مقالات مختارة

وقف إطلاق النار في غزة: انتصار الصمود الفلسطيني

جيتي
بعد 465 يوماً على طوفان الأقصى، أعلنت قطر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتبادل الأسرى، وانسحاب القوات الغاصبة على مراحل.

لقد تساقطت أجندة اهداف الحرب الصهيونية على غزة، مثل أوراق الخريف، بدءاً من تفريغ الشمال وتهجير أهله، مروراً بخطة الجنرالات، والسيطرة على محور فيلادلفيا، ومعبر رفح إلى الأبد، وانتهاءً بتدمير حماس والقضاء عليها.

لقد فشل الاعتداء الصهيوني على غزة في كسر شوكة الغزيّين وقادة حماس، لقد فشل نتنياهو وجنرالات الحرب، برغم كل الدعم العسكري واللوجستي، والاستخباراتي، في القضاء على المقاومة، المقاومة فكراً والمقاومة عملاً، بل على العكس تماماً، لقد نجحت حماس في ترسيخ فكر المقاومة والصمود والتحدّي في نفوس كل من عاصر هذه الحرب، ليس فقط في وعي شعوب المنطقة، بل في وعي العالم أجمع.

لقد فشلت الدعاية الصهيونية لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، من تكريس دعايتها والظهور بمظهر الدولة الحضارية التي تتعرض للاعتداءات من جيرانها العرب، بسبب وحشيتهم ومعاداتهم للساميّة، لقد فشلت ليس فقط في تكريس الدعاية الزائفة، بل وفشلت فشلاً ذريعاً في مسح صورتها الإجراميّة التي ظهرت بكل وضوح أمام مرأى الجميع، وتم توثيقها على صفحات التاريخ.

لقد شهد العالم لأول مرة في تاريخه مثول دولة الاحتلال الإسرائيلي في قفص الاتهام، أمام محكمة العدل الدولية بل والحكم عليها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وإصدار مذكرات اعتقال بحقّ قادتها!

وفي سابقة هي الأولى في التاريخ، يتم اختراق الدولة الصهيونية وسقوطه في الاختبار الحقيقي أمام شجاعة وبسالة المقاومة الفلسطينية، حيث ظهر ضعف هذه الدولة المنهارة والمتهالكة أمام العالم وأمام مواطنيها.

ستحتاج دولة الاحتلال إلى عقود طويلة لتعيد هيبتها، وصورتها أمام مواطنيها وأمام جيرانها!
لقد انتصرت غزة بصمودها، وبسالة شعبها، وصبرهم واحتسابهم وإيمانهم أمام أعتى جيوش المنطقة، وأمام دعم عسكري لا حدود ولا نظير له، لقد شهد العالم كيف أن مخازن دولة الاحتلال قد نفدت المرة تلو الأخرى، وهذا الشعب صامد، يلقّن عدوه دروساً في الوطنيّة والصمود على أرضه.

لقد تعرّضت غزة وأهلها للتجويع والحصار، وتدمير المرافق الحيوية وحرمانهم من أساسيات الحياة، المأوى والطعام والعلاج، ولكن أحداً من أهل غزة لم يخرج ليلعن المقاومة أو يشتم الزمن والظروف، بل كانوا جميعهم مثالاً للصمود والصبر والايمان ورباطة الجأش، والسلام مع النفس، رغم الألم ورغم مرارة الحياة، وفقدان الأمل.

ولكن هذا كلّه لم يمنع البعض من القول إن الحسابات على الأرض لا تشير إلى انتصار، بل إلى هزيمة، وهذا هو منطق الخوّافين.

لقد جاء طوفان الأقصى في وقت كانت القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

وفي ظل تصفية القضية سياسياً وقبول العرب بالجارة الجديدة إسرائيل وبدء مسلسل التطبيع المجاني.

ناهيك عن أفول الربيع العربي وتبخّر الرغبة العارمة في التغيير التي اجتاحت الشارع العربي قبل عقد من الزمن.

من ناحية أخرى، فقد نجح حزب الله في التحكّم في مفاصل الدولة اللبنانية وبات يمارس ما يُعرف بالتنمّر السياسي على الجيش وعلى مختلف مؤسسات الدولة.

لكم أن تذكروا أن لبنان بلا رئيس ولا حكومة -باستثناء حكومة تصريف الأعمال – منذ ما يقارب العامين.

أما في سوريا، فكان نظام الأسد المهزوم الذي باع البلد لروسيا وإيران، وميليشيات حزب الله، يسرح ويمرح في البلاد، وهمّه الوحيد البقاء في السلطة، واستمرار الضغط على رقاب المواطنين.
أما عن دولة الاحتلال، فقد وقف نتنياهو قبل أشهر قليلة من بدء الطوفان على منبر الأمم المتحدة، حاملاً خارطة المنطقة مبشراً بحلول السلام والتطبيع مع كل الجيران العرب، دون أي ذكر لدولة فلسطينية أو لشعب يسمى بالشعب الفلسطيني، ولم يعترض حاكم أو مسؤول ولم تخرج جهة إعلامية عربية رسمية لتندّد أو تشجب!

لقد وقف نتنياهو أمام العالم وقال إننا الدولة الأقوى في المنطقة، والأفضل تكنولوجياً على مستوى العالم، وعلى من يريد أن يكون رائداً في مجال الأمن السيبراني والأمن العسكري، فليشتري من بضاعتنا!

هذا هو المشهد قبل السابع من أكتوبر، أيها العقلانيون، فهل هذا أفضل حالاً مما نحن فيه اليوم؟
نحن اليوم أمام نقطة تحوّل في الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، لقد عادت فلسطين إلى الواجهة، وتم تسمية الأشياء بمسمّياتها، فقد كشف الطوفان الوجه الحقيقي لسادة العالم أمام شعوبها، وأسقط الأقنعة جميعها.

لأول مرة منذ عقود مضت، يترسّخ في ذهن الفلسطينيين والوطنيين الحقيقيين، أن حلف المقاومة والممانعة لم يكن سوى واحد من أوهام هذا الزمن السيئ الذي جعلنا نتعلق بقشّة، ونركض وراء السراب!

وأن طريق القدس لم يكن يوماً مُعبّداً للطغاة والديكتاتوريين، وأن حال لبنان اليوم، لبنان الدولة، لا دولة الميليشيات ومراكز القوى، هو أفضل بكثير من لبنان الأمس.

وأن سوريا اليوم، سوريا الحرية والديمقراطية، وليس سوريا الأسد، وهذا يصب في مصلحة المنطقة وشعوبها، والأمل قادم أيضاً في إرساء الديمقراطيات الحقيقية في باقي بلدان المنطقة، لأن الربيع العربي الذي عاد من بوابة سوريا، عليه ألا يتوقف.

أما جيل اليوم فلعمري إنه حصان طروادة الذي سيعمل على تغيير وجه العالم والتخلص من الأقليّات الحاكمة التي تخدم المشروع الصهيوني.

إن هذه النهضة الفكرية، ومقدار الوعي الذي نشره صمود أهل غزة في الملايين حول العالم، سيثمر في يوم من الأيام، وسيكون نصراً ودعماً للحق في وجه الطغيان، وإنه لجهاد؛ نصرٌ أو استشهاد!

القدس العربي