نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا، للزميلة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، دانا سترول، قالت فيه إنه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان للرئيس
بايدن هدفان في
الشرق الأوسط: دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن نفسها، ومنع حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماس من التصعيد إلى حريق إقليمي من شأنه أن يجبر
الولايات المتحدة على التدخّل.
وأوضح المقال، أنّه "لمنع حرب إقليمية، استخدمت إدارة بايدن سلسلة من التدابير على مدى الأشهر العشرة الماضية، تتراوح من الدبلوماسية إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي إلى استخدام القوة العسكرية المميتة. وحتى الآن، تمكنت من منع العديد من الصراعات منخفضة المستوى من التحول إلى حرب تقليدية كاملة النطاق، تخاطر بمواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران".
وتابع٬ بأنّه منذ الهجوم
الإيراني غير المسبوق على دولة الاحتلال الإسرائيلي في نيسان/ أبريل، وسلسلة من التطوّرات الخطيرة منذ ذلك الحين، تغيّر المشهد بشكل حاد. ولكن ربّما لا تكون خطة بايدن كافية هذه المرة.
وبحسب المصدر نفسه، فقد شكّل هجوم إيران تغييرا حاسما في استراتيجيتها الإقليمية، وأمن الشرق الأوسط. فعلى مدى عقود من الزمان، كانت طهران تفرض قوتها العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة من خلال شبكة من الوكلاء، وهي استراتيجية تهدف إلى إبقاء القتال خارج أراضيها، والحفاظ على قدر من القدرة على الإنكار.
ولكن في نيسان/ أبريل، عندما تجاهلت إيران تحذيرات واشنطن، وهاجمت دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة لأول مرة، حرّكت إيران أعمدة المرمى. ولم يعد من الواضح كيف قد تستخدم إيران جيشها وشبكتها. ومع الضربة الإسرائيلية اللاحقة في عمق الأراضي الإيرانية، بدأ السيناريو الأمريكي لمنع الهجمات بين الدول يتآكل.
وكان منع الحرب الإقليمية إحدى أولويات بايدن منذ الأيام الأولى لإدارته. فبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث شنّت "حماس" التي ترعاها إيران ضربة على الاحتلال الإسرائيلي، حذّرت إدارة بايدن طهران ووكلاءها علنا وسرا من المضي قدما. وعزّزت واشنطن دبلوماسيتها بنشر المزيد من القوات والقدرات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملتا طائرات.
في الوقت نفسه، كان بايدن يوجّه ضربات عسكرية مستهدفة ضد وكلاء إيران، ما أدى إلى تصعيد الهجمات على القوات الأمريكية بعد بدء الحرب على غزة. في الأشهر التالية، أمر الرئيس بشن ضربات أحادية الجانب، أولا ضد البنية التحتية التابعة لإيران في سوريا، ثم المنشآت التابعة لإيران في العراق، وأخيرا ضد قادة المليشيات المتحالفة مع إيران في العراق.
في اليمن، حيث شنّ الحوثيون المدعومون من إيران، بزعم الدفاع عن الفلسطينيين، هجوما على السفن العسكرية والتجارية في البحر الأحمر، جمعت إدارة بايدن تحالفين دوليين لحماية السفن التي تسافر عبر المنطقة وضرب أهداف عسكرية داخل اليمن. وبينما استمرت هجمات الحوثيين، نجحت جهود التحالفين في منعهم من إغلاق حركة الملاحة البحرية الدولية تماما.
كان هذا المزيج من التكتيكات ناجحا حتى أرسلت إيران أكثر من 300 مسيرة وصاروخ إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في 13 نيسان/ أبريل. تم شنّ الهجوم ردا على اغتيال ثلاثة قادة إيرانيين في سوريا، الذي يُشتبه في أنه على أيدي دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن في الوقت نفسه، لم يكن هناك أي ردع من جانب إيران؛ فقد نجح تحالف دفاع جوي، ضم الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي وشركاء أوروبيين وعربا، في اعتراض كل المسيرات الهجومية الإيرانية تقريبا، وفشلت معظم الصواريخ الإيرانية أو اعترضتها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن على الرغم من تحذيرات واشنطن ودبلوماسيتها وموقفها العسكري الدفاعي، لم تردع إيران. ولو تسببت أسلحتها في إحداث أضرار أكبر بالمواقع العسكرية الإسرائيلية أو المناطق المدنية، لكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد ردّت بالمثل على الأرجح، ما جعل المسيرة نحو الحرب الإقليمية لا يمكن إيقافها.
"الآن، مرة أخرى، تتأرجح المنطقة على حافة الهاوية. والعملية التي وقعت في 27 تموز/ يوليو على بلدة في مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أسفرت عن مقتل 12 طفلا، والتي كان حزب الله اللبناني وراءها بوضوح (حتى لو نفى ذلك)، هو بالضبط نوع من الأحداث التي تسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، والتي تدفع القادة إلى دورات تصعيدية لا رجعة فيها"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأضافت، ردّت دولة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال أحد كبار قادة حزب الله في جنوب بيروت؛ وتعهّد حزب الله بالرد. وبعد يوم واحد، استشهد أحد كبار قادة حماس، إسماعيل هنية، أثناء إقامته في دار ضيافة حكومية في طهران في هجوم تقول إيران إن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد نفذته. وتعهّدت طهران، التي شعرت بالإهانة بسبب الخرق الأمني، بالرد.
قامت إدارة بايدن مرة أخرى بالرد على المشكلة بإرسال حاملة طائرات أخرى وسربا آخر من الطائرات المقاتلة وغواصة صواريخ موجهة تعمل بالطاقة النووية إلى المنطقة. وهي تمارس ضغوطا دبلوماسية لحشد كل حليف وشريك لدعوة إيران إلى التراجع.
كان الجنرال مايكل إريك كوريلا، وهو القائد الأعلى للجيش الأمريكي المسؤول عن القوات في الشرق الأوسط، في دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، لتنظيم تحالف دفاع جوي آخر. وسعى بايدن إلى مواجهة أي سؤال حول المسافة المتزايدة بين واشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي عندما يتعلق الأمر بدفاع الأخيرة حتى تفهم إيران ووكلاؤها، بما في ذلك حزب الله، أن واشنطن ستتدخل للدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لكن منع الحرب بين الدول في الشرق الأوسط هو مشروع مختلف تماما عما كان عليه قبل خمسة أشهر. لم تمنع جهود بايدن إيران من مهاجمة دولة الاحتلال الإسرائيلي في الربيع. ومن الصعب أن نرى كيف ستكون نفس التحركات كافية الآن. لم تدفع طهران ثمنا كبيرا لأفعالها، ولم تهدد الولايات المتحدة على وجه التحديد بفرض ثمن على إيران إذا هاجمت إسرائيل مرة أخرى.
ربما لا يزال المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون يعتقدون أن إيران وحزب الله لا يسعيان إلى حرب شاملة. ومع ذلك، فإن كليهما يتصارعان مع الإذلال العالمي في أعقاب الضربات الإسرائيلية. وهناك خطر جدي يتمثل في أن غريزة الانتقام لديهما تفوق براغماتيتهما.
وإذا تجاهلت إيران مرة أخرى الضغوط الدولية للامتناع عن الرد، فمن المرجّح أن تصمّم ردّا أكبر من الذي نفذته في 13 نيسان/ أبريل، الذي قد يشمل هجمات مباشرة متعددة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي أو هجمات منسقة مع وكلائها في لبنان واليمن والعراق وسوريا. وهناك أيضا خطر أن توجه إيران حزب الله للضرب أولا، في محاولة لاستنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل شن هجوم مباشر من جانبه.
وإذا كانت إيران تريد تجنب حرب أوسع نطاقا، فإن ردها سوف يتجنب البنية الأساسية المدنية والمراكز السكانية. إن تنفيذ مثل هذا الرد، أي شيء أكبر من 13 نيسان/ أبريل، ولكن أقل من مسيرة نحو الحرب، يحمل في طياته مخاطر هائلة من سوء التقدير أو الخطأ.
ومن المرجّح أن تتراجع طهران إذا شعر قادتها أن أمن النظام نفسه معرض للخطر. يتعين على بايدن أن يفكر في الإشارة إلى أنه مستعد لتحويل استخدام القوة العسكرية الأمريكية من استهداف وكلاء إيران إلى استهداف داخل إيران، مثل مرافق تخزين الأسلحة أو الإنتاج. يمكن استخدام القوات والقدرات الإضافية التي أرسلها إلى المنطقة ليس فقط للدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم إيراني ولكن أيضا لمعاقبة إيران بشكل مباشر.
يجب تشجيع القادة الأوروبيين والعرب على نقل أهدافهم أيضا. يجب أن تشمل العواقب المترتبة على المزيد من العدوان الإيراني الضغط الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية والالتزامات الإضافية بين الحلفاء الأوروبيين والعرب تجاه التعاون الأمني لمواجهة التهديدات الإيرانية.
بينما ينتظر العالم رد طهران، تسخن جبهات أخرى. استأنفت الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا الهجمات ضد القوات الأمريكية الأسبوع الماضي، وأسفرت إحداها عن إصابات خطيرة. لم يوجّه بايدن بعد أي ضربات أمريكية ردا على ذلك، وهو ما قد تفسره طهران خطأ على أنه ضوء أخضر للاستمرار. في أواخر تموز/ يوليو، دفع هجوم بمسيرة من الحوثيين على تل أبيب إلى أول ضربة إسرائيلية أحادية الجانب في اليمن، ومن لبنان تتزايد هجمات حزب الله على دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى مع تسارع حشد القوات الأمريكية.
ولكسب الوقت والمساحة للدبلوماسية، أصدر بايدن بيانا مشتركا نادرا، مع زعماء مصر وقطر يدعو إلى اجتماع الخميس، لإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى المتبقين الذين تحتجزهم حماس. ويعتقد مسؤولو الإدارة أن إنهاء القتال في غزة قد يفتح فرصا للتهدئة على جميع الجبهات الأخرى، لأن إيران ووكلائها ربطوا هجماتهم بالحملة الإسرائيلية هناك.
وفي يوم الثلاثاء، قال بايدن إنّه يتوقع أن تمتنع إيران عن شن هجوم إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وحذّر المسؤولون الإيرانيون من أن اتفاق وقف إطلاق النار فقط هو الذي سوف يمنع الانتقام. ولكن احتمالات نجاح المحادثات قاتمة؛ فقد رفضت حماس أي تعديلات على إطار وقف إطلاق النار، واتهم فريق التفاوض الإسرائيلي رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتقويض المفاوضات.
ويبدو أن إيران، التي تدرك المسافة بين الطرفين، تسعى إلى إضفاء الشرعية على استخدامها للقوة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي. إذا كان هذا صحيحا، فيتعين على كل أولئك الذين يريدون منع الحرب الكبرى أن يرفضوا هذه اللعبة الساخرة التي تنتهجها إيران، وأن يستعدوا لاتخاذ إجراءات لكسر قبضة إيران الخانقة على المنطقة.