صحافة دولية

مركز أبحاث إسرائيلي: جيش الاحتلال سقط بيد المتطرفين والاستيطان إجرام

الاحتلال اعتقلت عشرة جنود يشتبه في اغتصابهم رجلا فلسطينيا- الموقع الرسمي
تتزايد عمليات عنف المستوطنين في الضفة الغربية تجاه الفلسطينيين، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وسط تمدّد لمشروع الاستيطان الذي يغرق في الإجرام ويزيد من هجوم المستوطنين المتطرفين.

نشرت مجلة "ذي نيويوركر" مقابلة أجراها الصحفي، إسحاق شوتينر، مع يهودا شاؤول، وهو المؤسّس المشارك لمركز أوفيك: المركز الإسرائيلي للشؤون العامة، وهو مركز أبحاث مستقل مقره القدس المحتلة. وهو أيضا أحد المؤسسين المشاركين لمنظمة "كسر الصمت"، التي تتألّف من جنود إسرائيليين سابقين، لكشف المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وناقش فيها التطرف داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات الجنسية للأسرى الفلسطينيين.

وقال شاؤول، إن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل في تموز/ يوليو عشرة جنود يشتبه في اغتصابهم رجلا فلسطينيا في مركز احتجاز في جنوب الاحتلال الإسرائيلي. وجاء ذلك عقب تقارير في الصحافة الدولية عن إساءة جسدية واسعة النطاق في نفس مركز الاحتجاز: "سدي تيمان".

وتابع: "قد أحضر الجنود المحتجزون في سدي تيمان للاستجواب في قاعدة عسكرية أخرى؛ واقتحم المتظاهرون كل من تلك القاعدة وسدي تيمان للمطالبة بالإفراج عن الجنود. وقد حظي المحتجون بدعم وزراء من اليمين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير".

وإجابة على سؤال حول اقتحام هذه القواعد وتماشيه مع تاريخ المحاولات اليمينية لتقويض سيادة القانون داخل الاحتلال الإسرائيلي؟ قال شاؤول: "إن عنف المستوطنين في الضفة الغربية يتزايد على مدى سنين، وليس هناك إنفاذ للقانون. بل إن مشروع الاستيطان هو مشروع يغرق في الإجرام".

وأضاف بأن "هذا النوع من السّلوك في الضفة الغربية، والعنف غير المنضبط حيث طلب من الجنود بالوقوف مكتوفي الأيدي استمر لعقود".

وأردف: "عندما كان جنديا في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الثانية، لم تكن الأوامر تقضي بتطبيق القانون على المستوطنين. ولم تكن مهمتهم حماية الفلسطينيين. بل كانت حماية المستوطنين. وعلى مر السنين، كنت ترى من حين لآخر مقطع فيديو لمستوطنين يهاجمون فلسطينيين دون أن يتدخل الجنود".

"في السنوات الأربع أو الخمس الماضية، تحوّل الجنود من جنود يقفون مكتوفي الأيدي بينما يتعرض الفلسطينيون للهجوم إلى جنود ينضمون أحيانا إلى الهجمات. وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ساءت الأمور. والآن أصبح المستوطنون هم الجنود والجنود هم المستوطنون" تابع المتحدث ذاته.

هل كان التغيير الأكبر يكمن في تكوين الجنود؟
جاوب شاؤول على السؤال، بالقول إن: "هذا التغيير بنيوي في الطريقة التي صُمّم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي. ففي حرب شاملة، تذهب الوحدات الأفضل تجهيزا والأكثر تدريبا إلى الخطوط الأمامية. ويبقى في الضفة الغربية جنود الاحتياط".

واستدرك: "لكن الأمر لا يقتصر على وحدات الاحتياط العادية. بل يشمل أيضا ما يسمى بوحدات الدفاع الإقليمية. وتنقسّم الضفة الغربية إلى عدة ألوية إقليمية. ولكل منها كتائب دفاع إقليمية، وهي وحدات احتياطية تتألف من مستوطنين محليين. فالمستوطنون الذين يعيشون في منطقة الخليل، على سبيل المثال، يتم تعبئتهم في منطقة الخليل".

وأضاف أن "على القارئ أن يتذكّر أنه بالنسبة للجنود فإن المستوطنين في صفهم والفلسطينيون هم العدو، لذا فهم لا يحمون العدو. لأن المستوطنين يستضيفون الجنود لتناول وجبة شنيتزل في ليلة الجمعة، ولأنهم يتحدثون لغتهم، ولأنهم يتمتعون بالسلطة السياسية".

واسترسل بالقول: "لقد سُمح بالانفلات الأمني والعنف لأن العلاقة بين الجيش والمستوطنين على الأرض أصبحت تكافلية للغاية. وهي الآن تكافلية للغاية لدرجة أنه لم يعد من الواضح أين تبدأ وتنتهي العلاقة العسكرية، وأين تبدأ وتنتهي العلاقة المدنية".

"كما أن هناك شيئان آخران يحدثان. الأول هو التغيير الاجتماعي في الجيش. تغيير من الناس العلمانيين من المدرسة القديمة، الموجهين نحو حزب العمل إلى الناس المتدينين القوميين، وخاصة إلى القوميين الأرثوذكس المتطرفين. أشخاص مثل سموتريتش" أكد المتحدّث.

في عام 1990، كان اثنان ونصف في المائة فقط من خريجي ضباط المشاة من المتدينين القوميين. وفي عام 2015، كان العدد يقترب من 40 في المئة. وهذا يمثل ثلاثة أضعاف حجمهم في المجتمع. وهذا بسبب توجه العسكريين من الطبقة المتوسطة والعالية والعلمانيين والأفضل تعليما إلى الأمن السيبراني واستخبارات الإشارات في حين يتم شغل الرتب القتالية بشكل أكبر بالأيديولوجيين والرجال القوميين المتدينين. وفي العقد الماضي، كان هناك صراع كبير في جيش الاحتلال الإسرائيلي حول من هي السلطة الحقيقية.

هل هو الحاخام أم القائد؟ 
خلال عام 2016، طعن فلسطينيان جنديا، فأصاباه. تم إطلاق النار على الفلسطينيين. استشهد أحدهما - وتم تحييد الآخر، حيث بقي ملقى على الأرض. وبعد دقائق، وصل طبيب عسكري، يُدعى إيلور عزاريا، وأطلق رصاصة واحدة على رأس الفلسطيني ـ فأعدمه.

وقد صور كل ذلك ناشط فلسطيني كان يعيش في مكان قريب. وبمجرد أن خرج هذا إلى العلن، ثارت موجة من الغضب. وفي نهاية المطاف، وجّهت الاتهامات إلى عزاريا، ولكن الغضب ساد إزاء حقيقة توجيه الاتهام إليه.

ووصل الأمر إلى حد أن نتنياهو، الذي كان رئيسا للوزراء، اتصل بوالدي مطلق النار لإظهار الدعم. وفي نهاية المطاف، اضطر موشيه يعلون، الذي كان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت ـ وهو يميني ورئيس أركان سابق لجيش الاحتلال الإسرائيلي للاستقالة، من بين أسباب أخرى، لأنه أيد الاتهام. وحُكِم على عزاريا بالسجن ثمانية عشر شهرا بسبب عملية إعدام تم تصويرها.

كانت تلك هي اللحظة التي تمرّد فيها أفراد الجيش، بالإضافة إلى القاعدة السياسية لحزب الليكود واليمين الإسرائيلي، ضد الحرس القديم الذي يريد أن يقول إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يزال جيشا محترفا يتمتع بالانضباط، ويريد أن يروي للعالم قصة الالتزام بالقانون الدولي.. والآن أصبح الأمر كما يلي: "في جيشنا، لدينا أخلاقيات مختلفة عنكم، ولدينا فكرة مختلفة عن حكم القانون عنكم. ومن غير المقبول أن يتم توجيه الاتهام إلى جندي بسبب هذا". وشكلت هذه نقطة تحول.

كيف يمكن وصف الوضع الحالي في الجيش، وماذا حدث الأسبوع الماضي؟
على هذا السؤال أجاب شاؤول بأن ما نشهده هو هذا الصدام بين الحرس القديم والمؤسساتي من جهة، وبين القوميين المتدينين من جهة أخرى. ويريد هؤلاء تغيير طبيعة وروح الجيش. ولكن لا يمكن التقليل من أهمية المحكمة الجنائية الدولية وآليات المساءلة الدولية هنا. لأن المحكمة الجنائية الدولية تلوح في الأفق. ويمكنكم سماع هذا في الحوار السياسي داخل الاحتلال الإسرائيلي.

فالعديد من الناس الذين يحاولون الدفاع عن المدعي العام العسكري، الذي يُشرف على التحقيقات مع الجنود ـ يعتبرون ذلك أمرا بالغ الأهمية لأن هذه هي الطريقة التي "نحمي بها جنودنا وقادتنا من المحكمة الجنائية الدولية. ويتعيّن علينا أن نظهر للعالم أننا نتمتع بسيادة القانون وأننا نحقق في الجرائم المزعومة".

ومع انتشار كل هذه الشهادات في الأخبار في شبكة "سي إن إن" وصحيفة "نيويورك تايمز" وفي مختلف أنحاء العالم، وهناك ضغوط حقيقية للتحقيق في الأمر والنظر فيه. لذا فقد أرسل المدعي العام العسكري الشرطة العسكرية لاعتقال عدد من الجنود لاستجوابهم. وعلى الفور، بدأت شبكات اليمين الإسرائيلي في إطلاق نداءات تقول: "إنهم يلاحقون جنودنا".

خرج الجميع إلى الشوارع. إنهم يريدون تغيير ما هو مقبول في جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويمكنك أن ترى هذا منذ تشرين الأول/ أكتوبر فصاعدا من خلال عدد كبير من مقاطع الفيديو التي تصوّر جنودا يتحدثون عن إعادة بناء المستوطنات. هناك هذا الصدام الحقيقي بين سيادة القانون، أو القصة التي تريد المؤسسة أن ترويها للعالم، وبين أفراد الصفوف الأولى.

ماذا عن دور نتنياهو الذي يحاول أن يظهر بمظهر زعيم على الحلبة الدولية بينما يتماشى مع سياسات سموتريش وبن غفير؟

قال شاؤول: "لا أعتقد أن سياساته هي سياسات سموتريتش أو بن غفير. أعتقد أن سموتريتش يمثل التحول الديني الوطني الأكثر أيديولوجية من حيث المطالبات بمكانة الجيش وقيمته، في حين يمثل بن غفير في الواقع صفوف الطبقة العاملة. وأعتقد أن نتنياهو أصبح حيث هو ليس فقط لأن سموتريتش وبن غفير يمسكان بزمام الأمور، بل لأن هناك إحباطا هائلا بسبب الافتقار إلى الإنجازات التي حققتها الحرب.

قبل أشهر وُعدنا بأننا سنقضي على حماس. وكنا سنعيد جميع الأسرى إلى ديارهم. لقد مضت شهور على الحرب ولم نقض على حماس. إذن ماذا تفعل الآن؟ إذا كنت شخصا من يسار الوسط في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإنك تلوم نتنياهو وحكومته لأنهم غير مستعدين للحديث عن اليوم التالي، لأن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بالقوة وحدها.

ولكن إذا كنت من اليمينيين، فإنك تبدأ في الأساس في إلقاء اللوم على الجنرالات اليساريين الضعفاء الذين لا يرغبون في القيام بما يلزم. وتقول إن الناس في الجيش يلعبون لعبة مع الأوروبيين والأميركيين والمجتمع الدولي لحماية الناس من المحكمة الجنائية الدولية. ويقول اليمين المتطرف: "إنهم يقيدون أيدينا. ولهذا السبب لا نحقق النصر. لقد رأيتم ما حدث في رفح. لقد منعونا لأسابيع. ولم يسمحوا لنا بالدخول".

قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان الشيطان الأكبر هو المحاكم. والآن يوجّه اليمين المتطرف الكثير من إحباطه نحو الحرس القديم في الجيش. وهنا، يأتي دور نتنياهو في هذا الموضوع. فالمتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية، يجد العديد من التسريبات من مناقشات مجلس الوزراء: وزراء يهاجمون رئيس الأركان، ووزراء يهاجمون الجنرالات.

كل هذه الهجمات هي جزء من توجيه إحباط اليمين الإسرائيلي. فالحقيقة هي أن برنامجهم لا يعمل، وهذا يعني أننا محونا قطاع غزة عن وجه الأرض تقريبا، ولم تختف حماس. لذا فأنت بحاجة إلى إلقاء اللوم على شخص ما عن الفشل.

هل هناك نقطة تعتقد أن هذه القوى قد تتحدى الدولة عندها وسوف يقف نتنياهو إلى جانبها بشكل أساسي؟


قال شاؤول ردا على السؤال إن شرطة الاحتلال الإسرائيلي أصبحت الآن تحت سيطرة كاملة تقريبا. إنها تحت سيطرة سياسية كاملة تقريبا. لم يحدث هذا بعد مع الجيش. ولكنك ترى ذلك مع الشرطة في الضفة الغربية. ترى ذلك مع الشرطة في مواجهة الاحتجاجات، ورأيته عندما رفضت الشرطة الخروج للدفاع عن القواعد العسكرية.

وبعد السابع من أكتوبر مباشرة، كانت هناك العديد من الحالات التي تعرض فيها نشطاء السلام الإسرائيليين للتهديد. قامت مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي "واتساب"بتوزيع أسماء وعناوين ناشطين لمهاجمتهم. لقد وصلنا إلى نقطة حيث لم نكن حتى نتواصل مع الشرطة لأننا لم نكن نثق في الشرطة. وكان هذا نموذجا مصغرا للقضية الأكبر التي شهدناها الأسبوع الماضي. إن الشرطة في الضفة الغربية تتكون بالكامل تقريبا من المستوطنين والميليشيات.

اليوم، يشكل أصحاب الإيديولوجيات القومية الدينية قوة مهيمنة حتى مستوى قائد لواء. وفي الوقت الحالي، تغيرهم المؤسسة أكثر مما تغير المؤسسة نفسها. ولكن بمجرد أن يستمر هذا الأمر بالقدر الكافي، فإنّك تصل إلى كتلة حيث يبدأون في تغيير المؤسسة أكثر مما تغيرهم المؤسسة نفسها.

هل كانت التقارير في "سي إن إن" و"نيويورك تايمز" مفاجئة بالنسبة لك أو مفاجئة للأشخاص الذين يدرسون هذه الأشياء في إسرائيل؟

أجاب شاؤول: إن فكرة وقوع أمور سيئة في غزة، أو وقوع أمور سيئة في مراكز الاحتجاز، ليست مفاجئة بالنسبة لي. ولكن مدى سوء هذه الأمور، بصراحة، أمر مدهش. وأخشى أننا ما زلنا نكتشف السطح هنا.

أخشى أن وسائل الإعلام لم تصل إلى غزة بعد. وأخشى أن نكتشف أننا وصلنا إلى مستويات جديدة خطيرة من الانحدار في سلوكنا ــ فيما يتصل بقواعد الاشتباك التي كانت متساهلة للغاية في مقدار الأضرار الجانبية المسموح بها، وفيما يتصل بمعاملة المعتقلين. وأخشى أننا لا نزال لا نملك القصة الكاملة لكل هذه الأمور.

لكنّني لا أعتقد أن هناك غضبا. وأعتقد أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي ترى أن الاعتداء المزعوم على المعتقلين يبدو معقولا في نظرها. ويبدو معقولا في نظر أعضاء الكنيست اليوم وفي نظر الوزراء في الحكومة. لقد رأيت الآلاف من الإسرائيليين يقفون ويدافعون عن هؤلاء الجنود، حتى مع ما يُزعم أنهم ارتكبوه. وهذا هو مدى الانحدار الذي وصلنا إليه. لقد وقفت شريحة كاملة من المجتمع الإسرائيلي والطبقة السياسية والحكومة للدفاع عن هذه الإجراءات.