حقوق وحريات

اعتقال مؤسس "تليغرام" في فرنسا يُشعل التواصل الاجتماعي.. ما القصة؟

سعى دوروف منذ إطلاق "تليغرام" لجعله رمزا للخصوصية والحرية- جيتي
لا يزال اعتقال بافيل دوروف، وهو مؤسس تطبيق "تليغرام"، في فرنسا، الاثنين، كجزء ممّا وُصف بأنه "تحقيق في جرائم تتعلّق باستغلال الأطفال في مواد إباحية والاتجار بالمخدرات ومعاملات احتيالية على المنصة"؛ يثير عدّة ردود فعل ويُشعل النقاش بين رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خاصّة في ما يرتبط بالخصوصية على التطبيق.

وفيما قال عدد من المُتابعين، إن اعتقال دوروف، في فرنسا، أتى جراء "متابعة سياسية"، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاثنين، عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" إنّ "الخطوة اتّخذت في إطار تحقيق قضائي جار، وليست قرارًا سياسيًا. الأمر متروك للقضاة".


وفي السياق نفسه، أعلنت السلطات الفرنسية، الأربعاء، عن تمديد توقيف دوروف الذي اعتُقل في مطار لو بورجيه الفرنسي، السبت الماضي؛ فيما أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية، أنّها تتابع عن كثب قضية مواطنها دوروف، مشيرة إلى أنّها تقدّمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم كافة الخدمات القنصلية له بشكل عاجل.

ما القصّة؟ 
"تليغرام يجب أن يظل منصّة محايدة وليس لاعبًا في الجغرافيا السياسية".. هكذا قال الملياردير الروسي دوروف، ذو الـ39 عاما، والحامل للجنسيتين الفرنسية والإماراتية، في نيسان/ أبريل الماضي، مبرزا أنّ بعض الحكومات سعت إلى الضغط عليه. 

كلمات دوروف، الذي يقيم حاليًا في دبي، حيث يتواجد المقرّ الرئيسي لمنصة "تليغرام"، أتت عقب ما يوصف بـ"تاريخ طويل في مواجهته السلطات الحكومية"، حيث إنّه غادر روسيا عام 2014، جرّاء رفضه الامتثال لمطالب الحكومة الروسية بخصوص منصّته السابقة "في كيه".

بخصوص الاعتقال الجاري الآن، لم يكشف تطبيق "تليغرام" أي تفاصيل، غير أنّه قال إنّ "الشركة تلتزم بقوانين الاتحاد الأوروبي"، وإنّ إدارتها "ضمن معايير الصناعة وتتحسن باستمرار".

وأوضح التطبيق، عبر بيان: "ليس لدى الرئيس التنفيذي لشركة تليغرام بافيل دوروف ما يخفيه وهو يسافر كثيرا في أوروبا؛ ومن غير المنطقي الادعاء أنّ منصة أو مالكها مسؤولان عن إساءة استخدام هذه المنصة".


وبحسب المدعية العامة في باريس، لوري بيكو، فإن دوروف اعتُقل كجزء من تحقيق مع شخص لم يتم الكشف عن اسمه، بدأته وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لمكتب المدعي العام في الثامن من يوليو/ تموز الماضي.

وأضافت المدعية العامة، في بيان، إنّ "التحقيق يتعلّق بالاشتباه في الضلوع في جرائم مختلفة تتضمّن إدارة منصّة على الإنترنت تسمح بمعاملات غير مشروعة، والتواطؤ في جرائم والجريمة المنظّمة على المنصّة (الاتجار بالمخدرات، والمواد الإباحية المتّصلة بالأطفال، والاحتيال وغسل الأموال في إطار مجموعة منظمة)".

كما أنه يتعلق بـ "توفير خدمات التشفير التي تهدف إلى ضمان السرية من دون إعلان يضمن توافق الخدمات مع التشريعات، فضلًا عن رفض تقديم معلومات إلى السلطات" وفقا لبيان المدعية العامة في باريس.

بدوره، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريح صحافي، الاثنين: "لا نعرف حتى الآن ما هو الاتهام الذي يُواجهه دوروف تحديدًا؟ وما الاتهامات التي يحاولون إدانة دوروف بها تحديدًا؟ ومن دون معرفة الاتهام، ربما يكون من الخطأ الإدلاء بأي تصريحات".

تفاعل مُتسارع
منذ اللحظات الأولى من اعتقال دوروف في مطار لو بورجيه، السبت الماضي، بعد وصوله من أذربيجان. كثُر النقاش وتسارع على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص التطبيق، الذي بات يعتبره الكثيرون "المنصة الأكثر أمانا في التواصل، لحدود اللحظة"، فيما سلّط الإعلام العالمي الضوء على كافة زوايا هذا الاعتقال.

وسعى دوروف، منذ إطلاق تطبيق "تليغرام" خلال عام 2013، وجعله رمزا للخصوصية والحرية، متميزا عن منافسيه مثل "فيسبوك" و"غوغل" عبر رفضه تسليم بيانات المستخدمين أو بيعها. وقد أدّت هذه الاستراتيجية إلى جذب مئات الملايين من المستخدمين حول العالم، ليصل عدد المستخدمين إلى 950 مليون مستخدم، خلال عام 2024. ومع اعتقال مؤسس التطبيق فإنه تسلّل الخوف وتعالت الاستفسارات بخصوص مصيره. 


وفي السياق نفسه، قال فلاديمير زيكوف، وهو مدير رابطة المستخدمين المحترفين للشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة: "لن يغلق تطبيق تليغرام". فيما قالت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، عبر تقرير لها، إن "الاعتقال يتعلق بإسكات المعارضة والتحكّم في المعلومات. إنهم يريدون تحويل الإنترنت إلى مجسات أخرى لآلة الدعاية الخاصة بهم. نرى كيف يتم الاعتداء على حرية التعبير أمام أعيننا".

بدورها، أبرزت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن "اعتقال دوروف يثير تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي أن يكون رؤساء التكنولوجيا مسؤولين عن المحتوى الموجود على منصاتهم"، مبرزة أن "المنظمين في الاتحاد الأوروبي كثّفوا التدقيق على عمالقة التكنولوجيا، فيما استندوا إلى سلسلة من القوانين الجديدة المصممة لكبح جماحهم".

وأشار موقع "أكسيوس" الأمريكي، إلى أن الاعتقال "مرتبط بسياسات "تليغرام" الأكثر مرونة للإشراف على المحتوى، وعدم رغبة الشركة في التعاون مع سلطات إنفاذ القانون، وأن الاعتقال أثار تساؤلات حول مخاطر المسؤولية التي يواجهها المسؤولون التنفيذيون في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن المحتوى الذي يشاركه المستخدمون على منصاتهم".

ووصفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، اعتقال دوروف بـ"الخطوة المفاجئة"، موضّحة أنها "أدت إلى تصعيد الجدل العالمي حول حرية التعبير وإثارة التوترات مع موسكو"، مردفة بأن "السلطات الفرنسية تحقق في ما إذا كانت إخفاقات "تليغرام" قد ساعدت في تسهيل الأنشطة غير القانونية بما في ذلك الإرهاب وتجارة المخدرات وغسل الأموال والاحتيال واستغلال الأطفال".

أما الصحيفة الفرنسية "تي في 1" فقد قالت إن "مذكرة الاعتقال صدرت بحق دوروف، 39 عاما، بناء على مزاعم تشير إلى أن منصته استخدمت لغسيل أموال واتجار بالمخدرات والسماح بمشاركة محتوى مرتبط بالاستغلال الجنسي للقصر".


إلى ذلك، فإن فرنسا، ليست الدولة الوحيدة التي انتقدت تطبيق "تليغرام"، فقد سبق وأن قامت دول مثل إيران، وروسيا، وإسبانيا، والبرازيل، بعدّة محاولات رامية لحظر التطبيق أو تقييد نشاطه، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي أو حقوق الملكية الفكرية. 

وعلى مستوى الدول العربية، كانت الحكومة العراقية، قد قرّرت فرض حظر شامل على استخدام التطبيق في البلاد، بمبرّر حماية الأمن القومي وسلامة المواطنين. فيما أوضحت وزارة الاتصالات العراقية أن "الحظر جاء نتيجة لعدم استجابة "تليغرام" لطلبات حكومية بحظر قنوات تنشر بيانات شخصية ورسمية لمواطنين عراقيين".