وعد
رئيس الحكومة
اللبناني السابق
سعد الحريري في الذكرى العشرين لاغتيال والده رفيق الحريري،
بأن يكون تياره السياسي الغائب منذ ثلاث سنوات، حاضرا في كل الاستحقاقات المقبلة في
لبنان، على وقع التغيرات الداخلية والإقليمية التي أضعفت حزب الله وداعميه.
وقتل
رفيق الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء لفترات طويلة اعتبارا من العام 1992 وحتى استقالته
في تشرين الأول/ أكتوبر 2004، في 14 شباط/ فبراير 2005 بتفجير استهدف موكبه في بيروت،
ما خلّف 22 قتيلا و226 جريحا.
وأتى
إحياء ذكرى اغتيال الحريري، قبل أيام من انتهاء مهلة لتطبيق وقف إطلاق نار بين حزب
الله و"إسرائيل"، أعقب مواجهة مدمرة بينهما، أضعفت حزب الله. وأعقب تبلّغ
لبنان من الأمريكيين، الخميس، عزم "إسرائيل" إبقاء قواتها في خمس نقاط في
جنوب البلاد، بعد انتهاء مهلة انسحابها في 18 شباط/ فبراير، وهو ما يرفضه المسؤولون
اللبنانيون بالمطلق.
في كلمة
ألقاها أمام الآلاف من مناصريه، قال سعد الحريري الذي نادرا ما عبّر عن مواقف سياسية
منذ تعليقه نشاطه السياسي وعمل تياره منذ العام 2022: "هذا التيار، تيار المستقبل..
باق هنا وباق معكم، وسيكون صوتكم في كل الاستحقاقات الوطنية وفي كل المحطات المقبلة"،
من دون أن يذكر تفاصيل إضافية.
ومنذ
ساعات الصباح، تجمّع مناصرو الحريري قرب ضريح والده ورفاقه في وسط بيروت، رافعين الأعلام
اللبنانية ورايات تيار المستقبل الزرقاء، ورددوا الهتافات المؤيدة له، بينما كان يلوّح
من على منصة لمناصريه ويصافح عددا منهم.
وسط
الحشود، قال معين الدسوقي (25 عاما) الذي جاء من البقاع (شرقا): "جئنا لنقف إلى
جانب الرئيس سعد الحريري في ذكرى استشهاد والده"، و"سنبقى معه إلى
آخر نفس ونريد عودته إلى الساحة السياسية لأنه رمز وطني".
هجوم
على "إسرائيل"
هاجم
الحريري رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واتهمه بالهروب من المسؤولية
والسلام إلى الحرب.
وأكد
الحريري، أنه لا يمكن حل الأزمة في غزة عبر تهجير أهلها إلى مصر أو الأردن أو السعودية.
وقال:
"مشكلتنا مع نتنياهو أنه يهرب من المسؤولية ومن السلام إلى الحرب. مشكلته هي الاحتلال
والقتل وتشريد شعب بأكمله".
وشدد على أن "هذه الأزمة لا يمكن حلّها على حساب مصر أو الأردن أو السعودية".
"بداية
العدالة"
ووصل
الحريري المقيم في الإمارات العربية المتحدة، مساء الثلاثاء، إلى بيروت، بعد أسابيع
من انتخاب جوزاف عون رئيسا ومن ثم تشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، بضغط دولي خصوصا من
الولايات المتحدة والسعودية، على وقع تغيّر موازين القوى في الداخل بعد نكسات مني بها
حزب الله في مواجهته الأخيرة مع "إسرائيل" وسقوط حليفه بشار الأسد في
سوريا
المجاورة.
وبرز
الحريري سياسيا بعد جريمة اغتيال والده التي أغرقت لبنان في أزمة كبرى، مع اتهام حزب
الله وحليفته سوريا بالوقوف خلفها.
وقال
الحريري في كلمته إنه بعد عشرين سنة على اغتيال والده "طرد الشعب السوري البطل،
المجرم من سوريا"، مضيفا أنه "ربما هذه هي بداية العدالة، وربما هذه نهايتها.
في الحالتين، رأيتم كيف أنه إن لم تنصفنا عدالة الأرض فعدالة رب العالمين لا يهرب منها
أحد".
سوريا
وأشاد
الحريري بالشعب السوري الذي أسقط نظام البعث وطرد الرئيس المخلوع بشار الأسد من دمشق
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد 20 عاما من طرد اللبنانيين لقواته من الأراضي اللبنانية
عقب اغتيال والده رفيق الحريري.
وقال
الحريري: "منذ 20 عاما ومن هذه الساحة (حيث نظمت اعتصامات وقتها عقب الاغتيال)
طردتم بشار الأسد من لبنان، وبعد 20 سنة من الحكم الطائفي والاعتقال والوحشية قام الشعب
السوري البطل بطرد المجرم من سوريا".
وأضاف
مخاطبًا مناصريه: "طرد بشار الأسد، ربما كان بداية العدالة ونهايتها، وفي الحالتين
إذا لم تنصفنا عدالة الأرض، فعدالة رب العالمين لا أحد يهرب منها".
وأردف:
"هذه مناسبة لنعلن دعمنا لاستقرار سوريا وأفضل العلاقات الندية من دولة لدولة،
كما أعلنت القيادة السورية الجديدة".
وكان
رفيق الحريري الملياردير الذي ربطته علاقات وثيقة بدول الخليج والغرب، بمثابة مهندس
إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب في لبنان (1975- 1990).
وتولى
رئاسة الوزراء مرتين، قبل أن ينتقل في 2004 إلى صفوف المعارضة إثر اعتراضه على تمديد
ولاية الرئيس السابق إميل لحود بضغط سوري.
حتى
مطلع 2022، كان سعد الحريري الزعيم السني الأبرز في لبنان حيث يقوم النظام السياسي
على المحاصصة الطائفية. لكنّ توتّر علاقته مع السعودية، داعمته الرئيسية، شكّل منعطفا
في مسيرته السياسية. فأعلن في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 استقالته من رئاسة الحكومة
من الرياض، منددا بتدخل حزب الله في النزاعات الإقليمية. واعتبر خصومه حينها قرار استقالته
"سعوديا"، قبل أن يعود إلى لبنان بعد أيام بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، ويتراجع عن الاستقالة.
في تشرين
الأول/ أكتوبر 2019، قدّم الحريري استقالته من رئاسة الحكومة إثر اندلاع احتجاجات شعبية
طالبت برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والتي شكل أحد أركانها.
وعزا
البعض تراجع شعبيته إلى تنازلات سياسية قدمها لحزب الله، لكنه قال لاحقا إن هدفه كان
الحفاظ على السلم الأهلي. وجاء ابتعاده من العمل السياسي حينها بعدما مُني بانتكاسات،
ماليا وسياسيا. وعلى وقع التغير في موازين القوى في لبنان، عادت السعودية في الآونة
الأخيرة إلى المشهد السياسي في لبنان، بعد انكفاء طويل اعتراضا على تحكّم الحزب بالقرار
اللبناني.
وأعرب
أستاذ العلوم السياسية عماد سلامة عن اعتقاده بأن السعودية "تسعى إلى قيادة سنية
قوية ومنظمة، وإذا تمكن الحريري من تقديم نفسه بهذه الصورة، فمن شأن عودته أن تخدم
مصالحه ومصالحها".
وأضاف:
"نظرا لقدرته غير المسبوقة على توحيد الناخبين السنة، فإنه يبقى الزعيم الوحيد
القادر على تأمين كتلة برلمانية قوية" في الانتخابات المقررة العام المقبل.
"الدولة
تحمي"
وخرج
حزب الله من مواجهته الأخيرة مع "إسرائيل"، أضعف في الداخل بعدما كان القوة
السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية.
ورأى
الحريري أن لدى لبنان بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة "فرصة ذهبية". وخاطب
أهالي الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، معاقل حزب الله، بالقول: "أنتم شركاء
في هذه الفرصة ومن دونكم لا يمكن أن تتحقق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق
بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح"، وقال: "أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار
للدولة.. التي تحمي كل اللبنانيين".
ورغم
النكسات التي مُني بها، فما زال الحزب يحظى بشعبية واسعة بين مناصريه. وقطع العشرات
منهم ليل الخميس الطريق المؤدي إلى المطار، احتجاجا على امتناع السلطات عن منح إذن
بالهبوط لرحلتين تابعتين لخطوط ماهان الإيرانية، ما حال دون عودة عشرات المسافرين اللبنانيين
من طهران.
وجاء
القرار اللبناني غداة تحذير "إسرائيل" من استخدام الحزب الرحلات المدنية
لنقل أموال من داعمته طهران.