يسعى إلى وضع العلاقة السعودية الإسرائيلية
"في مقدمة" السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مهمشاً بذلك الاهتمامات
وحقوق الإنسان الفلسطينية.
يعامل اعتبارات حقوق الإنسان كما لو كانت
مجرد ديكور للتجميل بدلاً من أن تكون عاملاً حيوياً لتحقيق الاستقرار الدولي
وتعزيز النفوذ الأمريكي في الخارج.
واحد من أكثر الناس نفوذاً داخل الأمن القومي
الأمريكي، وهو الذي يصمم الخيارات التي تقدم لبايدن حتى ينظر فيها. مهارته في
زيادة نفوذه يغبطه عليها العاملون في هذا المجال.
هكذا تناولت صحيفة "
هافبوست"
الأمريكية شخصية
بريت ماكغورك، الذي يشغل منصب منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط
وشمال أفريقيا.
فيما يلي نص التقرير الذي أعده أكبر شاهد
أحمد:
أربعة رجال في واشنطن هم من يشكلون السياسة
الأمريكية في الشرق الأوسط. ثلاثة منهم واضحون: الرئيس جو
بايدن، ووزير الخارجية
أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. أما الرابع فليس معروفاً بنفس
القدر، على الرغم مما له من دالة كبيرة على الثلاثة الآخرين، وعلى الرغم من عزمه
على الاستمرار في تحبيذ سياسات يرى كثيرون أنها تؤجج سفك الدماء في غزة وما بعد
غزة.
اسم هذا الشخص بريت ماكغورك، الذي يشغل منصب
منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو واحد من أكثر الناس نفوذاً داخل
الأمن القومي الأمريكي. مهارته في زيادة نفوذه يغبطه عليها العاملون في هذا المجال.
ماكغورك هو الذي يصمم الخيارات التي تقدم
لبايدن حتى ينظر فيها، وتتراوح من التفاوض مع "إسرائيل" إلى مبيعات
الأسلحة للمملكة العربية السعودية. هو الذي يتحكم بما إذا كان بإمكان خبراء الشؤون
العالمية داخل الحكومة، بما في ذلك الموظفون الأكثر خبرة في وزارة الدفاع وفي
وزارة الخارجية، أن يملكوا أي تأثير، وهو الذي يقرر من هي الأصوات الخارجية التي
يتاح لها الوصول إلى الحوارات التي تدور بين صناع القرار داخل البيت الأبيض.
مهارته في زيادة نفوذه يغبطه عليها العاملون في الطريق الدائري، ولديه رؤية واضحة
للكيفية التي ينبغي بموجبها أن يُدفع قدماً بالمصالح الأمريكية، واعتبار هموم حقوق
الإنسان شأناً ثانوياً في أحسن الأحوال، وذلك بحسب ما يقوله زملاء حاليون وسابقون
ومراقبون له عن كثب.
في تصريح لصحيفة "هافبوست"، يقول
مسؤول أمريكي سابق: "نحن نتحدث عن نفوذ هائل، معتم تماماً وغير شفاف ولا يخضع
للمساءلة أو المحاسبة".
مقارناً مقاربة ماكغورك الموغلة في المركزية
في حقبة بايدن بالأساليب الأكثر استشارية التي كانت تستخدمها الإدارات السابقة في
صناعة القرارات، يقول ممثل إحدى جماعات المجتمع المدني إن ماكغورك "لديه
القدرة على الدفع بالأمور مع سوليفان ومع الرئيس في عملية ليست بالإجرائية".
إنها درجة صادمة من النفوذ لموظف يبلغ من
العمر خمسين عاماً ولديه سجل مهني مثير للجدل. يقول أحد المسؤولين الأمريكيين
الحاليين إن هيمنة ماكغورك حولت المسؤولة الأولى عن الشرق الأوسط في وزارة
الخارجية –وهي دبلوماسية سابقة، وعلى العكس من ماكغورك، تم إقرار تعيينها في
منصبها من قبل مجلس الشيوخ– مجرد "ورقة تين".
ويقول ذلك المسؤول: "لم يعد لوزارة
الخارجية دور ذو قيمة في الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني لأن بريت يستحوذ على الأمر
برمته".
في هذه الأثناء، غدا الاهتمام الأول لماكغورك،
أي إبرام صفقة بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، هو المهيمن على
الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. وعن ذلك يقول المسؤول الأمريكي: "لم يفتأ
يدفع باستمرار نحو مزيد من التفاعل مع السعوديين وسعى إلى وضع تلك العلاقة في مقدمة
ما نحاول فعله في الشرق الأوسط".
رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية التعليق على
هذا التقرير. وكانت الوكالة قد شهدت خلال الأسابيع الأخيرة حالة من الهيجان. ويوم
الخميس تحدث مسؤول في وزارة الخارجية مع صحيفة "هافبوست" قائلاً إن
العاملين في الوزارة تقدموا من وزير الخارجية بلينكن عبر قنوات محمية بما لا يقل
عن ست رسائل اعتراض على سياسة بايدن تجاه غزة.
في خضم الأزمة التي اشتعلت في السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، ظل ماكغورك يحتفظ بأهميته. فهو ضالع بقوة في المفاوضات بين "إسرائيل"
وحماس وحكومات المنطقة، والتي تم بموجبها إطلاق سراح ما يزيد عن 100 أسير إسرائيلي،
كما تعززت كميات المساعدات الإنسانية المتدفقة إلى داخل غزة. وفريقه هو الذي يدير
بتحكم شديد ما الذي يقوله المسؤولون الأمريكيون حول الصراع، كما أنه على تواصل مستمر
مع المسؤولين الأجانب الذين يقولون إن الدعم الأمريكي غير المقيد لـ"إسرائيل"
يولد كثيراً من الامتعاض والسخط حول العالم.
والآن ثمة قلق متزايد لأنه على الرغم من
الصدمة التي أحدثها هجوم حماس ورد الفعل الإسرائيلي الكاسح، سوف يقف ماكغورك إلى
جانب الأولويات والتكتيكات التي يرى كثير من المسؤولين والمحللين أنها لا تخدم ولا
تساعد.
يقول المسؤول الأمريكي السابق: "ترى
نظرية بريت أن المنطقة مصدرا لانعدام الاستقرار، ولكنها أيضاً مصدرا للموارد. إنها
مدرسة قديمة جداً، وعقلية استعمارية، ترى أن الناس يحتاجون إلى حكام أقوياء حتى يبقوهم
تحت السيطرة، ونحن نحتاج لأن نستخلص لما فيه مصلحتنا كل ما نحتاج إليه، وفي نفس
الوقت علينا أن نقلص إلى الحد الأدنى التكلفة علينا وعلى الآخرين الذين هم مثلنا ونراهم
كما نرى أنفسنا، وهم في هذه الحالة الإسرائيليون".
ومضى المسؤول ليقول: "مثل هذه المقاربة
تنتهي دوماً إلى الفشل، فهي قصيرة النظر، كما أنها تفرض على الولايات المتحدة
إعادة الاستثمار في الشرق الأوسط كل بضع سنين".
ويقول المسؤول السابق: "وهاكم نموذجاً
واضحاً أمام أعينكم: أرادوا أن يتجاوزوا الفلسطينيين" في صفقة
التطبيع بين
المملكة العربية السعودية و"إسرائيل".
لطالما قالت المملكة العربية السعودية،
المركز الروحي الثري للمسلمين حول العالم، إنها سوف تقيم علاقات مع "إسرائيل"
فقط فيما لو أقيمت دولة فلسطينية. يعتقد كثير من الفلسطينيين وأنصارهم إنه فيما لو
أبرمت "إسرائيل" صفقة مع السعوديين بدون تقديم تنازلات كبرى
للفلسطينيين، فإن ذلك من شأنه أن يزيل حافزاً أساسياً للزعماء الإسرائيليين كي
يتوصلوا إلى تسوية عادلة مع فلسطين.
يقول المسؤول الأمريكي السابق: "بعض
الفلسطينيين ردوا بقوة على ذلك، ولا بد للولايات المتحدة الآن، في الحد الأدنى، أن
تدفع 14 مليار دولار من أجل ذلك". –في إشارة إلى حزمة المساعدات التي يتوقع
أن يجيزها الكونغرس قريباً، ناهيك عن المساعدة العسكرية السنوية التي تقدمها
الولايات المتحدة وقدرها 3 مليارات دولار وما تزال سارية– "وينالها ضرر كبير
في سمعتها. ولربما خسر الرئيس الانتخابات القادمة بسبب ذلك".
في حديث مع "هافبوست"، قال مسؤول
في البيت الأبيض إن ماكغورك والإدارة الأمريكية يعطون الأولوية للحقوق الفلسطينية،
بما في ذلك أثناء المحادثات حول تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل".
وقال المسؤول إنه أثناء تلك المحادثات كان "الفلسطينيون دوماً في المركز".
إلا أن المشككين يخشون من أن تركيز ماكغورك
على التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" سوف يعني مركزة الاستراتيجية
الأمريكية في الشرق الأوسط حول صفقة يتم إبرامها بين السعودية و"إسرائيل"
لا تتضمن تسوية ترضي الفلسطينيين، وبذلك تنثر بذور نزاع قادم في المستقبل، كما
يخشون من أن الصفقة تتجاهل القيم التي تعليها الولايات المتحدة من خلال، على سبيل
المثال، اشتمالها على مبيعات ضخمة للسلاح والتزامات أمنية على الرغم مما هو مؤكد
وموثق من سوء استخدام كل من السعودية و"إسرائيل" للمساعدة العسكرية
الأمريكية.
كما يخشى النقاد من أن ماكغورك سوف يستمر في
تركيز صناعة السياسة بين حفنة مختارة من المستشارين المقربين، مستبعداً بذلك وجهات
النظر البديلة حول الشؤون العالمية لدى المسؤولين من خارج تلك الدائرة.
يقول المسؤول الأمريكي الحالي: "إنه
يفكر بعقلية أشبه ما تكون بعقلية إدارة بوش. وهي عقلية لم تتغير ولم تتبدل منذ ما
يزيد عن خمسة وعشرين عاماً".
من الجدير بالذكر أن أول بروز لماكغورك كان
من خلال سلطة الاحتلال في العراق بعد الغزو في عام 2003.
تحاورت "هافبوست" حول ماكغورك مع
23 مسؤولاً أمريكياً حالياً وسابقاً، ومع أشخاص على تواصل مستمر مع إدارة بايدن
بخصوص سياستها في الشرق الأوسط. معظم هؤلاء لديهم الاستعداد للحديث ولكن شريطة عدم
الإفصاح عن هويتهم خشية التعرض للانتقام. ورفض ماكغورك نفسه الحديث مع الصحيفة
بشكل رسمي.
كثير من المصادر أعربت عن احترامها لعناصر
مختلفة تتعلق بخلفية ماكغورك وبعمله. قال المسؤول في البيت الأبيض إنه يعمل
"عن قرب وبشكل تعاوني" مع الزملاء في كل أرجاء الحكومة.
إلا أن معظمهم أعربوا عن قلق عميق إزاء ما
لدى ماكغورك من نفوذ، وما الذي يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل استراتيجية
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ياسمين الجمل، التي عملت في وزارة الدفاع لما
يقرب من تسع سنين قبل أن تغادر في عام 2017، أشارت إلى تصريحات أدلى بها ماكغورك،
ربط فيها بين المساعدات لغزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس.
وتقول: "لا أدري ما الذي حدث لبريت حتى يصبح
بهذه القسوة حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية. لا أدري ما الذي يدور
بخلده تجاهنا معشر المسلمين ومعشر العرب".
وتضيف ياسمين الجمل: "كنت من قبل أحترم
بريت، كشخص، وأتوسم فيه الخير". وتذكر أنها كانت قد تلقت رسالة مساندة من ماكغورك
في عام 2021 بعد أن تحدثت علانية عن معاناتها بسبب متلازمة أعراض نفسية
لاحقة للإصابة.
يؤكد البيت
الأبيض أن تصريحات ماكغورك قد أسيء عرضها. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض أدريان
واتسون في حديث مع صحيفة بوليتكو: "لا تؤيد الولايات المتحدة فرض شروط على
إيصال المساعدة الإنسانية إلى داخل غزة. وإن الإيحاء بأن ماكغورك قصد ذلك... إنما يفسر
بشكل خاطئ ما كان قاله".
ومع ذلك تتحدث ياسمين الجمل عن "انعدام
تام للتعاطف والإحساس".
وتقول: "أرجو أن يعود ثانية ويستمع
إلينا. ولكن بكل أمانة، أعتقد أن الضرر قد وقع، وأن الوقت قد فات".
تجاهل القدس من أجل الرياض
كان منصب ماكغورك القوي في عهد بايدن ذروة ما
وصل إليه في رحلته الطويلة، التي كان من محطاتها تعيينه من قبل الرئيس باراك
أوباما للعمل في وزارة الخارجية على الرغم مما كان له من ارتباطات بالرئيس جورج
دبليو بوش، وسرعان ما طور علاقات حميمة داخل مختلف أقسام الإدارة، بما في ذلك مع
بايدن، الذي مثله مثل ماكغورك تعرض للنقد على نطاق واسع بسبب اختياره لأن تشجع
الولايات المتحدة دعم نوري المالكي لزعامة العراق، الأمر الذي كان من تداعياته
صعود تنظيم الدولة.
حاول أوباما تعيين ماكغورك سفيراً للولايات
المتحدة في العراق، ولكن فضيحة ما جعلته يتراجع عن ذلك. وفي النهاية، كلف أوباما ماكغورك
بالمساعدة في تنسيق الحرب العالمية ضد داعش، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها حتى عام
2018.
في تصريح لصحيفة "هافبوست"، قال
مسؤول سابق في إدارة أوباما: "أن يخدم في المستوى الذي خدم فيه، في كل هذا
العدد من الإدارات، وبذلك العدد من المناصب التي شغلها، إنه لشيء مذهل. وما أعتقد
أنه أكثر إثارة للدهشة من ذلك، هو أنه واحد من قلة قليلة جداً من كبار الموظفين
السابقين في إدارة أوباما الذين أبقى عليهم في مناصبهم الرئيس دونالد ترامب".
يرى المعجبون بماكغورك أن بقاءه كل ذلك الوقت
إنما هو دليل على ما يتمتع به من مهارات، ومن علاقات مفيدة، ومن ثقة الآخرين به.
في عام 2022، قال وزير الدفاع السابق جيم ماتيس في تصريح لصحيفة "هافبوست"
إنه شخصياً دفع إدارة ترامب نحو الإبقاء على ماكغورك، وقال حينذاك: "إنه يدرس
القضايا بجد واجتهاد. ولديه إطار عمل استراتيجي".
يقول مراقبون آخرون إن مثل هذا النمط إنما
يعكس إخفاق مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة في التعلم من أخطائها.
يقول مسؤول أمريكي سابق إنه يعتبره "قوة
من الإخفاق لا قبل لأحد بوقفها عند حدها. وهو دوماً النموذج الذي أشير إليه لتأكيد
عظمة أن يكون المرء أبيض البشرة". وقال مسؤول سابق آخر إن ثمة نكتة في بعض
دوائر الأمن القومي تقول: "لو أسقطت قنبلة نووية على واشنطن العاصمة، فإن
نوعين من المخلوقات الحية سوف ينجوان: الصراصير وبريت ماكغورك".
داخل مجلس الأمن القومي لإدارة بايدن، اختار ماكغورك
التركيز على قضايا ذات علاقة بالمملكة العربية السعودية، وهو اختيار مذهل إذا ما
أخذنا بالاعتبار الانقطاع في العلاقة التاريخية الوثيقة لأمريكا مع السعوديين،
والتي كانت قد توسعت وازدهرت في عهد ترامب، ثم تلا ذلك تعهد بايدن أثناء حملته
الانتخابية بمعاقبة السعوديين على ما يمارسونه من قمع. كما أن ذلك القرار هو الذي
رسم معالم سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط، بما أن كبار الشخصيات الأخرى مثل بلينكن
وسوليفان صبا تركيزهما على مناطق منفصلة مثل أوروبا والصين.
تحت وطأة بعض الضغوط، أطلق السعوديون سراح
عدد من نشطاء حقوق الإنسان المعتقلين وبدأوا في تقليص حملتهم العسكرية البشعة في
اليمن. ومع ذلك، لم تلبث إدارة بايدن أن احتضنت الرياض بشكل فاق توقعات كثير من
المشرعين والمحللين الخارجيين، وإن لم تحصل مقابل ذلك على الكثير. ثم في عام 2022
أقنع ماكغورك بايدن بزيارة المملكة العربية السعودية، وزعمت حينها الإدارة أن ذلك
من شأنه أن يساعد في ضبط أسعار النفط بعد الصدمة التي تعرض لها سوق الطاقة العالمي
نتيجة لغزو روسيا لأوكرانيا في تلك السنة.
بعد زيارة بايدن بثلاثة شهور، خفض السعوديون
إنتاج النفط، مما دفع بأسعار الغاز إلى أعلى، وكان ذلك قبل وقت قصير من انطلاق
الانتخابات النصفية، الأمر الذي أثار حنق وقلق الديمقراطيين.
إلا أنه بدأ يتضح بجلاء أن ماكغورك وفريقه
كانوا يسعون لتحقيق هدف مختلف: ألا وهو تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"،
بحيث تشكل تلك لحظة مهمة في العلاقات بين اثنين من شركاء الولايات المتحدة
الأقوياء وإن كانا مشاكسين، وخطوة من شأنها أن تنزع البريق عن الصفقات التي أبرمت
في عهد إدارة ترامب بين "إسرائيل" وبلدان الخليج العربية الأصغر، فيما
يعرف باتفاقيات "أبراهام". يردد المسؤولون الأمريكيون كثيراً أن الاتفاق
سوف يتضمن فوائد جمة للفلسطينيين وأنه سوف يشتمل على مشاركة منهم. ولكن المفهوم
على نطاق واسع هو أن إدارة بايدن ليس لديها كثير اهتمام بأي خطوات كبيرة نحو
السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
قال مسؤول أمريكي حالي في حديث مع صحيفة "هافبوست":
"إن التحدي الذي واجهناه خلال فترة هذه الإدارة هو أننا كنا شديدي التدبر –وهذا
مصطلح ينم عن كثير من الترفق– فيما يتعلق بالمشكلة بين "إسرائيل" وفلسطين.
كان هناك البعض ممن أرادوا بالفعل إغفال القضية وكنسها تحت البساط. فلم تكن تحتل
موقعاً متصدراً في أي من النقاشات، والخطوات التي كان بإمكاننا اتخاذها حول قضية
فلسطين كانت تعاق، سواء كان ذلك فتح قنصلية أمريكية (للفلسطينيين في القدس) أو كان
التراجع عن إعلان إدارة ترامب أن المستوطنات لم تكن غير مشروعة. لم يكن هناك أي
شهية على الإطلاق لمثل ذلك".
مقاربة بايدن كانت بمثابة اللعب بالنار.
وقال المسؤول الأمريكي: "صعّب ذلك جداً الإبقاء
على ذلك الأفق حياً بالنسبة للفلسطينيين. يصعب وضع ذلك عند قدمي أي شخص، ولكني لا
أعتقد أن تأثير بريت كان إيجابياً".
قال دبلوماسي أوروبي إن حكومة بلاده وصلت حد
توقع الأسوأ بسبب اعتماد الولايات المتحدة على "منطق اتفاقيات أبراهام"
والذي لم يقدم للدولة الفلسطينية سوى الوعود الكاذبة.
وقال الدبلوماسي الأوروبي: "لقد علمنا
أنه عاجلاً أم آجلاً لسوف يحدث انفجار جديد في العنف. كان ذلك أمراً محتماً. وكان
السؤال متى. والمفاجئ في الأمر أنه جاء بهذه الصورة المأساوية".
قال فريق بايدن إنهم كانوا يعملون على تحسين الفرص
الفلسطينية بقدر ما هو ممكن، أخذاً بالاعتبار الحساسيات الإسرائيلية، من خلال
خطوات مثل إعادة تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين (الأونروا) والمساعدة في
تنظيم رحلة لأول وفد سعودي يزور الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967.
إلا أن الإجراءات الأمريكية لم يكن لها صدى
كبير بحسب ما يقوله منذر إسحق، القس الذي يعيش في بيت لحم في الضفة الغربية
المحتلة، والذي التقى مراراً مع المسؤولين الأمريكيين لمناقشة شؤون المجتمع
المسيحي الفلسطيني.
يقول منذ إسحق: "كل ما هنالك هو أنهم
زينوا لنا سجننا، وحسنوا من قائمة الطعام. ولكننا لانزال قابعين داخل السجن. إن من
السذاجة الظن أن بإمكانك أن تحشرنا في الزاوية وتفرض علينا أن نقبل بأي تسوية.
وأظن أن كل ذلك انفجر في وجه من وضعوا هذه الخطة ابتداءً".
ومع ذلك ثمة مؤشرات متزايدة على أنه بمجرد أن
تنخفض حدة القتال في غزة، سوف تستأنف مساعي ماكغورك لإبرام صفقة التطبيع بين
السعودية و"إسرائيل، وتأخذ موقعها على رأس أولويات أجندة بايدن.
عندما تحدث ماكغورك الشهر الماضي، قال إن
الولايات المتحدة كانت قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تخوض محادثات مكثفة حول
الاتفاق السعودي الإسرائيلي، الذي سوف يشمل تقدماً ملموساً لفلسطين.
وقال: "ليست هذه جولة نهائية بخصوص تلك
القضية، بل على العكس تماماً. ما كان صحيحاً قبل السابع من أكتوبر هو أكثر صحة
الآن. وهذه القضية المركزية لابد أن يتم التعامل معها، وبينما يتم إنهاء حماس،
فنحن عازمون على التعامل مع القضية".
في نفس ذلك النهار استخدم بايدن مقالاً للرأي
في الواشنطن بوست ليعلن أن الولايات المتحدة لن تسمح لحماس بأن "تهدم الاستقرار
الحدودي الإقليمي والتكامل".
وصف دانيال ماوتون، الذي عمل مع ماكغورك من
2021 حتى هذا الصيف، هذا المزيج بأنه "نافذة تطل على تفكير الإدارة".
وفي تدوينة نشرها له موقع مركز أبحاث المجلس الأطلسي يوم الحادي والعشرين من تشرين
الثاني/ نوفمبر، أشار ماوتون إلى زيارة وزير الدفاع السعودي في شهر تشرين الأول/
أكتوبر إلى واشنطن باعتبارها دليلاً على أن المسؤولين مازالوا بهدوء يدفعون قدماً
بجوانب من الصفقة الإسرائيلية السعودية، مثل استعادة مبيعات السلاح الأمريكية إلى
المملكة العربية السعودية.
قال الدبلوماسي الأوروبي إنه سيكون في غاية
الانزعاج إذا تبين أن إدارة بايدن لا تعي أن أزمة غزة "ينبغي أن تكون بمثابة
النداء المنبه".
وقال الدبلوماسي: "إذا كانت الخطة تقتصر
على إعادة الوضع تحت السيطرة كما كان عليه الأمر قبل تفجر الأزمة بيوم، فأنا أعتقد
أن ذلك سيكون كارثة. فلن تتمكن من حل الإشكال فقط من خلال التطبيع والتجارة".
يقول المسؤولون في إدارة بايدن إن عمل ماكغورك
في الملف السعودي كانت له فوائد جمة تتجاوز آثاره المحتملة على "إسرائيل"
وفلسطين، ومن ذلك على سبيل المثال، استدامة الهدنة المتزعزعة في اليمن، والمستمرة
منذ نيسان/ إبريل 2022.
وعن ذلك قال أحد مسؤولي البيت الأبيض:
"إنها واحدة من أكبر الإنجازات الدبلوماسية التي تحلق تحت الرادار".
إذا كان لدى واشنطن كل هذه الثقة الزائدة عن
اللزوم، فمن الممكن أن ينجم عن ذلك بعض الفعل. ولقد صرح مسؤول أمريكي لموقع "هافبوست"
بأن ماكغورك يعتبر في الداخل مسؤولاً عن الدفع في عام 2022 باتجاه إنهاء الحظر
الذي كان يفرضه بايدن على تصدير الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية،
والتي تقول منظمات حقوق الإنسان إن السعوديين يستخدمونها بشكل متكرر في انتهاك
القانون الإنساني الدولي في اليمن. ظل ماكغورك أيضاً يتحدى هذا الحظر خلال
الأسابيع الأخيرة، حسبما يقوله المسؤول الأمريكي، حتى مع تنامي المخاوف من احتمال
اندلاع حرب إقليمية.
أحد مصادر القلق بهذا الشأن هو الإحساس بأن
العجرفة تغلف عملية صناعة القرار.
وعن ذلك يقول مسؤول أمريكي سابق: "لدى
بريت نفوذ هائل. وهذا أمر عجيب إذا ما أخذنا بالاعتبار أن تجربته الوحيدة في
المنطقة كانت عندما عمل في العراق. يقول البعض إنه جاريد كوشنر هذه الإدارة: فلديه
تخويل، وليس على مستوى جيد من المعرفة، ويقوم بتنفيذ ما يطلبه منه يوسف
العتيبة." وذلك في إشارة على التوالي إلى صهر الرئيس السابق دونالد ترامب
وإلى سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن الذي يتكلم بلغة ناعمة.
عالم بريت
فيما عدا تعامل ماكغورك مع بلدان محددة، فإن
نظرته الأشمل للعالم تسبب قلقاً لبعض المراقبين، الذين يقولون إنه يعامل اعتبارات
حقوق الإنسان كما لو كانت مجرد ديكور للتجميل بدلاً من أن تكون عاملاً حيوياً
لتحقيق الاستقرار الدولي وتعزيز النفوذ الأمريكي في الخارج.
أشار مسؤول أمريكي سابق إلى مقطع الفيديو
الذي رفعه ماكغورك يوم الثالث عشر من تشرين الأول/ أكتوبر على مواقع التواصل
الاجتماعي، وهو فيديو من إعداد الحكومة الإسرائيلية، ويتكون من مقطع صوتي لبايدن
مركب على صور تعود إلى هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وصور جثث الموتى، وصور
المسلحين الفلسطينيين، وصور الأسلحة الأمريكية. يقول المسؤول السابق إن هذا المقطع
راق لماكغورك بسبب تركيزه من خلال موقعه السابق على تنظيم الدولة.
ويقول المسؤول السابق: "تأطير ذلك ضمن
الحرب على الإرهاب، وتوصيف ذلك بأنه قتال بين الخير والشر... كل هذا يثير المشاعر
ضد المسلمين ويغذي العنصرية ضد العرب. كما أن ذلك ينضوي على قياسات باطلة، لأن ما
يحدث الآن لا يشبه ما حدث مع داعش".
ويضيف المسؤول: "ما يحدث الآن تعود
جذوره إلى صراع سياسي منبثق من أرضية مشروعة تتمثل في التظلمات الفلسطينية. تصنيف
ذلك على أنه مجرد حالة داعشية جنونية مشحونة بالكراهية هو نوع من التضليل الذي لا
يقربنا من الإجابة على المعضلة، بل يفضي في حقيقة الأمر إلى تبني سياسات خاطئة".
لدى زيارة بايدن مع ماكغورك إلى "إسرائيل"
بعد هجوم حماس، قال الرئيس الأمريكي في تل أبيب: "بعد الحادي عشر من سبتمبر، غضبنا
في الولايات المتحدة. وبينما كنا نبحث عن العدالة، وحصلنا علينا، إلا أننا ارتكبنا
أخطاء أيضاً".
يصف مسؤول سابق في إدارة أوباما ماكغورك بأنه
"أقل اهتماماً بالجانب المتعلق بحقوق الإنسان، إلا إذا كان في ذلك ما يفيد في
ممارسة الضغط بما يخدم غاياته الاستراتيجية المفضلة".
بالنظر إلى ثقله وأهمية موقعه، يمكن لهذا
الأمر أن تكون له تداعياته الخطيرة على المقاربة الأمريكية في التعامل مع الشرق
الأوسط.
قال أحد المسؤولين الأمريكيين إن ماكغورك في
الحوارات الداخلية كثيراً ما يحث زملاءه على عدم إثارة قضايا تتعلق بالحقوق عند
الحديث مع الحكومات الأخرى، محذراً من أن ذلك كثيراً ما يجعلهم ينأون بأنفسهم عن
الولايات المتحدة ويتجهون نحو الصين. في شهر أيار/ مايو عندما رتب البيت الأبيض
لقاء لماكغورك ليستمع إلى النشطاء وهم يناقشون السياسة تجاه الشرق الأوسط، تدخل
فريقه لإلغاء دعوتين كانتا قد وجهتا لاثنين من المحامين البارزين، بحسب ما صرح به
لموقع "هافبوست" شخصان على اطلاع بتفاصيل ذلك اللقاء.
في حديث مع "هافبوست"، قال ممثل
مجموعة المجتمع المدني: "إنه لا يتعامل كثيراً مع المنظمات غير الحكومية...
فهو يرى في الكثيرين منا مجرد ناقدين لا فائدة ترجى من ورائهم، وقد يرى في البعض
فائدة في بعض الحالات حسبما يرغب في إنجازه. ولكن، لو أنه فقط ينصت إلى المنظمات
الحقوقية، لربما أدرك أن ذلك هو القطعة المفقودة من الأحجية".
وتذكر الدبلوماسي الأوروبي أنه في الماضي كان
يندهش حينما يسمع رأي ماكغورك في المحاولات الأوروبية لخلع الدكتاتور السوري بشار
الأسد، المعروف بانتهاكاته الفظيعة والمستمرة لحقوق الإنسان. ويقول الدبلوماسي:
"ذلك الأمر لم يكن من أولوياته، بل كانت الأولوية في نظره تتمثل في تعزيز
الأمن".
وقال مسؤول أمريكي حالي آخر إن فريق ماكغورك
يشتمل على عدد أقل بكثير من اللازم من العاملين في المؤسسات المرتبطة بالشرق
الأوسط، قاطعاً بذلك الطريق على تعهد بايدن الاستفادة من المواقع المختلفة في
وكالات الأمن القومي، والتي تزداد تنوعاً، وأن يعيد النظر في تعامل أمريكا مع
الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة.
ومع ذلك يرفض بعض من لديهم معرفة بماكغورك
فكرة أنه لا يتقبل الرؤي البديلة.
وعن ذلك يقول الدبلوماسي الأوروبي: "لم
تكن لدينا دوماً نفس الأولويات، ولكني أعتقد أنه كان بالإمكان باستمرار التحاور
حول ذلك". ويصف الدبلوماسي ماكغورك بأنه "لطيف" وبأنه يعمل بجد
واجتهاد.
تصفه إحدى المسؤولات في الإدارة ممن عملوا مع
ماكغورك لأكثر من عقد من الزمن بأنه "على استعداد للاستماع للنصح من حيثما
ورد". وقالت إن ماكغورك كان يستأنس برأيها عندما كانت موظفة مبتدئة.
وتقول المسؤولة التي تعرف نفسها بأنها
أمريكية مسلمة: "أكثر من جميع من عملت معهم طوال عملي في الحكومة، كان يقيم
عالياً ما كنت أقدمه له من آراء، لعلها كانت من بعض النواحي متفردة".
لكن على الرغم من كل ما يتمتع به من نفوذ، فإن
ماكغورك في نهاية المطاف ليس صانع القرار الرئيسي في السياسات الخاصة بالشرق
الأوسط، والتي تثير سخط واستياء الجمهور وتهدد المصالح الأمريكية.
وعن ذلك يقول مسؤول سابق في إدارة أوباما:
"إنه يعطي الرئيس ما يريد. بايدن هو صاحب هذه القرارات".
ولكن ذلك هو الذي يجعل بعض المراقبين يصرون
على أن ماكغورك يستحق أن تمارس في حقه رقابة أقوى، بما في ذلك من قبل الرئيس.
ويقول مسؤول سابق آخر، إنه لو أتيحت له
الفرصة لحذر بايدن من أن عليه الحذر من الاعتماد على ماكغورك.
ويقول هذا المسؤول السابق: "المرة تلو الأخرى،
لقد أضر بنا ذلك أكثر مما ساعدنا".