صحافة دولية

تنافس غربي على توسيع دائرة السيطرة على قطاع الغاز المصري.. ما السبب؟

أشار التقرير إلى أن الكتلة الصينية الروسية والكتلة الغربية يدركون تماما أن مصر لها أهمية إضافية في العالم العربي- الأناضول
تتواصل الجهود الغربية الرامية إلى توسيع وجود الغرب في قطاع الطاقة في مصر، وذلك بما يتماشى مع استراتيجية تطوير الطاقة التي ينتهجها الغرب في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير عام 2022، حسب موقع "أويل برايس" الأمريكي.

وقال الموقع، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن شركة إيني الإيطالية، إحدى أكبر المستثمرين الغربيين في قطاع الطاقة في مصر، أعلنت اعتزامها حفر آبار جديدة في حقل ظهر الرائد في البلاد، وهو أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى أن ذلك يأتي ضمن استراتيجية تطوير الطاقة التي ينتهجها الغرب بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وأضاف أنه في تلك المرحلة، أصبحت ثلاثة أشياء أكثر وضوحا بالنسبة للأعضاء الغربيين الأساسيين في الناتو: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. أولاً، لا بد من تأمين إمدادات الغاز قصيرة الأجل على وجه السرعة حتى لا يُسمح لروسيا بالإفلات من غزو آخر لأوروبا بفضل إمداداتها الرخيصة من الغاز إلى أوروبا منذ فترة طويلة.

وذكر الموقع أن هذا ما حدث بالضبط بعد غزو روسيا لجورجيا في سنة 2008 وغزوها لمنطقة شبه جزيرة القرم في أوكرانيا في سنة 2014، حيث أن الدول الأوروبية الرئيسية، وأبرزها ألمانيا، رفضت القيام بأي شيء قد يعرض إمداداتها الرئيسية من الطاقة للخطر.

ثانيًا، نظرا للاحتمال الكبير بأن تستمر روسيا في التقدم غربا بمجرد تأمينها لأوكرانيا، وأن الصين قد تستغل التركيز العسكري لحلف الناتو على أوروبا لغزو تايوان، فسوف يكون لزاما على الغرب أن يبني علاقات جديدة مع البلدان التي تقدم آفاقا لشَراكات طويلة الأجل لتوريد الغاز.

وثالثا، في أعقاب قيام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، كان العديد من موردي الغاز العالميين الرئيسيين يعملون بالفعل ضمن الكتلة المناهضة للغرب بين الصين وروسيا، وفقا للتقرير.

وأشار الموقع إلى أن مصر كانت من بين الدول التي بدت وكأنها قد تنضم إلى هذه الكتلة. وكانت الصين وروسيا من خلال حليفتهما الرئيسية في المنطقة، إيران، تحاولان إقناع البلاد بإنشاء "شبكة طاقة موحدة" في الشرق الأوسط.

وتمهيدا لذلك، شهدت سنة 2022 إعلانا عن تعزيز التعاون بين مصر والأردن في مشاريع توصيل الغاز داخل الأردن بخبرات مصرية من خلال شركات قطاع البترول المتخصصة. وقبل ذلك مباشرة، أُعلن أن العراق وافق على إعادة بدء تصدير النفط الخام من كركوك العراقية إلى مصفاة الزرقاء في الأردن. ونظرا للتقاطع الهائل بين قطاعي النفط في العراق وإيران، فإن هذا من شأنه أن يربط مصر بشكل غير مباشر بعلاقة أوثق مع طهران، حسب التقرير.

بالإضافة إلى ذلك، تم أيضا أخذ إمدادات الكهرباء القادمة من إيران بعين الاعتبار في هذه الصفقة، نظرا لأنها زوّدت العراق تاريخيًا بنسبة 30-40 بالمئة من جميع احتياجاته من الكهرباء، وقد وقعت للتو أطول صفقة منفردة بينها وبين العراق لمواصلة القيام بذلك.

وذكر الموقع أنه في الوقت نفسه تقريبا، أعلن وزير الكهرباء العراقي آنذاك، ماجد مهدي حنتوش، أنه تم الانتهاء من الخطط لاستكمال ربط العراق بالكهرباء مع مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة. وكان من المقرر تعزيز هذه الشبكة من خلال اتصالات الشبكة الموازية التي عززتها إيران من حيث التبادل المباشر للكهرباء والغاز. وقال وزير الطاقة الإيراني آنذاك، رضا أردكانيان، في سنة 2019، إن هذه الشبكة ستكون جزءًا من المشروع الشامل لإنشاء سوق عربي مشترك للكهرباء.

وأشار التقرير إلى أن الكتلة الصينية الروسية والكتلة الغربية يدركون تماما أن مصر لها أهمية إضافية في العالم العربي وفي العالم الإسلامي يمكن استخدامها للاستفادة من قوة أكبر في جميع أنحاء الشرق الأوسط ككل. على مدار عقود من الزمن، كان العالم العربي ينظر إلى البلاد على أنها المؤيد الرئيسي للأيديولوجية "العربية" التي تؤمن بأن القوة الدائمة للشعب العربي لا يمكن العثور عليها إلا في وحدته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية عبر البلدان المختلفة التي ظهرت بعد الحربين العالميتين.

وكان الرئيس المصري الأسبق، جمال ناصر، أقوى مؤيد لهذه الأيديولوجية. ومن أبرز العلامات الواضحة لهذه الحركة في ذلك الوقت، تشكيل الجمهورية العربية المتحدة الذي أنشأته مصر وسوريا في الفترة من 1958 إلى 1961، وتشكيل منظمة أوبك سنة 1960، وسلسلة الصراعات مع الجارة إسرائيل خلال تلك الفترة، ثم الحظر النفطي في سنتي 1973 و1974، حسب التقرير.

وبالنسبة للقوة الرئيسية في الغرب، الولايات المتحدة، فإن الأهمية الإضافية لمصر هي أنه يُنظر إليها في العالم العربي على الأقل كقوة عظمى مثل السعودية في أي وقت مضى، كما أن إدخالها في أي نوع من التحالف الهادف مع الغرب سيقطع شوطا طويلا لموازنة خسارة المملكة العربية السعودية لصالح الكتلة الصينية الروسية.

وذكر الموقع أنه من الناحية اللوجستية أيضا، تتمتع مصر بأهمية أكبر بكثير في سوق الغاز والنفط العالمي مقارنة باحتياطياتها من الغاز والنفط. في البداية، تسيطر مصر على ممر الشحن العالمي الرئيسي في قناة السويس، التي يتم من خلالها نقل حوالي 10 بالمئة من النفط والغاز الطبيعي المسال في العالم. كما تسيطر على خط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط الحيوي، الذي يمتد من محطة العين السخنة في خليج السويس، بالقرب من البحر الأحمر، إلى ميناء سيدي كرير غرب الإسكندرية على البحر الأبيض المتوسط. وهذا بديل حاسم لقناة السويس لنقل النفط من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط.

وأشار الموقع إلى أن قناة السويس تظل واحدة من نقاط العبور الرئيسية القليلة جدًا التي لا تسيطر عليها الصين. وعلى وجه التحديد، تتمتع الصين بالفعل بسيطرة فعالة على مضيق هرمز من خلال "اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 سنة". كما تمنح الصفقة نفسها الصين السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يتم من خلاله شحن السلع صعودا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن تنتقل إلى البحر الأبيض المتوسط ثم غربا. وقد تم تحقيق ذلك لأنها تقع بين اليمن وجيبوتي.

وبالتالي، حتى لو لم يكن لدى مصر احتياطيات من الغاز والنفط، فإن الغرب كان يتطلع إلى زيادة حجم ونطاق علاقته مع البلاد بشكل كبير في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا سنة 2022. ومع ذلك، تمتلك مصر احتياطيات غاز كبيرة للغاية، تقدر رسميا بنحو 2.1 تريليون متر مكعب، مما يجعلها جزءا رئيسيا من مركز الغاز الضخم المحتمل في شرق البحر الأبيض المتوسط، حسب التقرير.

وكانت شركة شيفرون المشغل الأمريكي الرئيسي منذ البداية، مع إعلانها في كانون الأول/ ديسمبر 2022 أنها عثرت على ما لا يقل عن 99 مليار متر مكعب من الغاز من خلال بئرها الاستكشافي نرجس -1 في دلتا النيل شرق مصر، على بعد حوالي 60 كيلومترًا شمال شبه جزيرة سيناء.

وبعد ذلك، جاء الإعلان عن اكتشاف مع شركة إيني الإيطالية لحقل غاز بحري ضخم محتمل في منطقة امتيازها في البحر الأحمر، والذي يركز على بئر نرجس -1. وقد أدى ذلك إلى تعزيز وجودها الكبير بالفعل في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط الأوسع من خلال تشغيلها لحقلي ليفياثان وتمار الضخمين في إسرائيل ومشروع أفروديت قبالة سواحل قبرص، حسب التقرير.

ووفقاً لرئيس شركة شيفرون الدولية للاستكشاف والإنتاج، كلاي نيف: "يتمتع شرق البحر الأبيض المتوسط بموارد طاقة وفيرة، وتطويرها يقود التعاون الاستراتيجي في المنطقة".

وذكر الموقع أن الولايات المتحدة، استخدمت نقطة الدخول هذه إلى قطاع الغاز المصري منذ ذلك الحين من قبل العديد من شركات النفط الدولية الكبرى الأخرى التابعة لحلفائها، بما في ذلك شركة إيني الإيطالية، وشركتا شل وبي بي البريطانيتان. وقالت شركة "بي بي" مؤخرا إنها ستستثمر 3.5 مليارات دولار في استكشاف وتطوير حقول الغاز المصرية في السنوات الثلاث المقبلة. ويمكن مضاعفة هذا الرقم إذا أسفر نشاط الاستكشاف عن اكتشافات جديدة.


وفي الوقت نفسه، بدأت شركة شل تطوير المرحلة العاشرة من امتياز دلتا النيل البحري في غرب الدلتا البحري العميق في البحر الأبيض المتوسط. جاء ذلك بعد أن قامت الشركة البريطانية وشريكتها بتعزيز مراحل التطوير التسع السابقة لامتياز غرب الدلتا البحري العميق الذي يضم 17 حقلاً للغاز، تقع على أعماق مائية تتراوح بين 300 إلى 1200 متر، وتمتد حوالي 90-120 كيلومترًا من الشاطئ، وفقا للتقرير.

أفادت أخبار الأسبوع الماضي بأن نفس الكونسورتيوم الذي تقوده شركة شل قد وافق على بدء المرحلة الحادية عشرة من مشروع غرب الدلتا البحري العميق. وتميزت إيني أيضا بنهجها الريادي والجريء في العثور على إمدادات جديدة من النفط والغاز وحمايتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث تتطلع الشركة الإيطالية إلى تعزيز وتوسيع وجودها مؤخرا في ليبيا والإمارات العربية المتحدة، من بين أمور أخرى.

وفي هذا السياق، كانت تعمل بالتعاون مع شركة شيفرون في أحدث اكتشاف في نرجس، حيث ذكرت شركة "إيني" أن اكتشاف بئر نرجس -1 يؤكد صحة تركيزها على سواحل مصر. ويأتي كل ذلك بعد اكتشاف شركة إيني لحقل ظهر الضخم في شرق البحر الأبيض المتوسط في سنة 2015، ويتماشى ذلك مع هدف الشركة المتمثل في استبدال واردات الغاز من روسيا بالكامل بحلول سنة 2025، حسب ما أورده الموقع الأمريكي.