في
مثل هذه الأيام من العام 2014 شن
الاحتلال الإسرائيلي عدوانا واسعا على قطاع
غزة،
عقب وقوع الاحتلال في مفاجأة استخباراتية وفشل عملياتي، وغياب استراتيجية واضحة،
وطغيان المصالح الشخصية.
عوفر
شيلح، العضو السابق في لجنة الخارجية والأمن بالكنيست، والباحث الأول في معهد
دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أكد أن "مرور عشر سنوات على البداية
الرسمية لعملية "
الجرف الصامد"، أطول جولات القتال في غزة منذ الانسحاب
منها وحتى الحرب الحالية بـ51 يوما من المعارك، وسقوط 70 جنديا و5 مستوطنين، وهي
معطيات تبدو
ضئيلة مقارنة بـ"السيوف الحديدية" اليوم، لكن الفحص الدقيق للأحداث التي
أدت لتلك الحرب، والسلوك الذي تم خلالها يعلمنا القليل عن ما حدث هنا في الأشهر
التسعة الماضية".
وأضاف
في مقال نشرته "
القناة 12"، وترجمته "عربي21" أنها "ليست المرة الأولى التي يكرر فيها الاحتلال أخطاءه، وتجسدت في عدم
استفادته من إخفاقه في حرب غزة 2014، وهي ذات نطاق صغير مقارنة بحرب اليوم، بل
أعاد تكرارها في 2024، والنتيجة أن دولة الاحتلال والجيش وصلا إلى "الهاوية الصلبة"
غير مستعدين على الإطلاق، دون توفر سياسة واضحة تتعلق بغزة، باستثناء استمرار الوضع
الراهن، بدليل أن حكومة بنيامين نتنياهو اجتمعت بخصوص غزة مرة واحدة بالضبط في
العام والنصف الذي سبق الحرب السابقة، وأنا أعلم أن هذا النقاش لم يكن فيه أي شيء،
رغم أنها كانت آنذاك من الذهب الخالص مقارنة بحكومته اليوم".
وأوضح
أنه "بالنسبة للاستخبارات، فكل شيء في أوساطها كان يردّد أصداء ما حدث في السابع
من أكتوبر بشكل مخيف، خاصة الأخبار الملموسة التي تفيد بأن حماس تخطط لهجوم في كرم
أبو سالم، لكن تبين في ذلك اليوم أن لديها عددا أكبر بكثير من المقاتلين، ورغم توفر
معلومات استخباراتية دقيقة حول عدد الأنفاق التي تعبر إلى إسرائيل، ومخارجها، لكن
الوضع الإشكالي الذي واجهنا تمثل في نوايا الحركة، وحول مدى استعدادها لتنفيذ هجوم
واسع النطاق، ورغم أن نتنياهو وصف الأنفاق بأنها "تهديد استراتيجي"، لكنه
لم يترجم على أرض الواقع من الناحية العملية".
وكشف
أنه "في تلك الحرب تم إرسال الجيش في مهمة أقل إثارة للشكوك بتفجير أنفاق
عادت لنفس الطريق بعد أشهر من الحرب، دون معلومات استخباراتية محددة، وأسلحة
مناسبة، وغياب النظرية القتالية، حيث لم يكن في الجيش بأكمله نموذج تدريبي واحد لأنفاق
غزة، ولم تتوفر للوحدات المدربة أساليب خداع في خطتها، ولا جدول زمني واقعي، ولا هدف حقيقي لتغيير الوضع،
ولا غرض القتال، وما هي الصورة النهائية المطلوبة كما هو الحال اليوم".
وأوضح
أن "الخطأ الأعمق بكثير الذي لم يتغير منذ تلك الحرب أن المستويين السياسي
والعسكري لا يجريان حواراً حقيقياً، بل تبادلا للكلمات في مساحة من الراحة، مع
أنه قبل عشر سنوات لم يفكر بمهاجمة رئيس الأركان في اجتماعات الحكومة، أما اليوم
فإن الوضع أكثر خطورة، فنتنياهو يهدف لاستمرار الحرب لأسباب تتعلق ببقائه السياسي
والشخصي، والجيش يعرف أن "النصر الشامل" مجرد وهم، وينشر عبر المتحدثين
باسمه في وسائل الإعلام "أساطير" عن نجاح الضغط العسكري، ولم تتغير
القصص التي نرويها لأنفسنا عن النصر، حتى لو كانت ليست مطلقة".
وأشار
إلى أنه "في حرب 2014 اعتقدت إسرائيل أن التفجيرات العنيفة، وهدم الأبراج
السكنية، وتصفية كبار المسؤولين، من المفترض أن يركّع حماس، ويجعلها تسعى لإنهاء
القتال؛ لكن من الناحية العملية، رفضت حماس وقف إطلاق النار، واستمرت في عنادها، والغريب
أن قادة الاحتلال آنذاك، بمن فيهم تسيفي ليفني وزيرة القضاء، تقول اليوم إن كل
الأفكار المطروحة على الطاولة للمشاركة العربية والدولية في إنشاء بديل لحكم حماس
تم طرحها بالفعل حينها، لكن نتنياهو رفضها".
تشير
هذه المقارنة إلى أنه في ظل غياب تحرك سياسي مكمّل، سيبقى ما يزعمه الاحتلال عن
إنجازات عسكرية دون نتائج حقيقية، لأن رفضه المبادرة لتحرك إقليمي، بزعم كبح جماح
حماس، وإعادة إعمار غزة، سيخلق أمامه وضعا يعيده للبداية، وبالتالي مرة أخرى تزداد
قوة حماس، وإذا لم يحدث تغيير، فإن جولة القتال المقبلة ستكون مسألة وقت، وستكون
أصعب من هذه "الهاوية الصلبة".
ولعل السبب في هذه الرؤية الإسرائيلية المتشائمة
أن الاحتلال، بكل مستوياته، لا يتعلم من أخطائه العسكرية السابقة التي تتكرر في كل
عدوان.