إلى الشهيدة عائشة نور إيزغي
اسمُ أُمِّي عائشة
وأنتِ أيضًا عائشة
أُمِّي قتلها الحنين لبيتها الذي سرقوه
لبحرها وحقلِها وذكرياتها التي هناك
لطفولة استيقظتْ في البراءة وماتتْ في المنافي حافية
أنا اسم أُمّي عائشة
وأنتِ عائشة
لم يقتلْكِ الحنين
قتلكِ ألّا يكون لنا وطن في الوطن..
ألّا تجلس أُمِّي تحت شجرة الليمون
وأن تمنعها جيوش العالم من أن تحلَم بشجرة البرتقال
وبالولد الأول الذي أنجبتْه في طُرق العذاب
وقتَلَه الجوعُ قبل الوصول إلى خيمة اللجوء..
الأخ الذي مزّقتْ قلبَهُ رصاصةٌ على شاطئ “يافا”
مثلما اختطفتكِ رصاصةُ القنّاص هنا على مشارف “نابلس”
مُتعِبٌ أن تفكِّر فتاة رائعة مثلكِ بالرّصاص
أكثر مما تفكِّر بفراشة تحطُّ على جبينها المُضيء كاِسْمها
… …
سنظلّ نسألُ مَن هؤلاء؟
البحرُ لا يعرفهم
ولا التراب
أغاني الأعراسِ لا تعرفهم
ولا الطائرُ الصغير الذي يُتأْتِئُ في أغانيه الأولى خائفًا من غموض السماءْ.
لا يعرفهم المطرُ هنا ولا الشّمس
لا الزَّعترُ في الجبل
ولا الخُبِّيزة على جنباتِ حقولنا وامتدادات أسوارنا
ولم تكن لهم في أيّ يوم ههنا ظلالْ.
لا يعرفهم جدّي الذي عاش خمسةَ آلاف عام هنا
ولا حفيدي الذي سيولد غدًا.
سنظلُّ نتقلَّب في ليلنا الطويل هذا على أكثر من كابوس..
نحن الذين كلّما صحوْنا تحسسنا مخداتِنا
خائفينَ أن يكون تحتها شهيدٌ جديد.
سنظل نسأل من هؤلاء؟!
أسألكِ؟ أَمْ أسأل أمّي؟ أم ابنة جيراننا الصغيرة التي تحمل اسمك؟ أم أسأل عائشة زوجة النبيّ؟
لماذا يعشقون القتل إلى هذا الحدّ؟
لماذا يفتنهم إطلاق النار على الصغار؟
لماذا يكرهون الأشجار؟
لما يحرقون قلوب الأمهات بأشلاء صغارهنّ؟
لماذا يسرقون الملعبَ بقذيفةٍ من قدَميْ طفلةٍ تلعب؟
والهواء من حنجرة تُغنّي؟
والمغنّي من مطلع أغنيته؟
الهواءُ حجرٌ منذ أتوا يا عائشة
والحرية كالفَراش تدور مُتعَبةً حول كلّ ضوء تراه
قنديلًا كان أو وهج قذيفة!
في كل مكان هنا لهم دبابة
وفي كلِّ شبر هنا لنا شهيد
… ..
مرّي علينا بين حين وحين يا عائشة
لتتأكّدي من أنّنا لم نُقتَل بعد.
مرّي وعانقي الزّيتونة التي لن تنسى دمكِ
والصديقات اللواتي وعدْنَكِ بزيارة مدينتكِ، “ديديم”، بعد التحرير.
مرّي ثانية على مسرح جامعة واشنطن
وارفعي الرّاية عالية مرّة أخرى في حفل تخرُّجكِ
الرّاية ذاتها التي رفعتِها من قبل: (فلسطين حرة)
واهتفي مع أصدقائك أبناء الشمس والنّور في نيويورك، وكولومبيا، وبنسلفانيا، وماساتشوستس، وييل، وكاليفورنيا، وتكساس، وإيموري، وإيمرسون، وبوسطن، وبرينستون، ونورث وسترن، وجورج واشنطن، وهارفارد وبراون..
وفي كل مكان:
From the river to the sea
Palestinians will be free
في بلادنا، هنا، يا عائشة يقولون:
“خُلِق الإنسان من ترابين
تراب المكان الذي ولِد فيه
وتراب المكان الذي يموت فيه”.
فلسطينية أنتِ يا عائشة كنت دائمًا
قبل أن تعرفي وقبل أن نعرف
الجبال هنا تعرف
والأمطار التي تستعيدك كلّما مرَّتْ غيمة من هنا
وكلما تفتّح ربيع هناك
وكلما تذكرت الخيول أنهم يقتلون الورود في اليوم الأول من عمرها، في اليوم الثالث، في السّنة الخامسة، السابعة، ومثلكِ في السّنة السادسة والعشرين.
ظلالكِ خضراء على سفوح نابلس
يداك خضراء في أوديتها
عيناك نجمتان في ليلها
وآثار خطاك طريقنا الطويل للحرّية.
القدس العربي