أثار إعلان الممثل
المصري محمد هنيدي، (59 عاما) الخميس، حصوله على الجنسية
السعودية، جدلا، خاصة مع تعبيره عن سعادته وشكره لقادة المملكة على تكريمها وتقديرها له وللفن المصري.
وعبر موقع "إكس"، قال هنيدي: "الحمد لله ربنا أكرمني واتكرمت كتير في مسيرتي الفنية.. ولكن أكبر تكريم أني اتشرفت وحصلت على جنسية وباسبور بلاد الحرمين الشريفين".
وأضاف: "شكرا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على هذا الشرف والتكريم لشخصي ومسيرتي الفنية".
إعلان هنيدي، أكده رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، بقوله بموقع "إكس": "أهلاً بيك بين أهلك وإخوانك في مملكة الخير والعطاء"، مضيفا: "ونبغى صعيدي في الجامعة الأمريكية الجزء الثاني"، في إشارة لإنتاج الهيئة فيلما جديدا لهنيدي.
وبهذا الإعلان يلتحق الكوميدي المصري، بالإعلامي المصري الذي يعمل بالفضائية السعودية "إم بي سي مصر"،
عمرو أديب، والذي أعلن حصوله على الجنسية السعودية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وكما أثار حصول أديب على الجنسية السعودية الجدل والانتقادات، أثار حصول هنيدي على باسبور سعودي وجنسية المملكة انتقادات وغضب مصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مع اتهامات لـ"هيئة الترفيه السعودية"، بالسيطرة على القوة الناعمة المصرية وشراء الولاءات من شخصيات مصرية ذات تأثير إعلامي وفني.
ودافع الإعلامي عمرو أديب عن موقف هنيدي بالقول: "عندي سؤال بسيط هو أحمد زويل، ومجدي يعقوب، وفاروق الباز، لما حصلوا على جنسيات تانية كرهوا بلدهم، نسيوا مصر، قلبوا عليها، بطلوا يساعدوها، المصريين كرهوهم، عرفوا ما يبقوش مصريين ويبقوا أمريكان أو إنجليز، بقى ولاءهم مختلط؟".
ولكن متابعين لم يتركوا أديب، دون رد، حيث لاموه على المقارنة بين علماء مصريين هاجروا وعاشوا أغلب حياتهم في الخارج وأخذوا الجنسية نتيجة أعمالهم، وبين من يعيش طوال حياته في مصر ولأجل المال حصلوا على الجنسية وهم ليسوا من العلماء ولا العظماء.
ذات الجدل تفجر الصيف الماضي، مع طلب "اتحاد جدة" السعودي الحصول على خدمات المصري محمد صلاح لاعب "ليفربول" الإنجليزي، حيث عبر مصريون عن فرحتهم برفض "الريدز"، الطلب السعودي، وعدم التفريط في صلاح.
"الرياض والقوى الناعمة"
وخلال السنوات السابقة ومع إنشاء هيئة الترفيه السعودية في 7 أيار/ مايو 2016، يثار الجدل حول استدعاء الرياض للقوى الناعمة المصرية والسورية واللبنانية في مجالات الفن والغناء ومنحها الكثير من الأموال، في المقابل.
وتقيم المملكة التي كانت تُعرف قبل أقل من عقد بأنها دولة إسلامية محافظة الاحتفالات الفنية عبر مواسم الرياض وجدة، مستعينة بمئات الفنانين والمطربين والمخرجين والموسيقيين والفنيين المصريين.
وبينما يلوم البعض أولئك الفنانين على حضورهم القوي بمهرجانات ومسارح المملكة، يرى مراقبون أنهم تعرضوا في سنوات حكم السيسي لكثير من الضغوط على الموضوعات المتداولة وطرق تناولها، مع فرض محاذير، وتخفيض الأجور.
وذلك مع سيطرة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة لأجهزة سيادية مصرية على قطاعات الفن، من الإنتاج الدرامي والسينمائي والإعلانات، والإعلام من الفضائيات والإذاعات ومنصات العرض والصحف والمواقع.
"إقامات الإمارات وأمريكا"
وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن حصول هنيدي، ومن قبله أديب، على الجنسية السعودية يشابه إلى حد كبير حصول فنانين مصريين ولاعبي الكرة وبعض الإعلاميين على الإقامة الذهبية في الإمارات.
وبينهم نقيب الموسيقيين السابق هاني شاكر، والممثل محمد رمضان، والممثلات نبيلة عبيد، وياسمين عبد العزيز، ونيلي كريم، ورانيا يوسف، ومنة فضالي، ومي عمر، والمخرج محمد سامي، والمخرجة إيناس الدغيدي، والمطرب خالد سليم، والمذيعات وفاء الكيلاني، وبوسي شلبي، وغيرهم، وفقا لمجلة "زهرة الخليج".
كما يرونها خطوات تتشابه كثيرا مع استمرار حصول فنانين مصريين على جنسيات دول أخرى وخاصة أمريكا، بل وولادة العديد من الفنانات أبنائهن على أراض أمريكية وأوروبية حرصا على الجنسية.
وهي القائمة التي تحفل بأسماء فنانات ولدن أبناءهن في أمريكا مثل، منى زكي، وزينة، وبسمة بوسيل زوجة تامر حسني، وزوجة المطرب خالد سليم، وروبي، وأيتن عامر، وإيمي، وكذلك لقاء الخميسي وبشرى في بريطانيا.
وحول هدف السعودية من منح هنيدي وقبله أديب جنسية المملكة، وما إذا كان هو الحصول على خدمات القوة الناعمة المصرية وشراء الولاءات من شخصيات مؤثرة فنيا وإعلاميا، والتوقعات بإضافة أسماء جديدة للقائمة، تحدث محللون ونقاد فنيون وكتاب مصريون.
كما تطرقوا إلى جانب منح السعودية جنسيتها لممثلين دون علماء مصريين وكتاب لهم تأثير وأدوار في مجالاتهم، فيما قلل بعضهم من الأمر، وأكدوا أنه يماثل تماما حصول فنانين عرب على الجنسية المصرية.
"سوابق عديدة"
وفي رؤيته، قال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، لـ"عربي21": "الموضوع بسيط جدا"، ضاربا المثل بحصول "هاني شاكر، على جنسية دولة الدومينيكان، منتصف 2022، كون هذا يسهل له السفر لأكثر من دولة، وللحصول على فيزا شينغن لدول الاتحاد الأوروبي، والدنيا لم تنقلب".
ولفت إلى أنه "في نفس الوقت الحصول على الجنسية السعودية لا يشترط أي شيء ما لم تتخل عن جنسيتك"، متسائلا: "هل أديب، وهنيدي، والمايسترو هاني فرحات، -وغيرهم من أسماء أخرى لا أعرفها- لم يعودوا مصريين؟، بالطبع: لا".
وأضاف: "لا أرى أي شيء يستحق التوقف عنده، أو التساؤل: لماذا؟، فهذا نوع من التكريم لبعض الفنانين المصريين، وجميل أن يحدث وهذا هو الأساس"، مستدركا: "ولكن هل هناك مشكلة أو صراع بين مصر والسعودية؟".
وأجاب بقوله: "هذا لم، ولن يحدث، بين بلدين شقيقين بينهما وشائج قربى متعددة، فلا مشكلة أن يحصل فنان على جنسية سعودية، ولننظر للأمر أكثر من كونه تكريما أدبيا من بلد عربي مثلما يحصل فنان مصري على جائزة "العويس" الإماراتية، فنعتبرها تكريما لمصري".
وأشار إلى "منح مصر جنسيتها للفنان اللبناني وديع الصافي، والموسيقار سليم سحاب"، متسائلا، هل فقد الصافي وسحاب جنسيتهما اللبنانية؟، بالتأكيد لا".
وألمح إلى أن "الفنان فريد الأطرش لديه 4 جنسيات هي اللبنانية والسورية والمصرية والسودانية، فهل انعكس ذلك سلبا على فريد؟، أم أنه كان يُستقبل في كل بلد عربي كصاحب دار وأرض؟"، خاتما بقوله: "هذه الأمور يجب أن تؤخذ ببساطة".
"سقطة لهنيدي"
وعلى الجانب الآخر، قال الناقد الفني المصري جمال عبدالقادر، لـ"عربي21"، إن "هنيدي في السنوات الأخيرة يعيش مرحلة تراجع فني، وأفلامه في السنوات الأخيرة معظمها إن لم يكن كلها لم تحقق نجاحا".
وأضاف أنه "اعتقد أنه بحصوله على الجنسية السعودية في ظل الانفتاح الحالي في المملكة وانفراجتها الفنية والثقافية التي حدثت مؤخرا، سيكون الإنتاج السخي الموجود لديهم تحت أمره، ويبدأ في عمل نشاط سينمائي يستعيد نجوميته التي تراجعت منذ سنوات طويلة".
ولفت عبدالقادر، إلى أن "ممثل مثل عمر الشريف، عاش طوال عمره بالخارج وعمل في (هوليود) وفي السينمات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية لكنه لم يفكر في الحصول على جنسية غير المصرية".
وتابع: "وكذلك الممثلون المصريون الذين عملوا في تركيا ولبنان عقب نكسة العام 1967، لم يفكر أحدهم في الحصول على جنسية غير المصرية، التي كانت في الأصل جواز مرورهم ونجاحهم".
وقال: "لذلك أرى أن هذه سقطة من هنيدي، لكن مبررها أنه في فترة تراجع وسقوط فني كبيرة، أعتقد أنه بنيله الجنسية السعودية وبالتواجد هناك فإن الإنتاج السعودي سيجعله يعود لنجوميته القديمة"، متوقعا أن "هذا لن يحدث".
وأشار إلى أن "السعودية في الفترة الأخيرة بعدما نجحت في شراء تراث مصر وتاريخها السينمائي من أشخاص قدموا مصلحتهم الفردية على مصلحة مصر، اعتقدوا أنهم سيشترون المستقبل أيضا، بأن يصنعوا لأنفسهم تاريخا سينمائيا جديدا".
وذلك "باستقطاب بعض النجوم المصريين المتراجعين ومنحهم الجنسية، وإنتاج بعض الأعمال الفنية التي بالطبع ستحمل الجنسية السعودية، نتيجة أن بطلها واحتمال مؤلفها ومخرجها وممولها يحملون الجنسية السعودية"، بحسب عبدالقادر.
وأوضح أنه "حتى الآن ليس لديهم نجوم كبار يحتلون الأفيشات، ويكون لديهم توزيع في الخليج والعالم العربي؛ فكان السبيل الوحيد لهم باستقطاب نجوم ومنحهم الجنسية السعودية لصناعة تاريخ فني سعودي عبر نجومنا المصريين".
ويرى الناقد الفني المصري، أن "هذا لن يحدث، لأنه حتى الممثلون المصريون عندما ذهبوا للعمل في لبنان في ستينيات القرن الماضي، لم يصنع هذا نهضة سينمائية في لبنان، لأن النهضة هناك حدثت بأيدي وعقول أبنائها المبدعين في فترات نادين لبكي وما شابه".
وخلص للقول إن "الاتفاق بين هنيدي وهيئة الترفيه بالحصول على الجنسية السعودية لن يجعل هنيدي يعود لنجوميته ولا هم يقدرون على عمل تاريخ سينمائي بدون أحد آخر".
"نائحة مستأجرة"
وقال الكاتب والباحث الإعلامي المصري خالد الأصور، لـ"عربي21": "ليس جديدا منح السعودية أو غيرها من الدول جنسيتها لأشخاص من دول أخرى ترى فيهم إضافة نوعية للدولة والمجتمع".
وأضاف: "طوال العقود السابقة منحت السعودية جنسيتها بصفة خاصة لأصحاب كفاءات وخبرات من علماء دين وعلماء بالعلوم الطبيعية والتجريبية، بل منحتها لمجموعة كبيرة من الأقليات المسلمة الذين ينتمون إلى بلد تعرض مسلموه للاضطهاد، كما حدث مع الآلاف من مسلمي بورما".
وأوضح أنه "تم منحهم الإقامة الدائمة وحصل بعضهم على الجنسية، وذلك في زمن الملك فيصل، ويقيم أغلبهم حاليا بمنطقة مكة المكرمة، كما منحت السعودية جنسيتها أيضا للعديد من أقطاب جماعة الإخوان المسلمين بعهد الملك سعود والملك فيصل، قبل أن تنقلب عليهم في العهد الحالي".
وأكد الأصور، أن "منح الجنسية ليس جديدا، لكن الجديد هو في الانقلاب الاجتماعي الحاصل بالمملكة على التوجهات المحافظة التي ظلت راسخة لنحو قرن، والذي تجسد في طبيعة الممنوحين الجنسية، فبدلا من العلماء والدعاة والمضطهدين المسلمين، أصبح اليوم لمشخصاتية وأبواق إعلامية".
ويرى أن "ذلك ترسيخ وتأكيد على جدية توجهات التغيير الاجتماعي والثقافي بالسعودية، والذي بدأ قبل 8 سنوات مع بداية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وممارسته ضغوطا يعلمها الجميع لإحداث هذه التغيرات".
ولفت إلى أنه "قد يعود لرئاسة الولايات المتحدة في دورة رئاسية جديدة لتتواصل جهود وإجراءات التحولات الاجتماعية بل والسياسية، وأبرزها الانفتاح على التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي كان سيصبح أمرا واقعا لولا العدوان على غزة".
وعما يثار من أن استقطاب السعودية لأهل الفن والإعلام من مصر سيسحب القوة الناعمة من مصر لها، أكد الباحث المصري أن "هذا غير صحيح، لأن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، ولن يتقدم مجتمع لمجرد منحه الجنسية لمشاهير ما لم يكن ذلك في إطار استراتيجية حقيقية للنهوض والتقدم وليس في إطار احتفاليات ومهرجانات".
واستدعى حصول هنيدي على الجنسية السعودية سجالا من نوع آخر بين ناشطين عرب ومصريين، حيث طالب الأكاديمي الكويتي سـلـطـان الـحـربـي، بأن تأخذ الكويت الجراح المصري الدكتور هاني عبدالجواد.
وقال عبر موقع "إكس": "بما أن مصر قد سقطت ومركبها قد غرقت، وباتت الدول تأخذ أفضل وأبرع أبنائها، فإني أقترح أن تأخذ الكويت الطبيب الجرّاح الساحر الدكتور هاني عبدالجواد ليفتح عيادته عندنا ونستفيد من علمه وإبداعه الكثير".
وهو ما قابله الملياردير المصري نجيب ساويرس، بالرد: "مصر لم ولن تسقط، وإن أخطأت إدارتها فشعبها جبار وحضارته قديمة وعظيمة، ولن يأخذ أحد أبناءها لا بجواز سفر أو بأموال… ".