تسبب الملياردير الأمريكي إيلون
ماسك، مالك شركة تسلا للسيارات ومنصة إكس، في إثارة عاصفة من الجدل السياسي في
بريطانيا
على مدى الأيام الماضية، مثلما هو الحال في
أوروبا، حيث يُتهم بمحاولة التدخل في السياسة
الداخلية والانتخابات في هذه الدول، عبر دعم أحزاب
اليمين المتطرف، والتحريض على
المهاجرين.
وبينما يركز ماسك على عنوان معاداة
الهجرة، فإنه يدعم شخصيات من اليمين المتطرف معروفة بعدائها للإسلام، مثل الكاتب دوغلاس
موراي، الذي بات يوصف بأنه من أكبر المدافعين عن إسرائيل في بريطانيا. ووصف ماسك موراي بأنه "أفضل كاتب". وكذلك الأمر مع الناشط
في اليمين المتطرف ستيفن ياكسلي لينون، المعروف باسم تومي
روبنسون.
وفي المقابل، قال ماسك الأحد إنه يتعين
على نايجل فاراج أن يتنحى عن زعامة حزب الإصلاح البريطاني اليميني، وذلك في سحب
مفاجئ لدعمه للسياسي البريطاني. وقال ماسك عبر منصة إكس: "حزب الإصلاح يحتاج
إلى زعيم جديد. فاراج لا يملك المؤهلات اللازمة".
وجاء ذلك بعد بضع ساعات من وصف فاراج
لماسك بأنه صديق جعل الحزب يبدو "رائعا"، حيث نأى فاراج بنفسه السبت عن
التعليقات التي أدلى بها ماسك دعما لروبنسون المعروف بتحريضه على المسلمين، المسجون
حاليا بسبب قضية سابقة تتعلق بتكرار مزاعم كاذبة بحق تلميذ سوري رغم أمر قضائي
سابق.
ورد فاراج على منشور ماسك الأحد
قائلا: "حسنا، هذه مفاجأة!
إيلون ماسك شخص رائع، لكنني لا أتفق معه في هذا.
وجهة نظري تظل أن تومي روبنسون ليس مناسبا للإصلاح، وأنا لا أبيع مبادئي
أبدا".
وحصل حزب الإصلاح اليميني المعادي للمسلمين
وللهجرة، على 4.1 مليون صوت، أو 14 في المئة من إجمالي الأصوات وخمسة مقاعد في
البرلمان في الانتخابات العامة في تموز/ يوليو الماضي.
وتكهنت وسائل إعلام في الآونة
الأخيرة بأن يقدم ماسك، الحليف الوثيق للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب،
تبرعا نقديا كبيرا لحزب الإصلاح؛ لمساعدته في تحدي حزبي العمال والمحافظين
المهيمنين في بريطانيا.
وثارت تساؤلات حول مدى قانونية تقديم
تمويل أجنبي لحزب بريطاني، لكن يبدو أن ماسك سيعمد إلى استخدام أموال شركات يملكها
في بريطانيا لهذا الغرض.
والشهر الماضي، أيَد ماسك حزب البديل
من أجل ألمانيا، وهو حزب مناهض للهجرة وللإسلام، ووصفته أجهزة الأمن الألمانية
بأنه حزب يميني متطرف، في وقت تستعد فيه البلاد للانتخابات العامة في شباط/ فبراير.
وسعى ماسك للتأثير على السياسة
البريطانية، وانتقد مرارا رئيس الوزراء كير ستارمر، وقال إنه ووزراء آخرين في حكومته
يجب أن يكونوا في السجن.
مدخل عصابات استغلال الأطفال
ودعا ماسك الأسبوع الماضي إلى إجراء
تحقيق في التعامل مع قضايا شهدت اتهام رجال من أصول باكستانية باستغلال أطفال
جنسيا، في وقت كان يترأس فيه ستارمر منصب المدعي العام.
وخلص تحقيق في عام 2014 إلى أن 1400
طفل على الأقل تعرضوا للاستغلال الجنسي في روشديل وروذرهان وأولدهام، بشمال إنجلترا، بين عامي 1997 و2013. وتولى ستارمر منصب المدعي العام بين عامي 2008 و2013.
ويزعم ماسك أن وزارة الداخلية في حكومة جوردن براون عرقلت التحقيقات، مروجا مزاعم لم تثبت صحتها عن وجود مذكرات من الوزارة للشرطة بعدم إجراء تحقيق في الانتهاكات ضد الفتيات لأنهن اخترن طريقهن لحياتهن الجنسية. كما يتهم ماسك؛ ستارمر بأنه غطى على المتهين بعد قراره عام 2009 بعدم محاكمة متهمين في روشديل بعدما خلص محامو الادعاء العام إلى أن شكاوى الضحايا كانت موضع شك أو أن روايتهن لم تكن ذات مصداقية.
لكن نذير أفضل،الذي كان قد عُيّن حديثا كمدع عام لشمال غرب إنكلترا، قرر في 2011 إلغاء القرار السابق وأطلق محاكمة بحق المتهمين انتهت بسجن تسعة منهم في 2012 بعد اتهامهم باستغلال 47 فتاة.
وبعد استخدام ماسك تصريحات أدلى بها أفضل في عام 2018، ليتهم من خلالها ستارمر بالتواطؤ مع المتهمين، أكد أفضل في منشورات له على منصة إكس أن بعض ضباط الشرطة عرقلوا التحقيقات لأنهم فهموا خطأ تعميما صادرا عن مسؤولين في وزارة الداخلية بشأن عدم متابعة الأشخاص الذين يدخلون في مرحلة البلوغ بشأن حياتهم الجنسية بعد تعريفهم بالمخاطر في هذا السياق، لكن أفضل نفى أن يكون هناك تعميم بشأن التغاضي عن عصابات استغلال الأطفال أو اغتصابهم كما يدعي ماسك.
ودافع وزير الصحة والرعاية
الاجتماعية البريطاني ويس ستريتنج، الأحد، عن ستارمر وعضو آخر في حكومته، وهي جيس
فيليبس، التي أثارت غضب ماسك بقولها إن أي تحقيق جديد يجب أن تتعامل معه السلطات
المحلية. وصف ماسك فيليبس بأنها "اعتذارية
للإبادة الجماعية بالاغتصاب".
والاثنين، قال ستارمر إن "الذين
ينشرون الأكاذيب والمعلومات المغلوطة على أوسع نطاق ممكن لا يهتمون بالضحايا، إنهم
يهتمون بأنفسهم". وأوضح ستارمر أن ينبغي العمل على تطبيق توصيات التحقيق الأخير وليس إجراء تحقيق جديد.
وأشار ستارمر إلى ماسك دون ذكره
بالاسم: "الذين يهللون لتومي روبنسون ليسوا مهتمين بالعدالة، هم يدعمون رجلا ذهب إلى السجن بسبب تحطيمه
تقريبا قضية استغلال جنسي، عصابة استغلال جنسي. هؤلاء أناس يحاولون الحصول على نوع
من الإثارة من عنف الشارع، وهو ما يعمل أشخاص مثل تومي روبنسون على ترويجه".
وللمفارقة،
فإن روبنسون سبق أن قضى ستة أشهر في السجن عام 2019؛ لاتهامه بعرقلة محاكمة متهمين
من اليمين المتطرف في ليدز، متورطين بعصابة لاستغلال الأطفال جنسيا. وهي ذات
التهمة التي يعتمد على ماسك في التحريض على المهاجرين ولتبرير دعمه لأشخاص مثل
روبنسون.
دعم
إسرائيل
وعلاوة
على حملته المعادية للهجرة ودعم أحزاب وشخصيات من اليمين المتطرف، أبدى ماسك دعما
قويا لإسرائيل، حيث زار المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، للتعبير عن الدعم للمستوطنين والأسرى بعد عملية طوفان الأقصى، وقال إنه
يتفق مع نتنياهو في هدفه للقضاء على حركة حماس.
وتلقّى ماسك قلادة معدنية من عائلات
الأسرى الإسرائيليين، وتعهد بأنه سيبقيها على عنقه حتى إطلاق سراح الأسرى في غزة،
فيما رفض اقتراحا فلسطينيا بزيارة غزة.
وجاءت الزيارة بعدما واجه ماسك، في منتصف
تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عاصفة من الهجوم والانتقادات بسبب تأييده منشورا عن
"اليهود" على منصبة إكس؛ جلب له تهمة معاداة السامية وتوبيخ البيت
الأبيض وحملة مقاطعة شرسة من العديد من الشركات الكبرى أعلنت عن وقف إعلاناتها على
المنصة.
يمين أوروبا
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية الاثنين
إن تأثير إيلون ماسك على الشعب الألماني محدود، مقللا من شأن نفوذ الملياردير
الأمريكي بعد انتقاده للمستشار أولاف شولتس ودعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا
اليميني المتطرف.
وأضاف المتحدث خلال مؤتمر صحفي دوري
في برلين "الناس العاديون والعقلاء والمحترمون يشكلون الأغلبية في هذا
البلد".
وتابع "نتصرف كما لو أن تصريحات
السيد ماسك على تويتر يمكن أن تؤثر على بلد يبلغ عدد سكانه 84 مليون نسمة
بالأكاذيب أو أنصاف الحقائق أو التعبير عن الرأي. لكن ببساطة هذا ليس هو
الحال"، مشيرا إلى منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها ماسك باسمها القديم تويتر
قبل أن يغير الملياردير اسمها إلى إكس.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون: "قبل عشر سنوات، لو قيل لنا إن صاحب إحدى أكبر الشبكات
الاجتماعية في العالم سيدعم أممية رجعية جديدة، ويتدخل بشكل مباشر في الانتخابات،
بما في ذلك في ألمانيا، فمن كان يتخيل ذلك؟".
وهاجم ماسك الهجرة إلى الغرب بشكل
عام، وقال تعليقا على منشور عبر منصة "إكس" التي يمتلكها: "أصبحت
البلدان مجرد حدائق ترفيهية غير حقيقية كما كانت في السابق".
وجاء تعليق ماسك على منشور
لـ"كايزن دي أسيدو" الذي يصف نفسه بأنه "مدرب للحياة" وقال
فيه: إن "المفارقة في هذه الدفعة من التعددية الثقافية/ الهجرة الجماعية في
أوروبا هي أنها في الواقع سوف تنتج تنوعا أقل، وليس أكثر". وأضاف أن
"إنجلترا لن تكون إنجليزية، وألمانيا لن تكون ألمانية، وإيطاليا لن تكون
إيطالية".
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد أعلنت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي التوقف عن نشر أي محتوى على منصة "إكس" التي يملكها ماسك، الذي دعم الرئيس الأمريكي المنتخب
دونالد ترامب بقوة خلال السباق الرئاسي، وأنفق نحو 250 مليون دولار لدعم حملته.
وقالت الصحيفة إن الانتخابات
الرئاسية الأمريكية أكدت مخاوفها الطويلة بشأن المحتوى المنشور على المنصة، مشيرة
إلى أن "ماسك لعب دورا مهما في حملة دونالد ترامب الرئاسية وكافأه على جهوده
بدائرة متخصصة بتحسين الكفاءة في مؤسسات الحكومة الأمريكية"، مشيرة إلى "المحتوى
المثير للقلق المنشور" على المنصة التي يساهم في ملكيتها ممولون مثل الملياردير
الأمريكي بيل آكمان.
وسبق أن أعلن ماسك عن أنه سيرفع الحظر
عن جميع الحسابات، وهو ما أثار القلق حول السماح بنشر خطابات لليمين المتطرف تصنف
في إطار خطاب الكراهية.
وآكمان هو أيضا أحد الداعمين لحملة
ترامب أيضا، وهو معروف بتأييده
الشديد لإسرائيل، وبهجومه على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، وكان قد وقف وراء حملة
للكشف عن أسماء طلاب في جامعة هارفارد الأمريكية، وقعوا رسالة عريضة مناهضة
لإسرائيل خلال العدوان على غزة.
وفي
الأيام الماضية، انضم آكمان لهجوم ماسك على السياسيين البريطانيين، على خلفية التحقيق
في قضية الاستغلال الجنسي، وهي قضية تستخدم لتبرير الهجوم على الهجرة.