من العبارات الشائعة
مؤخرا حين يتم الحديث عن عمل سينمائي عربي جديد وبالأخص التي تنال حيّزا إعلاميا ودعائيا
وترويجيا مبالغا فيه؛ نجد مصطلحات مثل "الإنتاج الأضخم" و"الميزانية
المفتوحة" وغيرها من "مفاتيح" التسويق الرائجة، والتي سرعان ما تطالها
يد النسيان بعد أن تنقشع الغبار ويتمخض الجبل فيلد فأرا ويتفرق الجمع، ولا يبقى من
رائحة ذلك العمل "الضخم" سوى بعض "اللازمات" التي خلّفها إعلامي
بحجم عمرو أديب كلف بتغطية "النجاح الساحق الماحق" للعمل السينمائي
"الجبار".
سنشرح أكثر ونبتعد
عن العموميات بعد هذا السرد الذي يختصر الديباجة الجديدة التي باتت تحكم الوضع السينمائي
العربي (المصري/ السعودي بالضبط)؛ حيث تنخرط وسائل الإعلام في استحضار مشاريع سينمائية
وأخرى تلفزيونية جديدة يجري التحضير لها على قدم وساق، تحت عناوين فضفاضة مثل إعادة
"إحياء" تجارب سينمائية مصرية سابقة، وأيضا إنتاج أجزاء جديدة من أعمال تجارية
سخيفة هابطة تحت مسميات واهية لا تقدم ولا تؤخر؛ والدليل الذي مرغ كل هذه التجارب في
الوحل يمكن اختصاره في تجربة واحدة احتلت الفضاء والهواء مؤخرا ونقصد هنا فيلم
"
حياة الماعز" وما جناه وخلفه من ردود فعل صاخبة عربيا وعالميا.
كي نكون منصفين في
الطرح دعونا نعقد مقارنة بسيطة بين الفيلم السالف الذكر والجزء الثالث من "ولاد
رزق" الذي كسر الأرقام وبلغ إيرادات "قياسية" كما يروجون، وهو بمثابة
"الجوهرة الفريدة" والعنوان العريض للسينما المصرية/ العربية في الوقت الحالي
وبعد أن انتهت حرب الإيرادات بين الشركات المتنافسة، ولو أن الفيلم كان خارج التصنيف
باعتباره يحظى بدعم "هيئة الترفيه
السعودية" وخُصصت له ميزانية هائلة من
المستحيل أن تعوضها كل شبابيك التذاكر سواء في المحروسة مصر أو في السعودية. وهنا نتساءل:
ما الهدف من إنتاج فيلم يحمل في خانة التصنيف أنه تجاري بحت أذا كان لن يعوض ما صرف
عليه؟ مع العلم أننا لم نشاهد مضمونا يحمل رسالة معينة تستحق كل هذا البذخ باستثناء
الترويج لمدينة الرياض؛ ولكن اليوم ماذا بقي وعلق بأذهان الناس من الفيلم مثلا سوى
الألفاظ البذيئة للأشقاء الثلاثة العائدين مجددا لعالم الجريمة والسرقة؟ ما الإضافة
التي قدمها الفيلم/ الحدث باستثناء محاكاة
الأفلام الأجنبية ومحاولات المخرج طارق العريان
المستميتة لتقديم نفسه كمخرج آكشن يرتقي بخطوات عن ركب المخرجين الآخرين وهذه حقيقة
يعترف بها القاصي والداني ولا جدال حولها؟
في ذروة الجدل الحاصل حول فيلم "حياة الماعز" الذي صُور بميزانية أقل وطاقم مغمور من الممثلين والتقنيين وبأبسط الإمكانيات لكنه استند لقصة حقيقية واقعية كان لها وقع السحر على الجميع؛ أما آن الأوان لمراجعة الأوراق والتوجه نحو تبني أفكار ومشاريع هادفة ذات قيمة تخدم قضايانا وتنتصر لقيمنا ومبادئنا بعيدا عن صرف الأرقام الفلكية في اجترار التفاهة والسخافة؟
الآن وفي ذروة الجدل
الحاصل حول فيلم "حياة الماعز" الذي صُور بميزانية أقل وطاقم مغمور من الممثلين
والتقنيين وبأبسط الإمكانيات لكنه استند لقصة حقيقية واقعية كان لها وقع السحر على
الجميع؛ أما آن الأوان لمراجعة الأوراق والتوجه نحو تبني أفكار ومشاريع هادفة ذات قيمة
تخدم قضايانا وتنتصر لقيمنا ومبادئنا بعيدا عن صرف الأرقام الفلكية في اجترار التفاهة
والسخافة؟ لماذا نجح هذا الفيلم وبأسماء مغمورة وظرف إنتاجي متواضع في لفت أنظار العالم
كله لقضية إنسانية مهمة؛ وضعت ذلك الطرف العربي في الزاوية رغم تلك الجحافل من الفنانين
العالمين التي حرص ويحرص على استضافتها سنويا في مهرجاناته؟ لماذا قهر هذا الفيلم وأوصل
رسالته للعالم وفشلت مئات الأعمال العربية المصنفة في خانة "العهد الجديد"
المستبد بالساحة الفنية في لفت الأنظار لها إذن؟
ما الفائدة من استنساخ
"
ولاد رزق" الجزء الخمسين والتباهي بألفاظ "أبطاله" البذيئة وتعريب
مسلسلات تركية حفظها الجمهور عن ظهر قلب مقابل تهميش وتقزيم الطاقات الإبداعية والأفكار
الخلّاقة؟
من المؤلم حقا معاينة
ما يحدث وهذا التوجه المشين لتمييع الإرث الفني العريق الذي خلّدته أجيال من العباقرة
بذلوا الغالي والنفيس للارتقاء به، وزادهم الوحيد الموهبة والإيمان بجدوى السلاح الحضاري
الذي يملكونه؛ واليوم أضحت زمام الأمور في أيدي ثلة من المهرجين ينفثون سمومهم بالطول
والعرض وكل من يجاهر بالعصيان مصيره معروف، واسألوا محمد سلام والقدير محمد صبحي..
حقا إنه زمن التافهين
كما قال الكبير محمد الماغوط..