ملفات وتقارير

اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر تثير جدلا.. ما الأسباب؟

تضمن مثل تلك الاتفاقيات حماية الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع- فيسبوك
بينما يزور رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، السعودية، منذ السبت الماضي، ضمن وفد وزاري رفيع المستوى لعقد لقاءات وبحث صفقات بين البلدين، أثار الجدل الاثنين، بحديثه في اليوم الثالث له من الرياض عن ما أسماه "اتفاقية حماية الاستثمارات المشتركة".

ونقلت بوابة "الهيئة العامة للاستعلامات" الحكومية المصرية، عن مدبولي قوله: "نعمل حاليا على الانتهاء من اتفاقية حماية الاستثمارات المشتركة، والتي من شأنها أن تسهم في زيادة الاستثمارات بين البلدين".

وكشف عن الانتهاء من صياغة اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية، وأكد أنها حاليا قيد اللمسات الأخيرة تمهيدا لبدء الإجراءات التشريعية والقانونية لإصدارها رسميا في مصر، متوقعا دخولها حيز التنفيذ الفعلي في أقل من 3 أشهر.

من جانبه، أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، عرض اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية المصرية على حكومة الرياض ومجلس الشورى السعودي قريبا.

وقال إن الروح السائدة في مصر تحمي المستثمر السعودي كما أنها تحمي أي مستثمر عالمي، مؤكدا أن مصر أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لبلاده، وأن القاهرة خامس وجهة للاستثمارات السعودية خارج حدودها، مشيرا إلى حجم تبادل تجاري بلغ أكثر من 124 مليار ريال خلال عامي 2022 و2023.

"سيل استثمارات جديدة"
وبعد ساعات من تصريح مدبولي، والفالح، حول توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية في مصر، صدرت العديد من التصريحات السعودية والمصرية المعلنة عن استثمارات سعودية جديدة في مصر.

وأعلنت قناة "القاهرة الإخبارية"، في نبأ عاجل، ضخ استثمارات سعودية جديدة في القاهرة من خلال "الصندوق السيادي السعودي- صندوق الاستثمارات العامة"، والإسراع في الربط الكهربائي.

وبالتزامن، جرى لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء المصري، ليعلن بيان لمجلس الوزراء المصري عن توجيه الأمير السعودي بضخ استثمارات عاجلة لمصر بقيمة 5 مليارات دولار كمرحلة أولى.


وأعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، كذلك عن اعتزام السعودية، استثمار ودائعها لدى البنك المركزي المصري (10 مليارات دولار) في مشروعات متعددة خلال الفترة المقبلة من خلال صندوق الاستثمارات العامة.

وتوقع رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي تضاعف حجم الاستثمارات السعودية في مصر، بعد توقيع اتفاقية حماية الاستثمار السعودي المصري.

"ماذا تعني الاتفاقية؟"
وكان وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري حسن الخطيب، قد أكد في 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، أن مصر تستهدف توقيع اتفاقية حماية الاستثمارات مع السعودية خلال أسبوعين، وأنها تنظر لها كأولوية وتعتبرها "شغلها الشاغل"، وأنها تسعى لجذب 15 مليار دولار في العام المالي الجاري كاستثمارات أجنبية مباشرة، بحسب "الشرق مع بلومبيرغ".

وتضمن مثل تلك الاتفاقيات حماية الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات، كما أنها تضمن حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس مبلكيتها أو يجرد مستثمريها كليا أو جزئيا من بعض حقوقهم مع منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى.

وهو ما أثار الجدل حول ماهية تلك الاتفاقية وبشأن ما تتناوله بنودها، وعن ما إذا كان الهدف منها تحصين الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والاستحواذات السعودية في مصر من أي قرارات مغايرة مستقبلا.

"هل تعني فقدان الثقة؟"
هذا الحديث فتح بابا للتكهن حول احتمالات تراجع حجم الثقة السعودية في الاقتصاد المصري، ووضع حكومة السيسي، واستقرارها مع توالي أزماتها الاقتصادية، بل وفي مستقبل السيسي، نفسه في حكم مصر، وأن الرياض تريد في مقابل أي استثمارات جديدة، تحصين مشروعاتها من قرارات أي نظام محتمل قدومه.

وهو ما تحدث عنه الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وعضو "تكنوقراط مصر"، الدكتور سعيد عفيفي، بقوله لـ"عربي21"، إنه "منذ شهر طالبت السعودية بإصدار قانون لحماية استثماراتها في مصر، وهذا يعد دليلا على أن السعودية ترى أن النظام المصري لم يعد مستقرا".

وأضاف عفيفي: "السعودية تريد حماية استثماراتها التي بدأت بإجراءات باطلة وتريد تصحيحها بقانون خاص"، مؤكدا أن "هذا الطلب بالتأكيد سوف تستفيد منه كل الدول وخاصة الإمارات، لأن أي قانون لا بد أن يتصف بالعمومية والتجرد".

وطرح بعض المراقبين بينهم الكاتب الصحفي المعارض، جمال سلطان السؤال: "هل يعني ذلك قلقا سعوديا من مستقبل النظام في مصر؟ وهل يطمع المستثمر المصري من حكومته في ضمان مشابه؟".


وتساءل آخرون قائلين: "هل تطالب باقي الدول المستثمرة في مصر بنفس المميزات كالإمارات وقطر والكويت وغيرها؟ وهل يعد ذلك إجحافا وأكلا لحقوق المصريين ومصادرة لأموالهم وإنهاء لحقهم في استردادها مع وجود حكومة وطنية مدنية مستقبلا؟".


"تصريحات مدبولي.. واستجداء للرياض"
وتملك السعودية ودائع في البنك المركزي المصري بقيمة 10.3 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل، وأخرى بقيمة 5.3 مليار دولار متوسطة وطويلة الأجل، بحسب البنك المركزي المصري.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 124 مليار ريال، ما يعادل 33 مليار دولار خلال عامي 2022– 2023.

وفي مشهد غاب عنه رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، أطلق رئيس الوزراء المصري في الرياض، السبت والأحد والاثنين، عشرات التصريحات، الموجهة للسوق السعودي ورجال الأعمال والشركات والمستثمرين..

وهو ما اعتبره مراقبون، ومعارضون استجداء مصريا من السعودية لزيادة الاستثمارات، وتملقا للرياض مهينا لمصر والمصريين، بحسب ما قاله الإعلامي عماد البحيري عبر فضائية "الشرق"، مساء الاثنين.



وخاطب مدبولي، المستثمرين السعوديين، بقوله: "مكتبي مفتوح لاستقبالكم في أي وقت وكل الحوافز الممكنة ستكون متاحة"، وأضاف: "لو سألت أي مصري عن الدولة الأقرب ليك قلبا هيقولك السعودية"، ملمحا إلى أن "عدد الشركات المصرية التي بدأت تستثمر في السعودية تجاوز الـ5700 شركة حتى الآن".

وأعلن مدبولي عن مواجهة البيروقراطية أمام الاستثمارات السعودية، بل إنه قدم اعتذاره للمملكة بسبب نقل مصر البيروقراطية إليها.

وقال: "البيروقراطية دخيلة على مصر بسبب الاستعمار البريطاني، وانتقلت من مصر للمملكة بهذه الطريقة، ونعتذر إذا كنا نقلنا البيروقراطية إليكم في وقت من الأوقات".

وأشار في لقائه وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف؛ إلى إصلاحات تشريعية بقانون الاستثمار وحوافز وإعفاءات ضريبية جديدة لتشجيع الاستثمار.

كما أنه أعلن عن "تصفير مشاكل المستثمرين السعوديين قبل نهاية العام"، وذلك بعد تشكيل وحدة خاصة لحل مشكلات المستثمرين السعوديين، والتي يرجع بعضها إلى سنوات طويلة ووصلت إلى نزاعات قضائية.

وأضاف مدبولي أن عدد المشكلات التي تم حصرها يبلغ 95 تم الانتهاء نهائيا من 81 منها، ووعد بحل الـ 14 مشكلة المتبقية قبل نهاية العام الحالي.

وطمأن السوق السعودي، إزاء ملف العملة المصرية، بقوله: "مصر لديها رؤية واضحة برغم كل التحديات الجيوسياسية المحيطة لاستقرار سعر الصرف والسياسة النقدية".

"تخوف من مشهد ضبابي"
وفي قراءته، لأجواء "اتفاقية حماية الاستثمارات" وزيارة مدبولي وتصريحاته في السعودية، قال الباحث والخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي: "مثل هذه الشروط من قبل المستثمرين الأجانب أيا كانت جنسياتهم فهي تنم عن قراءة لديهم".

الصاوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "تلك القراءة تقول إن المستقبل القريب والمتوسط للاقتصاد المصري في ظل النظام الحالي هو مستقبل تشوبه الكثير من الضبابية".

وتابع: "خاصة أن مصر تعاني من غياب المؤسسية، وأنها توجد في إطار حكم الفرد الواحد، وأن القائمين على الاقتصاد مثل الصندوق السيادي المصري ومؤسسات الجيش الاقتصادية تفتقد في أعمالها إلى البنية التشريعية الصحيحة".

وأكد أن "معظم القوانين التي نظمت نشاط هاتين المؤسستين؛ هي قوانين أشبه بالقوانين الاستثنائية، فالصندوق السيادي أنشئ بقانون خاص، وكذلك هناك القوانين التي أعطت الجيش الحق في شراكة الأجانب والتي أتت في فترة غابت فيها المؤسسية بشكل كبير جدا، وغياب التشريع السليم عبر مجلس نيابي منتخب بانتخابات حرة ونزيهة".

الباحث الاقتصادي المصري، لفت إلى تنبؤات بعض الدراسات السابقة بمثل ذلك الوضع، ملمحا إلى دراسة أعدها مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط عن اقتصاد الجيش المصري بعد العام 2013.


وأوضح أن الدراسة ذكرت أنه "إبان ثورة 25 يناير 2011، وخلال الفترة التي تعمد فيها الجيش إيجاد حالة من الفوضى الأمنية بالشارع المصري لمعاقبة من يطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية؛ أن الجيش ضمن الحفاظ على المؤسسات المملوكة للأجانب والتي هي على علاقة بالجيش بشكل كبير، ولذا فهذه المؤسسات لم تُمس من قريب ولا بعيد رغم الفوضى الأمنية".

ومن هنا يرى الصاوي، أنه "بالتالي فإن كلا من السعودية وألمانيا تبحث عن المزيد من الضمانات لاستثماراتها إذا أقبلت على الاستثمار في مصر، وهذه واحدة، والأمر الثاني أن المستثمر الأجنبي في حالات الدول الضعيفة سياسيا واقتصاديا مثل مصر يمارس المزيد من الضغوط".

وأشار إلى أنه "وبسبب علم المستثمر الأجنبي أن الدولة الضعيفة تحتاج إلى مزيد من التمويل لبناء مشروعات فإنه يحاول أن يمارس هذه الضغوط للحصول على مزيد من الضمانات والمزايا والمصالح التي تحقق أكبر ربح له في أقل فترة ممكنة".

"انعدمت الثقة وتغيرت لغة الخليج"
من جانبه، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي حسن بربري: "حقيقة الأمر فوجئت بوجود اتفاقية بهذا الشكل؛ لكن لو أخذنا مسارات الاستثمارات والدعم الخليجي لمصر منذ العام 2013، نجدها انتقلت لمراحل متعددة".

القيادي في حزب "التحالف الشعبي"، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنها "انتقلت من مرحلة الدعم المالي الكامل والمجاني بداية من عام 2014، وطوال سنوات حتى انتقلت لمرحلة جديدة في عامي 2021 و2022، حيث تغيرت لغة الخليج بأنه لن يكون هناك دعم مجاني لمصر، وأن تكون هناك استثمارات مباشرة بشراء أصول وشركات وشراكات واستثمارات".

ويعتقد أن "الثقة انعدمت منذ عامي 2021 و2022، وبدأ يحدث فقدان للثقة وتحول من فكرة منح مصر دعم ومنح غير مشروطة إلى التحول لفكرة أن يكون هناك مقابل واستثمارات، وهذا بدا واضحا في الصفقات التي تتم، وأبرزها صفقة (رأس الحكمة) والتي قامت فيها الإمارات باستبدال 11 مليار دولار من ودائعها لدى البنك المركزي المصري".

بربري، أوضح أن "الجانب السعودي لديه مشكلة مفادها انعدام الثقة بالاقتصاد المصري؛ والدليل على ذلك حدوث انسحابات من شركات سعودية في بعض القطاعات بالسنوات الماضية، آخرها كان انسحاب الجانب السعودي من تطوير أرض الحزب الوطني في آب/ أغسطس الماضي، وقبلها كان التخارج من صفقة شراء المصرف المتحد المصري في شباط/ فبراير 2023".

ويعتقد الباحث المصري، أن "الجانب السعودي، يريد ضمانات بأن يدير استثماراته في ظل ظروف آمنة وغير معرضة للمخاطر"، ملمحا إلى أن "المخاطر التي يراها بأن يحدث عدم استقرار في لحظة ما، وبالتالي يمكنه أن يُخرج أمواله خارج مصر ولا تحدث خسارة بأمواله أو ضياع لاستثماراته داخل مصر".

وعلى الجانب الآخر، أشار إلى "الاستثمار المصري المتسارع والحاصل عكس ذلك في السعودية"، مبينا أن "الرياض فتحت باب الاستثمار لرجال أعمال مصريين وأصبح هناك نقل لاستثمارات مصرية كبيرة، وكشفت إحصائية لهيئة السلامة السعودية أن أعلى نسب لإنشاء الشركات استحوذ عليها مصريين".

وأوضح أنه "كان أبرز تلك الانتقالات لشركات هشام طلعت مصطفى الذي يشارك باستثمارات في مشروع (نيوم)، وهناك عائلة ساويرس، ورجال أعمال آخرون بدأوا الاستثمار في السوق السعودي والإماراتي أيضا، رغم أننا في حاجة إلى تلك الاستثمارات".

وفي نهاية حديثه، استدرك: "لكن البيئة الاستثمارية هناك تساعد المستثمر بشكل كبير، وعمل المصريين في بيئة تشريعية وبيئة حاضنة لهذه الأعمال، وهي أمور تمثل حافزا لرجال الأعمال المصريين للذهاب بشكل مكثف للسوق السعودية بالفترة السابقة".

"حجم الاستثمارات المطلوب حمايتها"
الاستثمارات السعودية في مصر تبلغ 6.3 مليار دولار في عدد 7444 مشروعا في قطاعات الصناعة، والإنشاءات والسياحة، والخدمات، والزراعة، والتمويل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بحسب تأكيد وزير التجارة والصناعة المصري السابق أحمد سمير، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
 
وتبلغ قيمة الاستثمارات المصرية في السعودية 1.6 مليار دولار في عدد 2027 مشروعا في قطاعات الصناعات التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة، وقطاع التشييد.

إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في 2023 نحو 5.665 مليار دولار مقارنة بنحو 4.572 مليار دولار عام 2021 محققا نسبة زيادة بلغت 23.9 بالمئة.

حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر بلغ 35 مليار دولار، وفق تصريح رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري بندر العامري، كما أن حجم التجارة بين البلدين في العام الماضي بلغ 20.4 مليار دولار، وفقا للهيئة العامة للإحصاء السعودية.

ويعيش الاقتصاد السعودي أزهى عصوره ويعد من أكبر 20 اقتصادا عالميا، والأكبر عربيا والأول بالشرق الأوسط، بينما يعاني الاقتصاد المصري أزمات هيكلية خطيرة، وتغول أزمة ديون أكثر من 153 مليار دولار في أيار/ مايو الماضي، وحلول آجال الكثير من الفوائد والأقساط، وسط تفاقم معدلات التضخم والبطالة والفقر.

وبالسنوات الماضية تواصل السعودية والإمارات عمليات الاستحواذ على شركات وأراضي ومشروعات مصرية، فيما جرى تأسيس الشركة السعودية المصرية للاستثمار المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، عام 2022.

وفي القطاع الزراعي والتعليمي يسعى صندوق الاستثمارات العامة السعودي لاقتناص حصة في "دالتكس" للتطوير الزراعي أهم مصدر للبطاطس المصرية، بجانب عرض من الصندوق للاستحواذ على 100 بالمئة من شركة "سيرا" للتعليم، وغيرها من الطروحات وصفقات الاستحواذ والدمج.