ملفات وتقارير

احتجاجات طلابية في المغرب وتضامن واسع معهم.. ما الذي يحدث؟ (شاهد)

يواصلون احتجاجاتهم ما بين الميدان ومُختلف مواقع التواصل الاجتماعي- الصحافة المغربية
"ما يحصل هو انتكاسة حقوقية، خاصة ما حصل يوم أمس في مدينة الرباط، إذ تم قمع وضرب المحتجين من الطلبة، واعتقال عدد منهم، ووصل الأمر لاعتقال عدد من أولياء الأمور؛ لماذا يتم التعامل مع الطلبة كأنهم مجرمون أو فارون من العدالة؟" هكذا عبّرت رئيسة مجلس طلبة الطب في الدار البيضاء، بالمغرب، نرجس الهلالي، عن غضبها من التعامل الأمني مع الاحتجاجات التي وصفتها بـ"السلمية".

وأوضحت الهلالي، في تصريح لـ"عربي21": "وجدنا أنفسنا مُرغمين على الاحتجاج في الشوارع والمبيت فيها، بعد طردنا من كلياتنا؛ طرقنا جميع أشكال الوساطة على مدار عشرة أشهر، والسيد الوزير أغلق باب الحوار منذ الأشهر الأولى".

ومنذ شباط/ فبراير المنصرم، ومهنيو الصحة في المغرب، بمختلف فئاتهم (طلبة وعاملون في القطاع الصحّي) يتصدّرون المشهد العام، حيث يواصلون احتجاجاتهم، ما بين الميدان، وكذا على مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

وباستثناء خدمات أقسام الإنعاش والمُستعجلات؛ تعيش عدد من المؤسسات الصحّية بمختلف مستوياتها، على إيقاع تعطيل الخدمات، من إلغاء جُملة مواعيد للفحوصات والمواعيد الجراحية، وتتبع الأمراض المزمنة والعلاج الكيميائي، وكذا خدمات التلقيح والترويض..

ما القصة؟ 
أمين، وهو طالب سنة ثالثة في كلية الطب والصيدلة في مدينة الدار البيضاء، يقول في حديثه لـ"عربي21" إنهم "يدفعون بنا نحو السنة البيضاء، ونحو الخروج عن السيطرة، في الوقت الذي لا نطالب فيه سوى بتحسين جودة التكوين الطبي، حتّى لا يتم نعتنا بعد سنوات بالجزّارين، بدل الأطباء".

ووصف أمين، مطالب طلبة الطب، بكونها "ليست فئوية" مبرزا بالقول: "نحن ضد سياسة تفريخ الأطباء، على حساب الجودة، والضرب في التعليم العمومي والصحة العمومية؛ نحن خيرة هذا الوطن لكننا أصبحنا جريحي الوطن، وفي النهاية يقولون لنا لا تفكّروا في الهجرة خارجا؛ إذن اسمعوا لمطالبنا، وعالجوها بالحوار، بدلا من الضرب والاعتقال".

وأضاف: "لا زالت أبواب الحوار الجدي والواعي تُغلق في وجوهنا، في الوقت الذي يوصف فيه ملفّنا المطلبي بالعادل والمشروع"، مستفسرا في الوقت ذاته: "لماذا تم حذف السنة السابعة من تكوين الأطباء؟".

وكانت اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة في المغرب، قد دعت، إلى اعتصام، في مدينة الرباط، وذلك ردّا على ما وصفوه، عبر بيان لهم، اطّلعت "عربي21" على نسخة منه، بـ"استمرار نهج الوزارة لسياسة التعنت والترهيب من طرف الجهات المسؤولة في وجه الطلبة العُزّل وتكوينهم الطبي".

"مقهورون ويفضلون البقاء"
فيما خرج المئات من طلبة الطب وذويهم، للاحتجاج، قوبلوا بالتطويق الأمني لاعتصامهم الذي يصفونه بـ"السلمي". وهو ما أعلن الطلبة عن رفضهم له، بالقول إنهم مُنعوا من الوصول إلى باب كلية الطب والصيدلة بالعاصمة الرباط؛ واحتجوا خارجها، فكان الأمن في انتظارهم. 

وفي السياق نفسه، قال رئيس مكتب طلبة الطب بالرباط، ياسر الدرقاوي: "لقد سطّرنا برنامج اعتصام جزئي لمدة 12 ساعة، أمام كلية الطب والصيدلة، بناء على إرادة الطلبة الذين رفضوا حلول الوزارة وفضّلوا التصعيد إلى أن تتحقق مطالبهم".

"رغم سلمية الاحتجاج إلا أننا لم نفهم سبب التطويق الأمني الذي حاصرنا قبل الوصول إلى الكلية" أبرز الدرقاوي، في عدد من التصريحات الإعلامية، مردفا:  "عدد من الطلبة تعرّضوا للتهديد بالاعتقال أو حجز سياراتهم الخاصة؛ على الرغم من أننا فضلنا عدم الدخول في اصطدام مع رجال الأمن والسلطات العمومية".

وأضاف: "لم نعد نفهم هذا الإصرار على اعتماد هذه المقاربة الأمنية، وهدر حقوقنا كطلبة، في الوقت الذي تُغلق فيه الوزارة المعنية والحكومة باب الحوار في وجوهنا"، مستفسرا: "إلى أين تسير الأمور؟".

وفيما تحدّث رئيس مكتب طلبة الطب بالرباط، عن حرقته جرّاء المقابلة الأمنية التي قوبلت بها احتجاجات الطلبة، استرسل بالقول: "إذا كان الشباب الذي يريد الهجرة اليوم مقهورا ويرغب في الرّحيل، فإن الطلبة هم أيضا مقهورون ويفضلون البقاء في بلدهم؛ لكنهم اليوم يبكون من شدة القهر".

تفاعل واسع مع الاحتجاج.. 
رصدت "عربي21" عدّة تغريدات ومنشورات، تسارعت على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، لتوثّق بالصوت والصورة، كثافة الاحتجاجات، وكيف قوبلت من طرف عناصر السلطات الأمنية. فيما أرفقها ناشروها بعدّة كلمات، تصف استنكارهم لسلوكيات الضرب والاعتقال الذي طال المُحتجّين من الطلبة.

وعبّر عدد من رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، عن غضبهم العارم لما وصلت إليه الأمور، مؤكدين رفضهم للمقاربة الأمنية في التعامل مع ملف طلبة الطب؛ فيما أشار البعض لكونه بات يائسا، بالقول: "أي مغرب هذا الذي يقابل فيه من يريد الهجرة بالعنف، ومن يودّ البقاء بالعنف؟".

وفي المقابل، حمّلت اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب، الحكومة المغربية التي يترأسها عزيز أخنوش، مسؤولية تعنيف طلبة الطب بالرباط واعتقال أكثر من 15 منهم، خلال اعتصام يوم الأربعاء، أمام كلية الطب بالرباط.

الطلبة يُطالبون باعتذار رسمي
على خلفية ما وصفته اللجنة الوطنية بـ"الاعتداء الوحشي"، طالبت، عبر بيان لها، اطّلعت "عربي21" على نسخة منه، بـ"اعتذار رسمي".

واستنكرت اللجنة نفسها، ما اعتبرته "المقاربة القمعية التي تنهجها الحكومة، والتي بلغت ذروتها اليوم، بمس كرامة الطلبة الأطباء، وآبائهم، في خرق سافر للدستور، وتحذيرنا من هذه التصرفات التي تؤجج الوضع ولا تزيد جموع الطلبة إلا احتقانا ولا تعجل أبدا بالحل".

إلى ذلك، دعت اللجنة، الحكومة المغربية، إلى "وقف نزيف كلية الطب العمومية والتراجع عن هذه السياسة الفاشلة، التي لم تنتج حلا لمدة تقارب السنة، ولا يفهم من لغة حوارها العقيمة إلا عزمها على الانتقام من الطلبة كلما أتيحت الفرصة لذلك، لأنهم فضحوا فشلها الذريع في تدبير ملفنا".

وبحسب اللجنة نفسها، فإنه من المرتقب تنظيم وقفات احتجاجية بكافة المستشفيات الجامعية، وذلك "استنكارا لما تعرض له أطباء المستقبل من تنكيل وإهانات"، داعية في الوقت نفسه، طلبة السنة الأولى الجدد إلى حضورها والخوض في إضراب عن الدراسة.


وفي سياق متصل، كان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، قد أكد، الاثنين الماضي، أن "عمداء كليات الطب والصيدلة ينكبون على إعداد مقترحات مواعيد امتحانات طلبة الصيدلة، وذلك بعد موافقتهم على المقترح المقدم من طرف الوزارة عبر مؤسسة وسيط المملكة، لإنهاء الأزمة التي أكملت شهرها الـ9، بتوقيع محضر اتفاق، وذلك في وقت رفض فيه طلبة الطب، المقترح".

إثر ذلك، يقول طلبة الطب، إنه "من المرتقب أن يعقد ممثلوهم لقاء جديدا مع وسيط المملكة، بغية تقديم مقترحهم حول حل نهائي للأزمة"؛ فيما تتواصل احتجاجات طلبة الطب بالمغرب، عقب مرور نحو 10 أشهر على مقاطعتهم الدروس والامتحانات، احتجاجا على تقليص سنوات التكوين، من 7 إلى 6 سنوات.