تشهد
الجامعات المصرية انتخابات الاتحادات الطلابية للعام الدراسي
2024/2025، حيث تم فتح باب الترشح 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بينما تم
إعلان الكشوف المبدئية الأحد الماضي. والاثنين، خصص لتلقي الطعون على قوائم
المرشحين.
وضمن جدول زمني أقره وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، الدكتور
أيمن عاشور، يشمل عدة محطات، منها بدء الدعاية الانتخابية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر،
وإجراء الجولة الأولى في 24 من الشهر ذاته، ثم اختتام العملية الانتخابية بانتخاب
رؤساء ونواب الاتحادات الجامعية في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
اتهامات بالإقصاء واستبعاد المرشحين
رغم الإعلان الرسمي عن انطلاق الانتخابات، تعالت أصوات طلابية تتهم إدارات
الجامعات بالإقصاء الممنهج للطلاب المستقلين لصالح "طلاب من أجل مصر"، الكيان
الذي يُنظر إليه باعتباره ممثلاً للنظام الحاكم داخل الجامعات.
تشير "الطلاب" إلى أن العقبات بدأت منذ البداية، حيث فُتح باب الترشح لمدة
خمس ساعات فقط، في وقت يتزامن مع امتحانات الطلاب، علاوة على ذلك، تضاربت تصريحات
مكاتب رعاية الشباب بشأن متطلبات الترشح، مع امتناع بعضها عن تسليم استمارات
الترشح أو تعمد تأخير الإجراءات بحجة أعطال تقنية. في بعض الحالات، أُبلغ الطلاب
بقرارات مسبقة بفوز قوائم "طلاب من أجل مصر" بالتزكية، وهو ما يثير
تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية.
وتتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تشير إلى منع الطلاب من التقديم
والتعنت الرسمي لمنعهم من الترشح بانتخابات اتحاد الطلاب، لصالح قوائم "طلاب
من أجل مصر" المدعومة من الدولة، بتسليم جدول الانتخابات لمرشحيها فقط،
وعرقلة قبول أوراق ترشح بقية الطلبة وتوقف نظام دفع رسوم إتمام الترشح.
واقع وشروط الانتخابات 2024-2025
في خطوة أثارت استياء العديد من الطلاب، أعلنت وزارة التعليم العالي أن
التصويت في
الانتخابات الطلابية مشروط بسداد الرسوم الدراسية، مع التأكيد على عدم
استخدام الشعارات الدينية أو الحزبية، يرى مراقبون أن هذه الخطوات، بجانب
الاتهامات بالإقصاء، تهدف إلى السيطرة على الحراك الطلابي ومنع ظهور معارضة داخل
الجامعات.
وشهدت شروط الترشح لانتخابات الاتحادات الطلابية بالجامعات المصرية للعام
الدراسي 2024/-2025 العديد من القيود التي أثارت جدلاً واسعاً بين الأوساط
الطلابية.
فوفقاً للوائح التنظيمية، يُشترط أن يكون الطالب المرشح "مستجداً في
فرقته"، وأن يكون له نشاط طلابي موثق، إضافة إلى شرط حسن السيرة والسلوك.
كما تمنع الشروط أي طالب سبق توقيع
جزاء تأديبي عليه أو صدر بحقه حكم جنائي مخل بالشرف، إلا إذا رُدّ إليه اعتباره، واللافت
هذا العام هو تشديد الإجراءات المتعلقة بسداد الرسوم الدراسية، حيث لا يُسمح لأي
طالب بالإدلاء بصوته أو الترشح ما لم يكن مسدداً للرسوم بالكامل، كذلك، حُظر
استخدام الشعارات الدينية أو الحزبية أو الفئوية، وهو ما اعتبره البعض تضييقاً على
حرية التعبير وتقييداً للحراك الطلابي المستقل.
وتبدو هذه الشروط، في ظاهرها تنظيمية، قوبلت بانتقادات واسعة باعتبارها
أداة لإقصاء
الطلاب المستقلين وتوجيه العملية الانتخابية نحو مسار محدد مسبقاً
يخدم مصالح جهات بعينها.
الحركة الطلابية المصرية
شهدت الحركة الطلابية المصرية تحولات جذرية في دورها وممارساتها على مدار
العقدين الماضيين، حيث لعبت الجامعات دوراً محورياً في تشكيل الوعي السياسي
والاجتماعي لدى الشباب، وتباين هذا الدور بشكل كبير بين مرحلة ما قبل ثورة "25
يناير 2011"، وما بعدها، وصولاً إلى الوضع الراهن في انتخابات العام الدراسي
2024-2025.
ما قبل 2011
قبل الثورة، خضعت الحركات الطلابية لرقابة مشددة من الأجهزة الأمنية، مما
حدّ من نشاطها السياسي داخل الجامعات، وكانت الانتخابات الطلابية تُدار بما يضمن
هيمنة الموالين للنظام على الاتحادات، بينما اقتصرت الأنشطة الطلابية على
الفعاليات الثقافية والاجتماعية ذات الطابع غير السياسي، مع منع أي أنشطة تعبر عن
مطالب سياسية أو اجتماعية حقيقية، وفي كثير من الأحيان، كانت الانتخابات تلغى أو تدار
بطريقة تضمن السيطرة الكاملة للإدارات الجامعية على العمل الطلابي.
ما بعد ثورة 25 يناير 2011
مع انطلاق الثورة، أصبحت الجامعات منبراً للحراك الثوري والمطالب الوطنية،
وشهدت انتخابات الاتحادات الطلابية انفتاحاً غير مسبوق، حيث شاركت تيارات سياسية
متنوعة ومستقلون في العملية الانتخابية بحرية.
ولعب الطلاب دوراً محورياً في دعم مطالب الثورة من حرية وعدالة اجتماعية،
ونُظمت فعاليات وحملات داخل الجامعات للتعبير عن آراء الشباب بشأن القضايا الوطنية
والإصلاحات السياسية. عكست اتحادات الطلاب في تلك المرحلة التنوع الحقيقي داخل
الجامعات، ما أضفى على النشاط الطلابي زخماً وحيوية.
ما بعد 2013
مع تغير المشهد السياسي بعد أحداث "30 يونيو 2013"، شهدت الحركة
الطلابية تضييقاً واسعاً، وأصبحت الجامعات تخضع لرقابة مشددة من جديد، وتوقفت
الانتخابات الطلابية لعامين متتاليين، وخضعت اللوائح لتعديلات تهدف إلى التحكم في
العملية الانتخابية.
وأبرز تلك التعديلات تضمنت شروطاً تقيد الترشح، مثل اشتراط "النشاط
الطلابي الموثق" و"عدم الانتماء إلى أي جماعة أو كيان إرهابي"، كما
ألغيت الاتحادات الطلابية على المستوى القومي، ما حدّ من قدرة الطلاب على التنسيق
والعمل الجماعي.
طلاب من أجل مصر.. تنظيم طلابي مهيمن
ومع التضييق على النشاط الطلابي شهدت الجامعات المصرية في السنوات الأخيرة
صعود تنظيم "طلاب من أجل مصر" كأحد أبرز الكيانات الطلابية التي تلعب
دوراً مركزياً في المشهد الجامعي.
أسس التنظيم عام 2017 تحت رعاية مباشرة من إدارات الجامعات ووزارة التعليم
العالي، بهدف "تطوير العمل الطلابي"، لكنه سرعان ما تحول إلى أداة
سياسية ذات توجه واضح لدعم النظام الحاكم.
النشأة والتأسيس
أُطلقت مبادرة "طلاب من أجل مصر" في جامعة القاهرة خلال فعالية
بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر عام 2017، ورغم عدم مشاركتها في انتخابات ذلك العام، إلا
أن التنظيم بدأ السيطرة على انتخابات الاتحادات الطلابية في الأعوام التالية.
وانطلق التنظيم بشعار "لا للسياسة داخل الجامعات"، لكنه في
الواقع ارتبط بشكل مباشر بحزب "مستقبل وطن"، الذراع السياسية للحكومة،
والذي يهيمن على البرلمان المصري.
الأهداف والأنشطة
يركز تنظيم "طلاب من أجل مصر" على تعزيز الولاء للنظام من خلال
تنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية، وإقامة ندوات وبرامج تدريبية داخل الجامعات، كما
يلعب التنظيم دوراً سياسياً غير معلن عبر تنظيم حملات دعائية للمواقف الرسمية.
وكان من أبرز الفاعليات تنظيم فعاليات لدعم التعديلات الدستورية عام 2019
التي سمحت لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بالبقاء في السلطة حتى 2030، وحشد
الطلاب للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية كوسيلة لإظهار دعم شعبي واسع للنظام.
السيطرة على الانتخابات الطلابية
تحولت انتخابات الاتحادات الطلابية إلى ساحة مغلقة تسيطر عليها "طلاب
من أجل مصر"، بدعم واضح من إدارات الجامعات، وتوجه العملية الانتخابية بحيث
تضمن نجاح قوائم التنظيم بالتزكية في العديد من الكليات والجامعات.
النقد والمخاوف
تعرض تيار من أجل مصر لشكاوى عده من الطلاب المستقلين الذين اوضحوا أن هناك
أساليب تضييق تمارس بحقهم، مثل عدم توفير المعلومات الكافية عن متطلبات الترشح، ومنع
تسليم أوراق الترشح بحجج إدارية واهية، واستبعاد المرشحين غير المنتمين للتنظيم من
الكشوف النهائية.
ويرى العديد من الطلاب والمراقبين أن التنظيم يمثل آلية للسيطرة على العمل
الطلابي وإقصاء أي أصوات معارضة، أشار البعض إلى أن نشاطه يهدف إلى القضاء على
الروح الثورية التي ميزت الجامعات بعد 2011، وتحويلها إلى ساحات خالية من الحراك
السياسي الحر.
في ظل هذه الهيمنة، يخشى المجتمع من تراجع الأمل في عودة العمل الطلابي
كرافد حقيقي للتغيير أو التعبير عن تطلعات الشباب، مما يعكس واقعاً جديداً للحركة
الطلابية في مصر، يخضع فيه العمل الطلابي لمعادلات السلطة بدلاً من أن يكون صوتاً
مستقلاً للشباب.