوف الأوكرانية.
ونقل الموقع الأوكراني أن الشاب المصري، الذي رفض الكشف عن هويته، كان الناجي الوحيد من القوات الروسية في معركة شرسة مع الجيش الأوكراني في المدينة.
وصف أحد القادة الأوكرانيين الأسير المصري بأنه شخص مثير للاهتمام، خاصةً كونه يتحدث أربع لغات. وأشار إلى إمكانية مبادلته بأسرى أوكرانيين محتجزين لدى روسيا.
من دبي إلى خنادق القتال
في الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير 2025، نشر الصحفي الأوكراني ديميتري كاربينكو مقطع فيديو يظهر أسيرًا مصريًا آخر في قبضة الجيش الأوكراني، يُدعى محمود فريد.
وكان الشاب، الذي لم يكشف الصحفي عن اسمه الكامل، يعيش مع أسرته الميسورة في الإمارات العربية المتحدة، حيث يعمل والده محاسبًا بينما تقوم والدته بأعمال المنزل. بعد إتمامه دراسة الثانوية العامة في دبي عام 2015، عاد فريد إلى مصر لاستكمال تعليمه الجامعي، لكنه وجد صعوبة في التأقلم مع الحياة في القاهرة. وبعد عدة سنوات، عاد إلى دبي، ومنها انتقل إلى مدينة أوديسا الأوكرانية عام 2020، حيث التحق بالأكاديمية البحرية الأوكرانية.
ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022، تعذر على فريد مواصلة دراسته في أوديسا بسبب الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، ما دفعه إلى البحث عن بديل. وفي عام 2023، انتقل إلى العاصمة الروسية موسكو لاستكمال دراسته. وبعد عام من الدراسة، عُرض عليه في آذار/ مارس 2024 الانضمام إلى الجيش الروسي.
لم يكن فريد بحاجة إلى المال، حيث كانت أسرته توفر له كل ما يحتاجه لمواصلة تعليمه، إلا أن فكرة الحصول على الجنسية الروسية والاستقرار في روسيا راودته.
وبناءً على ذلك، فإنه وافق على العرض ووقع عقدًا للانضمام إلى الجيش الروسي، قبل أن يتراجع عن قراره ويحاول الهرب. لكن محاولته باءت بالفشل، ووقع في أيدي الجيش الروسي.
ونتيجة لمحاولته الهروب، قررت القيادة العسكرية الروسية إرساله إلى الجبهة قبل إكمال تدريبه العسكري. وهكذا، وجد فريد نفسه، دون استعداد كافٍ، في خضم معركة طاحنة.
وبعد أن نزل من دبابته مع سبعة جنود آخرين للاحتماء في خندق ضيق، قضى ثلاثة أيام وهو يعتمد على الماء وقطع الشوكولاتة التي لم تعد تكفي لسد جوعه، بينما كانت الطائرات المسيرة الأوكرانية تواصل قصف الخنادق الروسية دون هوادة.
وعندما فقد الأمل في النجاة أو وصول إمدادات من الجيش الروسي، فإنه لم يبقَ أمام فريد وزملائه سوى خيار الاستسلام. وهكذا، وقع الشاب المصري في أسر القوات الأوكرانية، إلى جانب سبعة جنود روس آخرين.
حلم الجنسية
في كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، أعلن اللواء 28 الميكانيكي التابع للجيش الأوكراني عن أسر مواطن مصري بعد فشل هجوم روسي بالقرب من مدينة توريتسك. وأشار البيان العسكري إلى أن جميع الجنود الروس قُتلوا خلال المواجهة، باستثناء شخص واحد قرر الاستسلام. وبعد التحقيق معه، تبين أنه مواطن مصري تم تجنيده في صفوف الجيش الروسي.
ووقع شاب مصري آخر في الأسر، يبلغ من العمر 25 عامًا، من محافظة القاهرة. وكان الشاب طالبًا في إحدى الجامعات الروسية، ومتزوجًا من سيدة روسية تكبره بنحو 13 عامًا، تعمل موظفة في نفس الجامعة التي كان يدرس بها. وبناءً على طلبه بعدم الكشف عن هويته، سنطلق عليه اسم محمد عز.
وفي فيديو بثته السلطات الأوكرانية، قال "عز" إن زواجه من الموظفة الروسية لم يمكنه من الحصول على الجنسية الروسية، رغم تقديمه عدة طلبات للسلطات المختصة.
وتفاقمت ديون "عز"، وضاقت به سبل العيش، وفُصل من الجامعة، وأُلغيت تأشيرته وإقامته في روسيا. ولم يكن أمامه سوى عشرة أيام لمغادرة البلاد، وفقًا لروايته. حاول إيجاد أي وسيلة للبقاء في روسيا، ولم يجد سوى فرصة الانضمام إلى الجيش الروسي مقابل الحصول على الجنسية. وبالفعل، حصل على الجنسية قبل أن يتم إرساله إلى الجبهة في تموز/ يوليو 2024.
وقضى الشاب أيامًا قليلة على جبهة القتال قبل أن يقع في أسر القوات الأوكرانية. وقال إن عائلته في القاهرة لا تعلم شيئًا عن مصيره، حيث إن شقيقه الأصغر البالغ من العمر 22 عامًا مجند في الجيش المصري، بينما تدرس شقيقته الصغرى في الجامعة.
أحمد حمزة نقل مكبلا
لم تختلف قصة أحمد حمزة، وهو اسم مستعار لطالب مصري آخر وقع في أسر الجيش الأوكراني بعد انضمامه إلى الجيش الروسي سعيًا للحصول على الجنسية الروسية.
وأجرى موقع "دونباس رياليتي" الأوكراني مقابلة مع المقاتل المصري أحمد حمزة، الذي استسلم للقوات الأوكرانية قرب قرية بريموها التابعة لمدينة مارينكا شرق أوكرانيا. وقال حمزة إنه كان يدرس في جامعة روسية متخصصة في اللغات، قبل أن يوقع في آذار/ مارس 2024 عقدًا للانضمام إلى الجيش الروسي مقابل الحصول على الجنسية الروسية.
وحصل حمزة على الجنسية الروسية فور توقيعه العقد، دون الحاجة إلى تقديم الأوراق اللازمة لوزارة الداخلية الروسية. وبعد تحقيق مبتغاه، حاول الهرب، لكنه فشل في ذلك. وأبلغ القيادة الروسية مرارًا عن رغبته في التراجع عن الانضمام إلى الجيش، معربًا عن استعداده للتخلي عن الجنسية الروسية والعودة إلى القاهرة، لكن طلبه قوبل بالرفض.
ونُقل حمزة مكبلًا في شاحنة عسكرية إلى أحد معسكرات التدريب، قبل أن يتم إرساله مع مجموعة هجومية إلى الخطوط الأمامية قرب مدينة كوراخوف الأوكرانية.