يتزايد في الآونة الأخيرة النقاش الإسرائيلي العام حول فشل الدولة في الحفاظ على كينونتها السياسية والدستورية أمام تمسك رئيس الحكومة بنيامين
نتنياهو بمقعده الرئاسي حتى بعد فشله الأخير، والحرص على تحقيق مصالحه الشخصية في إدارة الحرب على غزة، والسلوك الفاسد لحكومته المتطرفة، مما يكشف عن عجز النظام القضائي وإنفاذ القانون، ووسائل الإعلام والمعارضة، فضلا عن إحباط جهود المحكمة العليا أمام الائتلاف
اليميني العنصري.
وهذا ما أكده المدير السابق لبرنامج القانون بجامعة رايخمان العبرية، المحامي عميرام غيل، حيث قال إن "العديد من الشواهد المتواصلة تؤكد أن المؤسسات الدستورية في دولة الاحتلال تزداد ضعفا، وترفع يديها في وجه التيار الغامض من حولها، ومن هذا المنطلق، فإن تحديد أسباب فشلها أمر بالغ الأهمية من أجل البدء في عملية تصحيح، مهما كانت صعبة، بدءاً من القضاة الذين عيّنتهم وزيرة الليكود السابقة أييليت شاكيد، ورؤساء الشرطة الذين عينهم إيتمار بن غفير، مروراً بأبواق نتنياهو الذين أصبحوا نجوماً في وقت الذروة، وانتهاءً بساسة مثل
بيني غانتس، الذين كانوا قادة المعسكر الليبرالي أثناء خدمة نتنياهو، لكنهم جميعاً أصبحوا أكثر هيمنة من ذي قبل".
وأضاف في مقال نشره
موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "كل ذلك ساهم بإضعاف المؤسسات الدستورية، حيث حصل عزوف واضح في أوساطها عن المواجهة الأيديولوجية والقيمية والمؤسساتية مع المعسكر المناهض لها عموما، ومع نتنياهو كزعيم له خصوصا، ويبدو أنه بعد 47 عاماً من حكم اليمين، و17 عاماً من حكم نتنياهو، لم يعد هناك الكثير، وخلص عدد من القضاة والمحامين والصحفيين والسياسيين، بما في ذلك الليبراليون، إلى أن غالبية الإسرائيليين يتخذون مواقف متباعدة".
وأوضح أن "ما تعيشه دولة الاحتلال من هيمنة اليمين العنصري يتزامن مع الدعاية السامة، مما يجعل الكثيرين في المؤسسات الدستورية والقانونية يخشون أن تؤدي الانتقادات من جانبهم حتماً لفقدان ثقة الإسرائيليين بهم وبمؤسساتهم، فضلا عن الخوف من استغلال الحكومة لهذه الأجواء ضد المؤسسات الدستورية من أجل تقييد خطواتها فعلياً، مما يجعل التهديد بالانتقام من الحكومة أو الكنيست من خلال مظاهرات انتقادية، وهو سلوك له تأثير قوي مروع، لكنه يجعلهم يفكرون مرتين قبل القيام بأي خطوة من هذا النوع، خاصة وقف التحقيقات ضد شخصيات عامة مثل نتنياهو".
وأكد أنه "بينما تخلّت كتلة نتنياهو منذ فترة طويلة عن مشروع الدولة لصالح مشروع استبدادي، وليس لديها مصلحة في التسامح مع المواقف الليبرالية، فإن المؤسسات الدستورية لا تزال تنظر للواقع بنظارات وردية اللون، وتعيش حالة من العالم الموازي، رغم أننا أمام تيار يعمل بقوة من أجل تدميرها، وفيما يبدو أن التيار المقابل "لا تسقط القلعة" أصبح أقلية، ويقود الدولة لتفسير متساهل تجاه رئيس وزراء غارق في تضارب المصالح مع فتيان التلال من المستوطنين، وممثليهم في الحكومة؛ والتطبيع مع خلفاء كاهانا".
ويكشف هذا الاستعراض لعوامل تحلّل دولة الاحتلال مما تدعيه من مفاهيم اللبرلة والمدنية عن عملية حثيثة تجري لنزع الشرعية عن كل معارضي معسكر اليمين الصهيوني، وبث الدعاية السامة تجاههم، مما يعني فشلا ذريعاً تجلى في الاحتجاجات الفارغة ضد الانقلاب القضائي، واندلاع هجمات اليمين ضد خصومهم، بمن فيهم المحكمة العليا وقادة الأمن والقضاء والشرطة، والنتيجة أن دولة الاحتلال تنزاح شيئا فشيئا إلى مشروع غيبي يحكمها بمنطق شريعة الحاخامات الدموية، سواء ضد اليهود المختلفين معهم، أو ضد الفلسطينيين.