اقتصاد دولي

النقص المتوقع في إمدادات النفط قد يؤجّج الصراعات عالميا.. كيف ذلك؟

الدول المنتجة لا تحصل على أسعار جيدة للنفط المصدر- جيتي
نشر موقع "أويل برايس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على المخاوف من النقص المحتمل في النفط، وتأثيراته على النزاعات العالمية؛ إذ قد يؤدي تقليص الإنتاج في بعض الدول إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التوتّرات بين الدول المستهلكة وتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، ما يزيد بدوره من عدم الاستقرار الجيوسياسي.

وأوضح الموقع، خلال التقرير الذي ترجمته "عربي21": "نعيش اليوم في عالم مليء بالصراعات، ويعاني من مشكلة "عدم كفاية الموارد"، لكن الغريب أن نقص النفط في هذه المرحلة يظهر في صورة ارتفاع في أسعار الفائدة وليس ارتفاعًا في أسعار الطاقة".

وبحسب الموقع، فإنه "لا توجد إجابة بسيطة لتفسير مسار الأحداث، وينتهي الأمر بتبني وجهات نظر متباينة حول كيفية التعامل مع الوضع الحالي". فيما حاول التقرير تقديم تفسير جزئي لما تنطوي عليه معضلة الطاقة، وكيف يمكن أن تؤدي إلى صراعات أو حتى حروب كبرى.

وأشار الموقع إلى أن: "أسعار النفط كانت منخفضة بشكل كبير قبل سنة 1973 تقريبا، وبمجرد أن ارتفعت انهار معدل نمو الاستهلاك، لأن السلع والخدمات النفطية لم تعد في متناول الجميع، وتم تقليل استهلاك النفط لأن الإمداد منخفض التكلفة أصبح محدودا".

وأردف: "بما أن ارتفاع أسعار النفط في سنتي 1973 و1974 أدّى إلى انخفاض نمو استهلاك النفط، فقد أدّى أيضًا إلى تحول التضخم والركود إلى مشكلة أكبر بكثير".

تغيرات أسعار الفائدة.. ما السّبب؟
ذكر الموقع أن ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي حتى سنة 1981، وكانت القدرة الشرائية للعمال خلال هذه الفترة تتزايد بسرعة، وذلك بسبب ارتفاع المعروض من النفط منخفض التكلفة، لكن ارتفاع أسعار الفائدة جعل تمويل المشتريات أكثر تكلفة، كما أدّى أيضًا إلى كبح ارتفاع أسعار الأصول مثل المنازل والأسهم لأن عددًا أقل من المشترين كان بإمكانهم تحمل تكاليفها.

وخلال العقود الأربعة التي تلت سنة 1981، أدّى خفض معدلات الفائدة إلى زيادة القدرة على شراء المنازل والمزارع، ما ساهم في ارتفاع أسعارها، وأصبحت إعادة تمويل الرهون العقارية بمعدلات فائدة منخفضة وسيلة شائعة لزيادة القوة الشرائية في الولايات المتحدة، وقد ساهمت هذه التغييرات في نمو الاقتصاد، لكنها أخفت المشاكل المتزايدة المرتبطة بتكاليف النفط العالية.

عدم كفاية الإمدادات وارتفاع أسعار الفائدة
أوضح الموقع أن: "البيانات تشير إلى أن إنتاج النفط الخام عالميا (نسبة إلى عدد السكان) وصل في حزيران/ يونيو 2024 إلى أدنى مستوى منذ حزيران/ يونيو 2022، وأقل بكثير مما كان عليه في 2019، وهو العام الذي شهد ذروة إنتاج النفط العالمي".

وأضاف: "رغم أن العديد من الناس يعتقدون أن نقص النفط هو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إلا أن الوضع الحالي يعكس مشكلة في القدرة على تحمل التكاليف، فالكثير من الشباب مثقلون بالديون، بينما يعمل العديد من حاملي الشهادات الجامعية في وظائف ذات أجور منخفضة. نتيجة لذلك، يظل الطلب منخفضًا ولا يشجع على تطوير آبار النفط الجديدة".

"ارتفعت أسعار الفائدة بشكل حاد منذ سنة 2020، وزادت مستويات الديون الحكومية حول العالم، لكن هذه الديون لم تؤدِ إلى زيادة مماثلة في السلع والخدمات، وتكمن المشكلة في أن إمدادات النفط اللازمة لإنتاج هذه السلع والخدمات لم ترتفع بما فيه الكفاية، وهذا أدى بدوره إلى حدوث التضخم" وفق التقرير نفسه.

وأكد: "تسعى الحكومات حول العالم الآن، لإضافة برامج جديدة مموّلة بالديون لدعم اقتصاداتها، لكن هذا الإنفاق الإضافي لا ينتج عنه زيادة في السلع والخدمات، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع التضخم وتدهور الاقتصادات".

واسترسل: "تحاول الحكومات أيضًا خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، لكنها لن تتمكن من ذلك دون التأثير سلبًا على الديون، وفي هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية، تعمل أسعار الفائدة المرتفعة الناتجة عن نقص إمدادات النفط قليل التكلفة كعائق أمام النمو الاقتصادي".

تعتيم على نقص النفط الخام منخفض التكلفة
أشار الموقع إلى أن "الزيادات الكبيرة في أسعار النفط خلال فترة السبعينات أدّت إلى وعي فوري بوجود مشكلة نفطية في العالم، لكن استمرار النمو الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط بعد ذلك، جعل البعض يعتقد أن مشكلة النقص قد اختفت، بالإضافة إلى وجود موارد نفطية كبيرة يمكن استخراجها بالتكنولوجيا الحالية إذا كانت الأسعار مرتفعة".

وأوضح: "بناءً على نموذج مختلف يتعلّق بمدى وفرة الاحتياطات، يمكن أن نستنتج أنه إذا استمرت دول العالم في استخراج الوقود الأحفوري كما في السابق، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، مما يؤثر بدوره على المناخ".

"لكننا نواجه حاليًا مشكلة نقص خطيرة، ليس في النفط الخام فحسب، ولكن في الفحم أيضًا؛ حيث انخفض استهلاك الفحم عالميًا بالنسبة لعدد السكان منذ سنة 2012" استطرد التقرير.

وتابع: "يبدو أن مشكلة الفحم مشابهة لمشكلة النفط؛ حيث يوجد الكثير من الفحم في باطن الأرض، لكن الأسعار لم ترتفع بما يكفي للبدء باستخراج الفحم الأعلى تكلفة"، مبرزا أن "أي شخص ينظر إلى هذا الوضع سيقول إننا نحتاج إلى بديل للنفط والفحم لتعويض النقص في إمدادات الطاقة الحالية، والسؤال الآن، هو كيف يمكن تقديم هذه القضية للجمهور بشكل مقبول؟".

أبرز التقرير: بطريقة ما، تم وضع خطة لتأطير المشكلة على أنها مشكلة تغير في المناخ، وكان لهذا النهج عدة مزايا:


أ. قد يؤدي هذا النهج إلى إيجاد بعض البدائل للنفط والفحم.

ب. سيجد هذا الخيار قبولا لدى الناس لأنهم يتحملون طواعية ارتفاع الأسعار وانخفاض إمدادات الطاقة أثناء التحول المأمول.

ج. سيتيح هذا النهج فرصًا استثمارية ضخمة للشركات، بما في ذلك شركات النفط والغاز، وربما يتبع ذلك تحقيق أرباح أعلى.

د. ستُظهر الاقتصادات نموًا أكبر في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زيادة الدين المستخدم في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، مما يوفر فرص عمل جديدة.

هـ. تناول الموضوع من منظور التغير المناخي بدلًا من سردية نقص النفط الخام، يهمل أهمية انخفاض أسعار الطاقة في الحفاظ على القدرة الشرائية للسلع، كما يتجاهل أيضًا أهمية الكمية الإجمالية الكافية من منتجات الطاقة للحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي.

و. عندما أُعلن عن أهداف انبعاثات الكربون في بروتوكول كيوتو سنة 1997، أدّى ذلك إلى نقل الصناعة من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين ودول آسيوية أخرى. وقد ساعد استخدام الفحم الرخيص والعمالة منخفضة التكلفة في زيادة الإنتاج العالمي للسلع منخفضة التكلفة. وكان من المأمول أن تستفيد الشركات الغربية من هذا التحول، حيث كانت موارد النفط والفحم لديهم تتناقص.

عدم كفاية الموارد ونشوب الصراعات

أضاف الموقع أن: "الدول المنتجة لا تحصل على أسعار جيدة للنفط المصدر، بينما تُستخدم عائدات النفط لدعم تطوير حقول جديدة وتوفير إيرادات ضريبية للحكومات لتقديم الخدمات لمواطنيها".

وتابع: "إذا كانت أسعار النفط تتراوح بين 100 و150 دولارًا للبرميل، سيكون لدى المصدرين الإيرادات الإضافية اللازمة لدعم اقتصاداتهم. وهذه واحدة من الأسباب الرئيسية وراء الاضطرابات في روسيا ودول الشرق الأوسط".

إلى ذلك، اعتبر الموقع أن "انخفاض أسعار النفط المنخفضة هي قضية عدم كفاية؛ حيث يساهم نقص الوقود الأحفوري في إبطاء نمو إمدادات السلع والخدمات المرتبطة بها. وقد يكون المنتجون، أكثر من المستهلكين، هم من يتخلفون عن ركب الاقتصاد العالمي".

 وأبرز: "تميل أسعار تصدير الغاز الطبيعي إلى الانخفاض الشديد، فقد كانت الأسعار المنخفضة للغاز إلى أوروبا سببًا رئيسيًا لرغبة روسيا في تحويل صادراتها نحو الصين ودول آسيوية أخرى، حيث قد تكون الأسعار أعلى. كما أن منتجي الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة غير راضين عن الأسعار ويسعون لإزاحة روسيا كمصدر أول للغاز إلى أوروبا".

 وأكد التقرير أن "الاقتصادات المتقدمة قد خفّضت مستوى التصنيع بسبب تراجع موارد النفط والفحم. وبدلاً من ذلك، انتقلت نحو بيع الخدمات. فقد بدأت الولايات المتحدة الابتعاد عن التصنيع لأول مرة في سنة 1974، بعد أن اكتشفت أن مواردها من النفط غير الصخري تتناقص، وحدث تحول آخر بعد بروتوكول كيوتو في سنة 1997". 

وفي الوقت نفسه، ارتفعت الإنتاجية الصناعية في "الاقتصادات غير المتقدمة" (مثل الصين وروسيا وإيران) بشكل كبير، وأصبحت الآن تتجاوز إنتاجية الاقتصادات المتقدمة (مثل الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا واليابان وأستراليا). فما يتوفر من النفط يُستهلك بشكل متزايد من قبل "الاقتصادات الأخرى غير المتقدمة".

 وبحسب التقرير، يبدو أن الاقتصادات المتقدمة تتأثر سلبيًا بشكل أكبر بكثير من الاقتصادات الأقل تقدمًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن التصنيع يعد ضروريًا، بينما يمكن التخلص من الخدمات بسهولة أكبر.

وحسب المصدر ذاته، فإن "الفقراء في العالم هم الأكثر تأثرا بظاهرة عدم كفاية الموارد ويتفاقم العجز عن توفير النفقات الضرورية، في حين يجني الأغنياء المزيد من الثروات والنفوذ، وهو من العوامل التي تساهم في تفاقم الصراعات".

 كذلك، إن تراجع قدرة الولايات المتحدة، القوة العالمية الرائدة، على الدفاع عن الدول الحليفة مثل أوكرانيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي وتايوان وأعضاء الاتحاد الأوروبي، في ظل اعتماد الصناعة الأمريكية على خطوط إمداد عالمية تضم دولا غير مستقرة، يعتبر -وفقا للموقع- من عوامل انعدام الاستقرار عالميا ويضيف بؤر صراع جديدة.

التحول إلى الطاقات البديلة لا يسير كما كان مخططا له
أكد الموقع، أنه: "رغم زيادة الطاقة الناتجة من الرياح والطاقة الشمسية في الولايات المتحدة، إلا أنها لم تضف إلى نصيب الفرد من إمدادات الكهرباء، وذلك بسبب التكاليف المرتفعة، بالإضافة إلى أنه غالبًا ما تكون هذه الطاقة غير متوفرة عند الحاجة".

 وأشار إلى أن "الحكومات تُدرك أنه لزيادة إمدادات الكهرباء لدعم السيارات الكهربائية واحتياجات الذكاء الاصطناعي، يجب إضافة مصادر أخرى بجانب الرياح والطاقة الشمسية. وفي الولايات المتحدة، يشمل ذلك زيادة توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي وإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية المغلقة".

 واعتبر الموقع أنه: "في خضم الجهود للتخلي عن الوقود الأحفوري بطرق أخرى، عدا عن الرياح والطاقة الشمسية، يبدو أن تحقيق النجاح المأمول ما زال بعيد المنال".