قضايا وآراء

دماء 182 صحفيا فلسطينيا تؤهل جيش الاحتلال لموسوعة "غينيس"!

"الأعداد المتزايدة لضحايا جيش الاحتلال الإسرائيلي من الصحفيين الفلسطينيين تجعله في مقدمة أعداء حرية الصحافة بلا منازع"- الأناضول
لا زالت الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي جاوزت عامها الأول، تفجع "الإنسانية" بجرائم يندى لها جبين الأحرار في العالم، مخلفة نحو خمسين ألف ضحية جُلهم من الأطفال والنساء والشيوخ ممن تعرضوا قسرا وقهرا لمتفجرات ضخمة حوتها صواريخ وقذائف وقنابل وصف بعضها بـ"الذكية"، فيما تتواصل معاناة أكثر من مليوني غزي جراء مسلسل طويل ومرهق من النزوح والجوع والأوبئة التي ميزت ظروفهم المعيشية بالغة القسوة والصعوبة منذ بدء العدوان الإسرائيلي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ورغم ذلك، لا يزال جيش الاحتلال الذي سخّر جل قواته وقدراته عاجزا عن استعادة أسراه وسحق مقاومة غزة، ويطارده شبح صورة الهزيمة صباح مساء.

ويبدو أن جيش الاحتلال لا يجد سبيلا أمامه للفكاك من مشهد انتصار الغزيين على جبروته، والذي توجه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار بمشهد مقاومته حتى الرمق الأخير، لا سيما أن سكان القطاع واجهوا عدوانه الأبشع والأعنف بصمود أسطوري يروى بكثير من الفخر والاعتزاز في تاريخ نضال الشعوب من أجل الحرية وتقرير المصير، مجسدين بصمودهم غير المسبوق صورة هزيمة مذلة لجيش تسلح بأحدث التقنيات والمعدات والأسلحة، وافتقر لأبسط معاني الإنسانية والعدالة وحق الشعوب بالحرية،
صب حمم حقده وعجزه على الصحفيين الفلسطينيين في سياق سعيه للحيلولة دون شيوع صورة صمود فلسطينية، أو ذيوع مشهد هزيمة إسرائيلية بدأت منذ فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فأراق دماء 182 صحفيا في أكبر جريمة بحق الصحفيين عرفها تاريخ البشرية المعاصر
لذا صب حمم حقده وعجزه على الصحفيين الفلسطينيين في سياق سعيه للحيلولة دون شيوع صورة صمود فلسطينية، أو ذيوع مشهد هزيمة إسرائيلية بدأت منذ فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فأراق دماء 182 صحفيا في أكبر جريمة بحق الصحفيين عرفها تاريخ البشرية المعاصر.

ويتجاوز عدد الصحفيين الذين قُتلوا برصاص وقذائف وصواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى تاريخه عدد أقرانهم الذين قتلوا خلال أزيد من عقدين من الزمن، في مؤشر يعكس دموية إسرائيلية غير مسبوقة، ويظهر مدى إمعان الاحتلال في مساعيه لحجب رواية الكف الفلسطيني الذي يناطح رواية المخرز الإسرائيلي، ويعزز ذلك التدمير الواسع والممنهج الذي طال مقار مئات المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة، عدا عن حرمانها من أبسط مقومات العمل الصحفي، لا سيما التيار الكهربائي ومنع إمدادات الوقود بما يعيق حركة الصحفيين، وكذلك الاستهداف المتكرر والمتعمد لشبكات الاتصال والإنترنت، واعتقال عشرات الصحفيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والإخفاء القسري لبعضهم.

إن الأعداد المتزايدة لضحايا جيش الاحتلال الإسرائيلي من الصحفيين الفلسطينيين تجعله في مقدمة أعداء حرية الصحافة بلا منازع، وتؤهله بقوة لدخول موسوعة الأرقام القياسية العالمية "غينيس" كصاحب أكبر رصيد انتهاكات دموية بحق الصحفيين خلال عام، حتى بات ماركة مسجلة بأبشع سجل إجرامي بحق السلطة الرابعة على المستوى الدولي، كاشفا بذلك أكذوبة القوانين الدولية والمواثيق والأعراف الإنسانية واتفاقيات جنيف التي باتت حبرا على ورق، في ظل عجز المجتمع الدولي عن لجم عدوانه الغاشم وحماية الصحفيين الفلسطينيين وضمان حقهم المكفول بممارسة مهنة الإعلام بعيدا عن كل أشكال الترهيب المادي والمعنوي.

رغم التحديات الجمة والمخاطر المتعددة في بيئة عمل الصحفيين في قطاع غزة على مدار أكثر من عام، أحبط فرسان الإعلام الفلسطيني مساعي الاحتلال الإسرائيلي لمنع وصول صور ومشاهد جرائمه المتتابعة إلى أنظار المجتمع الدولي

ورغم التحديات الجمة والمخاطر المتعددة في بيئة عمل الصحفيين في قطاع غزة على مدار أكثر من عام، أحبط فرسان الإعلام الفلسطيني مساعي الاحتلال الإسرائيلي لمنع وصول صور ومشاهد جرائمه المتتابعة إلى أنظار المجتمع الدولي، إذ تصاعدت مظاهرات التنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة في عواصم عالمية وولايات أمريكية، بما عكس تضاعف التضامن والتعاطف الدولي مع الرواية الفلسطينية، مقابل تراجع واضح في مستوى الدعم والتأييد للاحتلال الإسرائيلي وروايته في المحافل الدولية. غير أن ما يدعو للأسى والأسف أن التضامن الدولي ظل عاجزا عن وقف الإبادة بحق الفلسطينيين، ولم يرتق لمستوى فاتورة الدم التي دفعها فرسان الإعلام وما زالوا في سبيل نقل مظلومية الشعب الفلسطيني.

وعلى وقع صمود أسطوري عز نظيره في وجه أبشع عدوان دموي عرفه العصر الحديث، يواصل فرسان الإعلام الفلسطيني دورهم الوطني وواجبهم المهني في فضح جرائم الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين؛ انتقاما منهم وتعويضا لعجزه وفشله في النيل من رجال المقاومة في ميدان المواجهة. فالواقع بعد عام من العدوان الوحشي يؤكد انهيار شعار طالما ردده وسعى لترسيخه جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتباره "جيشا لا يقهر"، فصورة الصمود الغزي تكشف عجز الاحتلال وتفقده قوة الردع التي روّج لها كثيرا على مدار عقود مضت، ولا سبيل لتخفيف مأساوية المشهد سوى باستهداف عيون الحقيقة وشهودها، فضلا عن الانتقام منهم عبر إراقة دماء 182 صحفيا حتى خط هذه السطور في ضريبة هي الأعلى على صعيد استهداف الصحفيين في تاريخ الصراعات الحديثة.