سلط تنصيب أحمد
الشرع رئيسا للجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية الضوء على مصطلح "
الشرعية الثورية"، الذي جرى تداوله بكثرة في الأوساط السورية خلال الفترة الماضية، ما يفتح باب التساؤلات حول مضامين هذا المصطلح ودلالاته.
والشرعية الثورية هي نوع من الشرعية السياسية التي تستند إلى نجاح الثورات، ما يمنح القادة الجدد المدعومين بتأييد شعبي سلطة الحكم دون الحاجة إلى مؤسسات دستورية أو قانونية قائمة، وهو ما يساهم في تحقيق تغيير سياسي سريع في البلاد.
يُنظر إلى هذه الشرعية على أنها تعبير عن إرادة الشعب، حيث يُعد النظام السابق فاقدا للشرعية، ويتم إلغاؤه مع مؤسساته وقوانينه. ويعتمد هذا النوع من الشرعية على القوة الفعلية للثوار والتغييرات الجذرية التي يحدثونها في بنية الدولة والمجتمع.
مراحل الشرعية الثورية؟
تمر الشرعية الثورية بعدة مراحل تبدأ فور نجاح الثورة، حيث يتم ترسيخ السلطة الجديدة من خلال إلغاء المؤسسات القديمة، ووضع قوانين جديدة تتناسب مع أهداف الثورة.
وفي
سوريا، جرى الإعلان في مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية، عن حل مجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد المخلوع، بالإضافة إلى حل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم البلاد منذ انقلاب عام 1963.
وبهذه السلسلة من القرارات الثورية، تكون سوريا قد طوت صفحة نظام عائلة الأسد الذي حكم البلاد طوال أكثر من نصف قرن، لتبدأ بمرحلة انتقالية تهدف إلى العبور بالبلاد إلى "انتخابات حرة نزيهة" حسب تعبير الشرع في خطابه الأول إلى الشعب السوري، وهي ما يعني الانتقال إلى "الشرعية الدستورية".
ما الفرق بين الشرعية الثورية والدستورية؟
في بعض الحالات، تنتقل الدولة تدريجيا إلى شرعية دستورية، بينما في حالات أخرى، تستمر الشرعية الثورية لفترات طويلة، ما قد يؤدي إلى استبداد النظام تحت ذريعة حماية مبادئ الثورة.
وهناك اختلاف واضح بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية؛ فالأولى تستمد قوتها من التغيير الثوري المباشر، بينما تعتمد الثانية على المؤسسات القانونية والدستور والانتخابات.
ويرى الباحث في المركز العربي بواشنطن، رضوان زيادة، أن المبدأ العام الموجود في جميع الدساتير حول العالم الذي ينص على أن "الشعب مصدر السلطات"، يبرر الشرعية الثورية التي تعد مبدأ استثنائيا يتم اللجوء إليه خلال الفترات الانتقالية بعد الثورات، إلى غاية العودة إلى مبدأ شرعية الانتخابات.
ويوضح زيادة في مقال نشره عبر موقع "تلفزيون سوريا" أن إدارة العمليات العسكرية التي قادت عملية ردع العدوان التي أطاحت بحكم عائلة الأسد، تمتلك الشرعية الثورية.
ويلفت إلى أن إعلان الناطق باسم "العمليات العسكرية" حسن عبد الغني تفويض الشرع برئاسة سوريا خلال المرحلة الانتقالية، يرمز إلى انتقال هذه الشرعية إلى الشرع من أجل البدء بالعملية السياسية.
مخاطر قد تنتج عن "الشرعية الثورية"
◼ قد تؤدي إلى استبداد طويل الأمد عندما يتمسك القادة الثوريون بالسلطة بحجة حماية الثورة.
◼ قد تخلق حالة من عدم الاستقرار بسبب غياب المؤسسات القانونية الراسخة.
◼ قد تُستخدم في بعض الأحيان كذريعة لتأجيل الانتخابات أو قمع المعارضين.
تحديات تواجه "الشرعية الثورية"
بينما قد تكون الشرعية الثورية قوية في المراحل الأولى من الثورة، فإن الحفاظ عليها على المدى الطويل يشكل تحديا كبيرا، حيث من الممكن يمكن أن تتسبب عدة عوامل في إضعاف هذه الشرعية، من بينها:
◼
الفشل في الوفاء بالوعود: إذا فشلت الحكومة الثورية في معالجة القضايا التي أدت إلى الثورة في المقام الأول، مثل الفقر أو الفساد أو الظلم، فقد يتم التشكيك في شرعيتها.
◼
الانقسامات الداخلية: يمكن أن تؤدي الفصائل داخل الحركة الثورية إلى صراعات داخلية، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار أو فقدان الدعم الشعبي.
◼
الاستبداد: العديد من الحكومات الثورية، بعد أن كانت تروج للحرية والمساواة، تلجأ إلى أساليب استبدادية لتوطيد السلطة، ما يضعف شرعيتها ويؤدي إلى احتجاجات جديدة.
◼
العزلة الدولية: غالبا ما تواجه الثورات معارضة من الدول الأخرى، خاصة إذا كانت الثورة تتحدى المصالح الأجنبية، الأمر الذي يؤدي في حال تحول إلى عزلة لدبلوماسية إلى إضعاف قدرة الحكومة الثورية على العمل بشكل فعال.
◼
العنف والقمع: يمكن أن يؤدي العنف المفرط أو قمع المعارضين السياسيين أو الانتهاكات لحقوق الإنسان بعد نجاح الثورة، إلى تآكل الشرعية الأخلاقية للحكومة الجديدة.
الصورة الأوسع
رغم كونها وسيلة إلى تحقيق انتقال سياسي سريع في البلاد عقب الثورات، إلا أن الشرعية الثورية لا تحظى دائما بالقبول العالمي في حال لم تتمكن السلطات الجديدة، التي تأتي إلى السلطة من خلال الثورة من إثبات قدرتها على الحكم، وبناء المؤسسات وتجنب تكرار انتهاكات النظام السابق.
ويرى مراقبون أن إعلان تنصيب الشرع رئيسا بعد 53 يوما من سقوط النظام، جاء نتيجة لعوامل عديدة من بينها التجاوب الإيجابي الذي لاقته السلطات الجديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال عشرات الوفود التي قدمت إلى دمشق منذ سقوط النظام.
وتتأهب سوريا عقب كشف الشرع عن ملامح المرحلة الانتقالية للدخول في مرحلة جديدة، تهدف إلى الانتهاء بالوصول إلى الشرعية الدستورية، وقد يلعب أداء الحكومة الجديدة في هذه المرحلة في تقليص أو تعزيز حالة الشرعية الثورية إلى غاية تحقيق أهداف المرحلة المعلنة.