صحافة دولية

فقر مدقع ومخاوف من الترحيل.. هذا هو واقع اللاجئين السوريين في لبنان

يواجه اللاجئون العائدون إلى سوريا انتهاكات جسيمة على أيدي النظام السوري حسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"-
تعد أزمة اللاجئين السوريين الأكبر في العالم، وتمتد على مدى عقد من الزمن. وتشير التقديرات إلى أن 5.5 ملايين لاجئ ما زالوا يعيشون خارج سوريا. ويحتضن لبنان أكبر مخيمات اللاجئين لطالبي اللجوء لسنوات حتى وقت قريب، حسب تقرير نشره موقع "مودرن ديبلوماسي" الأمريكي.

ولفت الموقع في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى بدء لبنان في إعادة اللاجئين بسبب الضغوط الاقتصادية في البلاد بعد تفشي فيروس كورونا.

وفيما يلي؛ أهم المشاكل المختلفة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان.

بدأت أزمة اللاجئين السوريين مع بداية الحرب الأهلية السورية في سنة 2011، والتي سببتها الصراعات الحكومية والشعبية. وقد تصاعد الأمر إلى حرب أهلية شاملة، مع نزوح حوالي 14 مليون سوري داخليا وخارجيا.

ويستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين من حيث دخل الفرد مقارنة بأي بلد آخر، بما في ذلك اللاجئون السوريون والفلسطينيون. وهناك حوالي مليون لاجئ من سوريا مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولا يزال مئات الآلاف غير مسجلين من سوريا. ويعيش حوالي 90 بالمئة من هؤلاء اللاجئين في فقر مدقع دون الحصول على الموارد الأساسية والتعليم، حسب التقرير.

وأوضح الموقع أن هذا الصراع قد أثار أكبر أزمة إنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولم يسبقها سوى الصراع اليمني في سنة 2018؛ حيث لجأ ملايين اللاجئين إلى دول مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر ودول أوروبية مختلفة، مما أدى إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في هذه المناطق بشكل جذري.

ولم يكن العيش في لبنان آمنا ومسالما بشكل أساسي بالنسبة لهؤلاء اللاجئين أيضا من سوريا، فلا يزالون يواجهون مشاكل مختلفة، ومؤخرا، مع تفشي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية في لبنان، يواصل اللاجئون دفع ثمن باهظ، وفقا للتقرير.

بحسب الموقع، فإنه من الممكن تصنيف التحديات والمشاكل التي يواجهها هؤلاء اللاجئون إلى فئات مختلفة. ويمكن أن تكون سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية. والقائمة لا نهاية لها، وتصنيفهم إلى مجموعات مختلفة سيعزز فهما أفضل للفروق الدقيقة المختلفة في هذه القضية.

مشاكل سياسية
ذكر الموقع أنه يُطلب من اللاجئين في لبنان العودة إلى سوريا بشكل أساسي لأن لبنان يواجه أزمة اقتصادية. كما أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع في البلاد؛ حيث عطلت إمدادات الغذاء الأساسية إلى لبنان، مما ترك العديد من اللاجئين بلا طعام وفي حالة فقر. ويقال إن المخابز تقوم بتقنين الخبز، وهو النظام الغذائي النموذجي للفقراء في البلاد.

وأوضح أن انخفاض احتياطي القمح وارتفاع أسعار النفط يضع الناس في موقف صعب. وهناك أيضًا استياء متزايد تجاه اللاجئين، حيث تنتشر المشاعر المعادية للاجئين في جميع أنحاء البلاد وهي في حالة ازدياد.

وبدأت وسائل الإعلام، وكذلك الناس العاديون، في إلقاء اللوم على اللاجئين باعتبارهم السبب في انهيار البلاد. وقد استحوذت هذه الفكرة على الرأي العام، ما أدى إلى دفع البلاد إلى البدء ببطء في إعادة اللاجئين إلى سوريا.


وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، يواجه اللاجئون العائدون انتهاكات جسيمة على أيدي حكومة النظام السوري والجيش. وذكر التقرير أمثلة على حالات الاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة التي واجهها اللاجئون الذين عادوا إلى البلاد.

مشاكل اقتصادية
وذكر الموقع أن هؤلاء اللاجئين في لبنان لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى وسائل الراحة اللازمة للبقاء ولا التعليم المناسب أو الوظائف التي تسمح لهم بكسب المال. لقد دفع معدل البطالة المرتفع في لبنان العديد من اللاجئين إلى البحث عن عمل غير رسمي أو غير قانوني من أجل البقاء، وكان سيناريو فيروس كورونا أسوأ حالاً بالنسبة لمواطني لبنان نفسه، بل وأسوأ بالنسبة للاجئين.

ويحتاج لبنان إلى أن يتم تعزيز وضعه الاقتصادي بما يكفي لمساعدة مواطنيه، الأمر الذي وضع قضايا الرعاية الصحية والإسكان وما إلى ذلك الخاصة باللاجئين في مأزق. كما أن هناك حدا للسحب النقدي وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية. فالبلاد على حافة الانهيار السياسي والاقتصادي.

وكان العديد من الشخصيات السياسية البارزة قد عبروا أمام الرأي العام عن العدد الكبير للاجئين من سوريا وتأثير ذلك على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ما أدى إلى بدء التحريض السياسي ضد اللاجئين. ومن زاوية أوسع، يزعم الخبراء السياسيون أن قادة لبنان يتخذون خطوات تكتيكية للغاية في تحركاتهم من خلال الاستفادة من اللاجئين للحصول على المزيد من التمويل من المنظمات الدولية، حسب التقرير.

مشاكل اجتماعية
ولفت الموقع إلى أن المجتمع اللبناني ينبذ اللاجئين السوريين؛ حيث أثرت الروايات المناهضة لهم بشكل كبير في لبنان في السنوات الأخيرة. وأدى سيناريو ما بعد فيروس كورونا إلى ترحيل العديد من اللاجئين السوريين إلى وطنهم لأن الحكومة غير قادرة على رعاية الأعداد المتزايدة من السكان. وتشير التقارير إلى أنه من بين كل عشر ولادات، هناك ستة لاجئين سوريين.

وفي الوقت الحاضر، هناك أكثر من 47 بالمئة من اللاجئين السوريين في المنطقة هم دون سن 18 سنة، وأكثر من ثلث هذه الفئة السكانية يفتقرون إلى فرصة الحصول على التعليم. وفي داخل سوريا، لا يذهب أكثر من مليوني طفل إلى المدارس، ويواجه 1.6 مليون طفل خطر الانقطاع عن التعليم. وينتهي الأمر بالعديد من هؤلاء الأطفال إلى العمل في لبنان، وقد شهدت هذه الحالات ارتفاعا حادا خلال الوباء.

وحسب الموقع، لا توجد منظمة مناسبة تدير عدد اللاجئين أو أي شيء يتعلق بهم؛ ويرجع ذلك إلى نقص الاستجابة والمساءلة من قبل الحكومة اللبنانية التي تركت كل العمل للأمم المتحدة ولم تتحمل أي مسؤولية حتى الآن. ويكمن القلق الأساسي للعديد من المنظمات الدولية في الظروف المعيشية السيئة لهؤلاء اللاجئين، حيث يعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر، وتحد الحكومة من وصولهم إلى وظائف القطاع الرسمي.

الاستجابات وردود الفعل
وذكر الموقع أنه في حين أن العديد من المنظمات الدولية قد ذهبت إلى الميدان وحاولت مساعدة هؤلاء الأشخاص، إلا أن الأزمات لا تزال قائمة. وحتى بعد مرور عقود من الزمن، فلا بد من وجود آلية مناسبة لمعالجة المشاكل التي يواجهها هؤلاء اللاجئون، وقد ساهم غياب المساءلة وتقاعس الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية في استمرار الأزمة في البلاد. ويوضح المسؤولون العاملون في هذا الموضوع أن البنوك اللبنانية تستخدم الأموال المرسلة كمساعدة للاجئين لحل الأزمة الاقتصادية. علاوة على ذلك؛ قامت الحكومة اللبنانية بترحيل هؤلاء اللاجئين وأخذ المزيد من الأموال باسمهم تحت وعود كاذبة بمساعدتهم.

واضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تعليق مساعداته بسبب نقص التمويل، وهذا حادث مروع لأسباب إنسانية بسبب عدم وجود حساسية تجاه هذه القضية.


ومع استضافة ما لا يقل عن 95 بالمئة من اللاجئين السوريين حاليًّا من قبل الدول الخمس المضيفة المركزية، كان لغياب المساعدة العالمية نتائج رهيبة، مما جعل من الصعب للغاية عليهم التكيف. وبسبب القيود الصارمة على دخول اللاجئين التي تفرضها تركيا ولبنان والأردن، يواجه العديد من الأشخاص المحتجزين في سوريا خطرًا كبيرًا بالتعرض للانتهاكات على يد القوات الحكومية، وتنظيم الدولة في سوريا، وغيرها من المنظمات المسلحة، حسب التقرير.

وأكد الموقع أن الكثير من الدول لم تشارك فيما يتعلق بإغاثة هؤلاء اللاجئين وإعادة تأهيلهم؛ حيث أوضح مسؤولو منظمة العفو الدولية كيف حصل عدد قليل من الأشخاص على إعادة التوطين في دول أخرى. ومعظم اللاجئين نازحون داخلياً داخل سوريا حيث لم يعد هناك إلا مجال ضئيل للهروب إلى البلدان التي يمكن أن توفر لهم الحد الأدنى. ودول مثل لبنان على وشك الانهيار بسبب مشاكل داخلية، وتدفق اللاجئين سيزيد الأمر سوءا. 

واختتم الموقع التقرير بالقول، إن الافتقار إلى الحساسية وانعدام المساءلة بشأن أزمة اللاجئين السوريين أدى إلى وضع حياة الملايين من الناس في بؤس شديد، فلا يزال ملايين الأطفال غير متعلمين ولا يستطيعون الحصول على الغذاء والماء المناسبين.

ويرى الناشطون في مجال حقوق المرأة أن الأشخاص الأكثر تضررا في الحرب هم في الغالب النساء والأطفال، وأزمة اللاجئين السوريين هي مثال آخر على ذلك، حسب التقرير.