ملفات وتقارير

منظومة "هاسبارا".. هكذا تعمل الدعاية الإسرائيلية السوداء ضد الفلسطينيين

فق هذه المنظومة، تخضع المؤسسات الدولية الرسمية والصحف العالمية ومنصات أخرى لعمليات تضليل ممنهجة بهدف قلب الحقائق- إكس
سلطت استقالة رئيس المنظومة الدعائية للاحتلال "هاسبارا" (Hasbara)، الضوء على "البروبوغاندا" التي تستخدمها "إسرائيل" لتبرير جرائمها بحق الفلسطينيين، وغيرهم، في إطار نهج مدعوم رسميا من كافة المؤسسات الإسرائيلية في الداخل والخارج، ينتهج قلب الحقيقة وشيطنة الفلسطينيين والمتعاطفين معهم.

وقدم موشيك أفيف استقالته من منصبه الجمعة، كرئيس لـ"هاسبارا" بعد أشهر فقط من تعيينه، فيما أكد مسؤولون إسرائيليون أن استقالته "خسارة كبيرة لإسرائيل"، وفق ما نقلت عنهم صحيفة "إسرائيل اليوم".

وتولى أفيف منصبه قبل شهر من هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أنه تعرض لانتقادات قاسية لعدم قدرة تل أبيب على تنفيذ حملات دعائية ناجحة أمام السردية الفلسطينية التي انتشرت بكثافة على مستوى العالم.

ماذا تعرف عن "هاسبارا"؟
هي كلمة عبرية تعني الشرح أو التفسير، وفي الحقيقة تستخدم هذه الكلمة من قبل الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها وحلفائها لوصف المجهودات التي تقوم بها "إسرائيل" وأنصارها لتبرير أفعال الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف تبييض صورة الاحتلال ومواقفه وإخفاء جرائمه التي يرتكبها منذ عام 1948.

وفق هذه المنظومة، تخضع المؤسسات الدولية الرسمية والصحف العالمية ومنصات أخرى، لعمليات تضليل ممنهجة بهدف قلب الحقائق، وإظهار دولة الاحتلال في صورة الضحية.

أمثلة من عمل منظومة "هاسبارا"

لعل أحدث مثال على البروباغندا الإسرائيلية، والتحريض ضد الفلسطينيين، ما زعمته صحف أمريكية من أن إسرائيليات تعرضن للاغتصاب إبان هجمات المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، دون أن توثّق أي شهادة لتلك الحالات، بل اعتمدت هذه الصحف في اتهامها على مؤسسات إسرائيلية وجنود وشهود غير معروفين، ولكن لاحقا، تبين كذب هذه الرواية، وتراجعت بعض الصحف عن هذه الادعاءات.

وتتناقض هذه المزاعم بشكل واضح مع ما ظهر من شهادات لنساء إسرائيليات عن معاملة المقاومين الحسنة لهن، وكذلك شهادات الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن، خلال الهدنة الأولى في غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وما أكدنه من معاملة حسنة تلقينها أثناء مدّة أسرهن في غزة.

وفي مثال آخر أيضا، ترويج المنظومة الدعائية الإسرائيلية مزاعم قتل أطفال وقطع رؤوسهم خلال الهجوم ذاته، وهذه السقطة تورط فيها الرئيس الأمريكي، حين تبنى هذه الرواية، ورددها على وسائل الإعلام، ولكن بعد فترة عدل عنها حيث أصدر البيت الأبيض نفيا لتصريحات بايدن، وقال مسؤول حينها، إن تصريحات الرئيسي كانت مبنية على مزاعم مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية. 


أساليب تستخدمها "هاسبارا"

تعتمد أساليب الهاسبارا على استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات للتأثير في الرأي العام الدولي، وذلك وفق ما جاء في كتاب "قاموس اللغة العالمي لمشروع إسرائيل" للكاتب فرانك لونتز‏، ومن بين هذه الأساليب:

وسائل الإعلام التقليدية: تعمل "هاسبارا" على اختراق وسائل الإعلام التقليدية أو السيطرة عليها وبالتعاون مع جماعات الضغط الصهيونية، وذلك بهدف فرض وجهات نظرها ومواقفها عبر التغطيات المنحازة وتقديم معلومات وتحليلات موجهة لتبرير السياسات الإسرائيلية وطمس وجهات النظر المخالفة عبر تهميشها أو شيطنتها. 

وسائل الإعلام الاجتماعية:تستخدم المنظمة مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع للتفاعل مع الجمهور الدولي،  تتضمن هذه الجهود استخدام لجان إلكترونية متخصصة لنشر تغريدات ومشاركات بشكل مكثف على منصات مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، بهدف التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات بصورة تخدم مصالحه. 

 الروابط الإخبارية: تعتمد "هاسبارا" أيضًا على إنشاء مواقع إخبارية ومدونات تروج لوجهة نظر دولة الاحتلال وتعرض وجهة نظره في القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. تهدف هذه المواقع إلى توفير منصة لتقديم رؤية الاحتلال وتعديل اتجاه النقاشات بصورة موجهة.

 الدبلوماسية العامة:

تستخدم حكومة الاحتلال سفراءها ودبلوماسيتها لتعزيز الرؤية الإسرائيلية وتبرير سياساتها في المنظمات الدولية والمؤتمرات الدولية. يتم ذلك من خلال المشاركة النشطة في النقاشات وتقديم الحجج التي تدعم وجهة نظرها. 

الحملات الثقافية:
تستخدم "هاسبارا" الفنون والثقافة كأداة لتعزيز صورتها وتعميق فهم الثقافة الإسرائيلية المزعومة وتعزيز العلاقات الثقافية مع البلدان الأخرى. ينظم الكيان حفلات موسيقية ومعارض فنية وعروض مسرحية وأحداث ثقافية أخرى لتعريف الجمهور الدولي بالثقافة “الإسرائيلية” وتوجيه الانتباه بعيدًا عن القضايا السياسية الحساسة. 

ويرى أستاذ العلوم السياسية، رضوان بوهيدل أن الاستراتيجية الصهيونية في التعامل مع القضية الفلسطينية، تتمثل في تحول الصراع "الإسرائيلي الفلسطيني"، من صراع يتمحور حول الأرض، إلى أزمة كراهية لليهود.

وقال بوهيدل في مقال له، إنه تحت غطاء مظلة "هاسبارا"، جرى إنشاء هياكل دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال للتأثير على كيفية تفكير الرأي العام في العالم، وخاصة الأمريكيين، بشأن "إسرائيل" ومنطقة الشرق الأوسط في المستقبل، وتم تطوير مجموعة نقاط بهدف التركيز عليها في مخاطبة الرأي العام، من بينها، أهمية "إسرائيل" من الناحية الاستراتيجية، وقيمها الثقافية المشتركة مع الغرب، ورغبتها في السلام.

منظومة تضليل متكاملة
ولفت إلى أن "هاسبارا" تضم وكالات حكومية، ووزارات، ومراكز بحوث، ومنظمات غير حكومية، بالإضافة إلى قسم في مكتب رئاسة الوزراء، وقسم الإعلام والدبلوماسية العامة، في وزارة الخارجية، ووزارة الدبلوماسية العامة وشؤون المغتربين سابقا، والوكالة اليهودية لأجل "إسرائيل"، والتي تعتبر جزء من المنظمة الصهيونية العالمية، ووزارة السياحة، وقسم الناطق باسم جيش الاحتلال، ولكل منها أدوار تفصيلية محددة، وتتولى حكومة الاحتلال تمويل مشروع "هاسبارا"، بدعم هائل من أفراد وشركات عالمية كبيرة، وهنا باتت كل المؤسسات الإخبارية والصحفيون والأكاديميون والسياسيون والفنانون يتوقعون الضغط عليهم في حال ما إذا خرجوا عن مستوى الخطاب المقبول، الذي أنشأه الاحتلال، وحلفائه، ويتم رفض كل الروايات البديلة التي تكشف انتهاكات الكيان، باعتبارها "معادية للسامية".

وفي كل مرة كان يرتكب فيها جرائم حرب في حق الفلسطينيين، لعبت "هاسبارا" دورا مهما في خداع الرأي العام الدولي، بهدف الإفلات من العقاب.

 وشدد بوهيدل على أن  الحكومات المتعاقبة تدرك أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك، إلا إذا كانت هناك آلة دعاية قوية، بما فيه الكفاية، يمكنها مواجهة الإدانة العامة الدولية، والتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.، وتطبيقا لاستراتيجية الدبلوماسية العامة، من أجل السيطرة على السرد، وكذا التلاعب بالمعلومات، تلجأ "هاسبارا" إلى إنجاز مهماتها عبر استهداف الدبلوماسيين والسياسيين والجمهور من خلال وسائل الإعلام، وكذا من خلال الكثير من المعاهد والوكالات الحكومية، وكذلك مراكز البحوث والجامعات والمنظمات غير الحكومية وشركات الضغط.

"دليل هاسبارا"
في سياق متصل، أطلقت الوكالة اليهودية ما أسمته بـ"دليل هاسبارا" على الإنترنت للطلاب، في جميع أنحاء العالم لاستخدامه للدفاع عن "إسرائيل" وسياساتها، وهو عبارة عن كتيب تدريبي، فيه شرح بالتفصيل لاستراتيجيات الدفاع وأسس المجادلة والدخول في النقاشات، محددا مجموعة من الأهداف، وعلى رأسها، تبرير الهمجية والوحشية تحت عنوان، محاربة "التطرف والإرهاب"، واختلاق الوقائع وقلب سياقها، في إطار تزييف الأحداث، وتشويه الحقيقة، والتلاعب بالوعي، وتحريف الأنظار عن المجرم الحقيقي، وكذا تحوير أي نشاط معارض للاحتلال وتحويله إلى نشاط معاد للسامية، وهي تهمة يعاقب عليها القانون في بلدان عدة. وفق الكاتب نفسه.

على صعيد آخر، لفت بوهيدل إلى أن إسرائيل تعتمد في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، على "الطابور الخامس"، من المتعاطفين الناشطين لتضخيم رسائلها، وتشويه التصريحات التي تتعارض مع روايتها، والطعن في الموقف الأخلاقي للذين ينتقدون جرائمها، ومن شأن أساليب التضليل تحريف الحقائق وتزويرها، وجعل المجرم والضحية متساويين، إضافة للترويج لدولة الاحتلال باعتبارها "دولة ديمقراطية".

وتتصدى "هاسبارا" لأي محاولة لإدانة الاحتلال وممارساته وتسعى إلى اعتراض موجات التعاطف مع القضية الفلسطينيّة في أرجاء العالم، حيث تتوجه إلى كل الشعوب والمجتمعات وتخاطبهم، كل بحسب ثقافاته وعاداته وتوجهاته الفكرية والعقائدية، من أجل اللعب على التناقضات والعواطف والمشاعر بما يخدم مصالحهم.