مع شروق شمس
الحرية على سماء
سوريا، انفجرت مشاعر الفرح والاحتفال بين
السوريين في الداخل والخارج، بعد أن شهدت البلاد لحظة تاريخية بهروب بشار
الأسد
وسقوط نظامه الطائفي القمعي الذي جثم على صدر الشعب، هو ومن قبله والده، أكثر من خمسين
سنة.
مشاهد الاحتفالات عمّت المدن والبلدات ليس في سوريا فقط، بل في عمت مدن
العالم في شتات السوريين الذين يقدر البعض أعدادهم بنصف الشعب، حيث رفرفت أعلام
الثورة، وارتفعت الأصوات بالهتافات تعبيرا عن الانتصار الذي طالما حلم به الشعب
السوري، وشاركهم في ذلك كل أحرار العرب والعالم.
الثوار الذين حملوا راية الحرية، رغم كل التحديات والمآسي، وجدوا في هذا
اليوم تجسيدا لأحلامهم وتضحياتهم، وبدت الفرحة والأمل على وجوه الأحرار وكأنهم
ولدوا من جديد، وزادت الفرحة بخروج المعتقلين من سجون النظام القمعي، حتى إن تحرير
المعتقلين من سجن صيدنايا، سيئ السمعة، مثلت لحظة مخاض لولادة فجر جديد لسوريا،
بينما اجتمعت الأسر لإحياء ذكرى من فُقدوا خلال سنوات الكفاح. هذا الانتصار لم يكن
مجرد سقوط نظام ديكتاتوري، بل إعلانا لبداية فصل جديد، يُرسي فيه السوريون دعائم
الحرية والكرامة والعدالة، ليسجل التاريخ اليوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر
كيوم استقلال حقيقي لبلد الحضارة والتاريخ سوريا.
بعد سقوط نظام بشار الأسد ودخول الثوار العاصمة دمشق، تتجه الأنظار إلى
الخطوات المستقبلية التي ستتخذها المعارضة السورية، وفقا لتصريحات قيادات
المعارضة، عدة خطوات واجبه أو على الأقل متوقعة؛ أولها تشكيل حكومة انتقالية، فعل
الرغم من أن الثوار قرروا أن يستكمل محمد غازي الجلالي، رئيس الوزراء في نظام بشار
الأسد، مهامه كرئيس وزراء انتقالي، وهي بالمناسبة فكرة عبقرية لضمان سير العمل في
دولاب الدولة، فإن رئيس الائتلاف السوري المعارضة السابق، سالم المسلط، في تصريح
لشبكة "سي إن إن" العربية أشار إلى ضرورة تشكيل هيئة انتقالية لإدارة
البلاد لمدة تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر، تكون مهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات
برلمانية، تمهيدا لتشكيل النظام السياسي في البلاد.
ما صرح به المسلط يعني بالضرورة أمرين، أولهما ضرورة انسحاب الفصائل
المعارضة المسلحة من المدن؛ ومن ثم تسليم مهام الأمن لشرطة مدنية، وهو ما يستوجب
الإسراع في إعادة تشكيل وتهيئة وتدريب شرطة احترافية، وذلك يحتاج بالضرورة مساعدة
من دول الثورة الصديقة، وعلى رأسها تركيا وقطر، والأمر الثاني هو اتخاذ القرار
الجريء بتفكيك هذه الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة، لا سيما وأن المقاطع المصورة
خاصة في دمشق تثير مخاوف من انتشار السلاح بين المدنيين بعد هروب عناصر النظام
والمليشيات الموالية له مخلفين أسلحتهم؛ هروبا من الثوار وخوفا من المحاسبة.
وبمناسبة المحاسبة، فإن العدالة الانتقالية مشروع كبير على عاتق الدولة
الوليدة، فما عاناه السوريون من قمع وبطش وتنكيل لا يتحمله بشر، والحديث عن نموذج
رواندا وجنوب أفريقيا، حديث في فراغ اللاوعي، فالشعب السوري ليس كالشعب الرواندي
أو الجنوب أفريقيا، وعلينا أن نصدق ذلك حتى نستطيع أن نعالج الأمر بموضوعية، ما
يعني أن الثوار والمتخصصين منهم يحتاجون أن يؤسسوا لتجربة في مجال العدالة
الاجتماعية يتناسب وطبائع وظروف الشعب السوري، وهذا ليس عن هذا الشعب المبدع
ببعيد، فالمبدعون موجودون ويمكن الاستفادة من خبرات إخوانهم من العرب وأحرار
العالم.
أمر آخر للدولة الوليدة، وهو ما شاهدناه حتى الآن، وهو يثبت نضج هذه الثورة
التي راهنت عليها، وبشرت بنجاحها، حتى وهي في أضعف حالتها، ألا وهو الحفاظ على
مؤسسات الدولة. فالثوار الآن يؤسسون لدولة، لا يهدمون نظاما، فهذه المؤسسات هي
مؤسسات الدولة الوليدة، ولا مانع أن يُترك الموظفون على رأس عملهم لإدارة الدولة،
مع رقابة صارمة لمنع الفساد، أو التلاعب، حرصا من الثوار على ثورتهم والدولة
الوليدة. فالثورة المضادة لن تهدأ، وكارهو حرية الشعوب لن يعدموا وسيلة، وأصحاب
النفوس الضعيفة حاضرون لخدمتهم، وهو ما يحتاج منهجية إدارية ونظم رقابة مستندية
تحول دون الولوج في هذا النفق الذي إذا ما سقطت فيه أي دولة لم تخرج منه إلا
بثورة، وها هي الثورة، فقدموا نموذجكم أيها الثوريون.
سوريا الجديدة تحتاج إلى سواعد وخبرات وجهود أبنائها، فنحن الآن أمام
الاختبار الحقيقي للوطنية، فمن هتف في الشوارع، أو من أيد عبر منصات التواصل
الاجتماعي، وزايد على وطنية إخوانه، فليثب ذلك على نحو عملي الآن، فها هي الساحة،
بعد أن زال الخوف، وتبدد الظلم وأصبح المجال مفتوحا لبناء الدولة، ولا عذر.
سوريا الجديدة ليست بمعزل عن العالم، فهي مؤثرة ومتأثرة بكل تحرك في الفضاء السياسي الإقليمي والدولي، وهو ما يعني ضرورة الانفتاح على العالم، سواء الصديق أو حتى من وقف أمام الثورة، فسوريا قبل الثامن من كانون الأول/ ديسمبر تختلف عن سوريا بعده
على الأطباء والكوادر الطبية في الشتات أن ينظموا أنفسهم، وكذا المهندسون
والمدرسون والإعلاميون، وكل صاحب حرفة ومهنة، لوضع الخطط وبذل الجهد وتقديم العون،
وبالتالي العودة إلى سوريا الأم لبناء الجمهورية الجديدة، وليكن هذا التنظيم هو
نواة لمجتمع مدني قوي، يؤدي دورا في دولة الديمقراطية الوليدة؛ ضاغطا لمصلحة الوطن
والمواطن، ورادعا لأي تعسف في استخدام السلطة محتمل.
سوريا الجديدة ليست بمعزل عن العالم، فهي مؤثرة ومتأثرة بكل تحرك في الفضاء
السياسي الإقليمي والدولي، وهو ما يعني ضرورة الانفتاح على العالم، سواء الصديق أو
حتى من وقف أمام الثورة، فسوريا قبل الثامن من كانون الأول/ ديسمبر تختلف عن سوريا
بعده، فالدولة لها حساباتها، وفي تلك الحسابات توضع موازين للتعامل مع كل دولة، مع
وضع المصالح العليا لسوريا أمام أعين متخذ القرار. وفي هذا المجال، فإن من تعاملوا
مع المجتمع الدولي في الفترة القادمة يجب أن يكون لهم دور مهم في المرحلة الجديدة،
وإن كنت أرى ألا يكونوا في الواجهة، لا سيما بعد أدائهم الباهت في كثير من
الأحيان، واستطاعة الفاعلين الالتفاف عليهم، لكن أن يكونوا مستشارين فهذا أمر جيد،
وذلك لمصلحة سوريا التي يترقبها العالم، فمن مصلحة سوريا أن تقدم وجوها جديدة لم
يعرفها المجتمع الدولي ولم يختبرها، مع عنوان عريض بالانفتاح على الجميع بشروط
الثورة والشعب السوري.
ختاما..
أفرحتمونا أيها الثوار، وأبكيتمونا، فوالله لم أستطع أن أكتب هذه الكلمات
إلا بعد ساعات، قضيتها في شكر الله على نعمه، وأهمها تثبيت كل حر على مبادئه، بأن
وعد الله حق، وأن الظلم زائل لا محالة، وأن الله وعد بنصر المؤمنين، فمن آمن
بقضيته وعدالتها فالله ناصره لا محالة، ولكن الإنسان خلق عجولا.