قضايا وآراء

في المسارات الميدانية لمعارك "ردع العدوان" و"فجر الحرية" بشمال سوريا

"تحرك مرتقب سيطرأ على الجانب السياسي، يتناسب مع حجم الإنجاز الميداني"- جيتي
وصلت الثورة السورية خلال السنوات الأخيرة إلى حالة انسداد سياسي، وذلك بعد تبريد الجبهات، والانشغال ببناء بدائل الإدارة في المناطق المحررة، ومحاولات إيجاد ثغرات لتفعيل أي حل سياسي، لكن جميع المسارات السياسية لم تعد تفرز شيئا ذا أثر يمكن أن يؤسس لأي انفراج سياسي، حتى أصبحت لقاءات أستانا نسخا مكررة عن سابقاتها.

تعددُ الفاعلين في الملف السوري وتضارب مصالحهم هو أحد أهم أسباب الاستعصاء السياسي؛ فتركيا تولي أولوية لأمنها القومي في ظل التهديد المستمر من طرف القوات الكردية المدعومة من أمريكا التي تتركز مصالحها في الشرق السوري. وقد شهدت الأشهر السابقة دعوات تركية متكررة لرأس النظام السوري لتطبيع العلاقات مع تركيا، ورغم الضغط الروسي على النظام السوري إلا أن الأخير استمر بتعنّته مراهنا على تغير الظروف أو على التطبيع العربي.
مساحة التحرير التي تتحرك فيها فصائل الثورة من جميع المحاور لم تقترب حتى الآن من الخطوط الحمراء التي يمكن أن تدفع القوى الأجنبية صاحبة المصالح في سوريا إلى التدخل العنيف المباشر، وهو ما سيرفع فاتورة التحرير ويصعّب الخيارات السياسية

من جانب آخر، فإنَّ روسيا التي لها مصالح سياسية واقتصادية مباشرة في سوريا، تتقاسم مع إيران النفوذ داخل مؤسسات الدولة والجيش، وتحاول أن تمرر الحل السياسي من خلال المسارات التي اتفقت عليها مع تركيا. أما إيران فتتواجد من خلال أذرعها ومليشياتها بصورة ميدانية في صورة احتلال للمدن والبلدات السورية، وتموّل النظام ماليا وعسكريا ولوجستيا لأكثر من عشر سنوات، وهي تعاني من ضعف النفوذ العسكري في المنطقة، لا سيما بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لقوات حزب الله في معارك لبنان العسكرية والأمنية.

الثوار على الأرض لم يكونوا طرفا في أي مسار سياسي، بل كانوا منتظرين للفرصة المواتية، ومنشغلين بالتحضير لمعارك جديدة. ومع انطلاق معركتي #ردع_العدوان، و#فجر_الحرية، التي أطلقها الثوار السوريون والذين تمكنوا من طرد قوات النظام السوري ومليشياته المساندة من مدينة حلب وريفها وريف إدلب الجنوبي، فإنَّ تحركا مرتقبا سيطرأ على الجانب السياسي، يتناسب مع حجم الإنجاز الميداني، وهو ما ينبغي التركيز عليه وتعظيمه في هذه المرحلة.

والملاحظ أن مساحة التحرير التي تتحرك فيها فصائل الثورة من جميع المحاور لم تقترب حتى الآن من الخطوط الحمراء التي يمكن أن تدفع القوى الأجنبية صاحبة المصالح في سوريا إلى التدخل العنيف المباشر، وهو ما سيرفع فاتورة التحرير ويصعّب الخيارات السياسية، وبالتالي فالمسارات الميدانية لسير المعارك لا بد أن تراعي النقاط التالية:

أولا: القوة الأضعف حاليا هي قوات النظام ومن ورائها إيران ومليشياتها، وجميع المناطق التي سيطرت عليها إدارة العمليات العسكرية حتى الآن كانت تحت سيطرة هؤلاء المباشرة، والمصلحة الأمريكية والروسية والإسرائيلية في هذه المناطق ثانوية. وعليه فمن الحكمة أن يركّز الثوار في هذه المرحلة على ثلاثة محاور:

1- إتمام السيطرة على الريف الشرقي لحلب وأهمها معاقل مليشيا إيران ومعاملها العسكرية ومستودعاتها الإستراتيجية جنوب السفيرة، فهذه أهم ركائزهم في الشمال السوري، ثم إن الثورة أولى بهذه الغنائم من تمدد قسد بأوامر أمريكية والسيطرة عليها.

2- تطوير محور التقدم والتوغل الحذر من خلال ريف حماة الشرقي مرورا بالسعن، وعبر البادية السورية للوصول لجيوب الثورة المتبقية وصولا إلى حوران مهد الثورة من الشرق، مع توقع هجمات وغدرات داعشية في هذه المناطق.

3- تركيز العمليات غربا على معاقل النظام وخزانه البشري في قمحانة ومحردة وقرى الساحل، لنقل المعركة إلى أرضهم وإشغالهم وتدمير ما تبقى من مخزونهم.

ثانيا: العزوف الروسي حتى الآن عن إسناد قوات النظام ومليشيا إيران بشكل جدي؛ مرجعه أن المصالح الروسية في سوريا لم يتم تهديدها بصورة مباشرة حتى الآن، وسوريا المفيدة كما كانوا يسمونها عندهم تمتد من قاعدة حميميم مرورا بميناء طرطوس إلى العاصمة دمشق، كما أن روسيا فقدت شهيتها لإمداد النظام الذي لم يفِ بالتزاماته المالية، ولم يبدِ مرونة كافية للانفتاح على العلاقة مع تركيا، وقابل الإلحاح الروسي بالمماطلة والتعويل على التطبيع العربي.

وعليه، فمن الحكمة أن يتجنب الثوار -في هذه المرحلة- استهداف المصالح الروسية بشكل مباشر كضرب القواعد الروسية لا سيما قاعدة حميميم، والتركيز على المحاور السابقة ميدانيا.

ثالثا: لا يمكن أن تغفل الولايات المتحدة عن تمدد التحرير الجاري، وهي تراقب باهتمام عدم تأذي مصالحها المباشرة شرق سوريا، ورغم تراجع دعمها لحلفائها الانفصاليين إلا أنها لم تغفل عن استدامة سيطرتهم في المنطقة، ولا ننسى في الوقت نفسه أن العادة الأمريكية هي أنها تقدّم مصالحها وتبيع حلفاءها في لحظة دون أن تلتفت، كما فعلت مع قسد في جولات سابقة، وكما فعلت في أفغانستان.

وعليه فمن الحكمة اليوم مع تدحرج كرة التحرير مراعاة أمرين اثنين:
تجنب تهديد المصالح المباشرة لقوى الاحتلال في سوريا، وتكامل الدور الميداني بين معركتي #ردع_العدوان و#فجر_الحرية، يقلل ردات الفعل ويحجّم من الخسائر البشرية لحاضنة الثورة

1- أن تتجنب معركة #ردع_العدوان الصدام مع الانفصاليين، وتتحاشى قدر الإمكان تحرشاتهم، تجنبا لاستثارة القوات الأمريكية -لا سيما مع وجود ذريعة التصنيف- وتترك هذه المهمة لمعركة فجر_الحرية.

2- أن تغتنم قوات الجيش الوطني في معركة #فجر_الحرية فرصة الضوء الأخضر التركي -الأقدر على تقدير المدى الممكن في توسيع السيطرة- فتفتح جبهات جديدة لتحرير منبج ومحيطهما على الأقل من قسد، وتكمل ما بدأته إدارة العمليات العسكرية في محيط حلب وريفها الشرقي والشمالي.

إن استغلال الظروف السانحة في ظل انشغال قوى الاحتلال في سوريا؛ إيران وأذرعها، وأمريكا بانتقال الإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، وروسيا بحرب أوكرانيا والاستعداد لتصعيد أوروبي محتمل، يشكل فرصة تاريخية لتوسيع التحرير وكسب مناطق إستراتيجية وكتل بشرية لصالح الثورة السورية. وإن تجنب تهديد المصالح المباشرة لقوى الاحتلال في سوريا، وتكامل الدور الميداني بين معركتي #ردع_العدوان و#فجر_الحرية، يقلل ردات الفعل ويحجّم من الخسائر البشرية لحاضنة الثورة، ويعظّم الفائدة السياسية من التحرير.