تستعد
فرنسا لمغادرة
النيجر، آخر حليف لها في منطقة
الساحل، في أحدث انتكاسة لباريس التي سبق طردها من مالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي قد يقلب "البصمة الأمنية" للغرب في المنطقة.
وفي
مقابلة مع التلفزيون الفرنسي، قال الرئيس إمانويل ماكرون إن سفير البلاد لدى النيجر سيغادر
"خلال الساعات المقبلة". وأضاف: "وكذلك ننهي تعاوننا العسكري مع
سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعد ترغب في محاربة الإرهاب".
ويأتي
هذا الإعلان القصير بعد أسابيع من تصاعد التوترات بين فرنسا والقادة العسكريين
الجدد في النيجر، الذين استولوا على السلطة في انقلاب في تموز/ يوليو. كما أنه
يتوج سنوات من تراجع نفوذ فرنسا، المستعمر السابق في غرب
أفريقيا، الذي لا يزال
وجوده الاقتصادي ونفوذه العسكري في المنطقة كبيرا على الرغم من التحديات المتزايدة
التي يواجهها من قبل الطغمات العسكرية والقوى الأجنبية مثل روسيا، بحسب صحيفة "
نيويورك تايمز".
ووصفت
السلطات الجديدة في النيجر، المعروفة باسم المجلس الوطني لحماية البلاد، القرار الفرنسي بأنه "لحظة تاريخية" للأمة.
وعلى مدى
أسابيع، تظاهر عشرات الآلاف من المتظاهرين في عاصمة النيجر، نيامي، بانتظام أمام
القاعدة التي تستضيف القوات العسكرية الفرنسية.
بعد
الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المدني محمد بازوم، علقت الدول الغربية مساعداتها
وشراكاتها الأمنية مع النيجر، إحدى أفقر دول العالم، والتي كان يُنظر إلى زعيمها
على أنه أحد آخر الحلفاء الموثوقين في منطقة يهيمن عليها الآن رجال يرتدون الزي
العسكري.
وبينما استدعت
الدول الغربية قواتها التي كانت تقوم بتدريب جنود نيجيريين في الأسابيع الأخيرة،
فإن مستقبل التدخل الغربي في منطقة الساحل ــ مركز النشاط الجهادي في العالم ــ
يظل غير مؤكد.
وتعد
النيجر دولة عبور رئيسية في طريق الهجرة إلى أوروبا، وفي السنوات الأخيرة، ضخ الاتحاد
الأوروبي مئات الملايين من الدولارات لحماية مناطقه الشمالية بمراكز العبور ورحلات
العودة إلى الوطن، ومن
الممكن أن يبشر انسحاب فرنسا بتحول في الوجود الأمريكي في غرب أفريقيا.
وقالت
أنيليز برنارد، مستشارة وزارة الخارجية السابقة التي عملت في النيجر وتشغل الآن
منصب مديرة مستشاري الاستقرار الاستراتيجي، وهي مجموعة استشارية لتقدير المخاطر
مقرها واشنطن: "يشير هذا إلى بداية نهاية حقبة لكل من فرنسا والولايات
المتحدة في منطقة الساحل. لقد فشلت الولايات المتحدة في تقديم استراتيجيتها الخاصة
حقا. لقد كانوا دائما يعتمدون على المقاربة الفرنسية".
وأعلنت
الولايات المتحدة هذا الشهر أنها ستنقل قواتها من القاعدة في نيامي، حيث يتمركز
الجنود الفرنسيون أيضا، إلى موقع متقدم في أغاديز في الشمال، حيث تقوم بتشغيل المسيرات
لمراقبة أنشطة المتمردين في المنطقة.
وعلى
مدى ما يقرب من عقد من الزمن، أرسلت فرنسا آلاف الجنود إلى مالي وبوركينا فاسو
والنيجر لمواجهة التمرد الجهادي الذي تزايدت بصماته منذ ذلك الحين. وقدمت الولايات
المتحدة معلومات استخباراتية تم جمعها من أنشطة المسيرات وقامت بتدريب القوات
الخاصة الأفريقية.
ولكن مع
تحول منطقة الساحل إلى نقطة ساخنة رئيسية للنشاط الجهادي، واجهت فرنسا خطر البقاء
هناك. وأصبح وجودها الكثيف على الأرض عائقا. وازدهرت المقارنات مع الاحتلال
الأمريكي لأفغانستان.
وبعد
ذلك، وكما تسقط قطع الدومينو تباعا، نظم الجنود انقلابات في تلك البلدان الثلاثة
على مدى السنوات الثلاث الماضية وقطعوا العلاقات مع فرنسا.
وفي حين لا تزال فرنسا
تحتفظ بقوات في تشاد -جارة النيجر- وكذلك في السنغال وساحل العاج والغابون في غرب
ووسط أفريقيا، فإن مستقبل وجودها العسكري في المنطقة يبدو غير مؤكد.
ودافع
ماكرون يوم الأحد عن سجل فرنسا في المنطقة، بحجة أنها لم تتدخل عسكريا إلا بناء
على طلب دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وأن تلك الدول كانت ستقع فريسة "للجماعات الإرهابية" لولا وجود قوات فرنسية.
واعتبر الباحث ايفان غيشاوا، المتخصص في شؤون منطقة الساحل، على موقع إكس (تويتر سابقاً) أن الانسحاب من هذا البلد "يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل".
وبحسب العديد من المراقبين، فإن باريس لم تلحظ أو لم ترغب في رؤية التطورات الجارية في المنطقة، بحسب وكالة فرانس برس.
وقال دبلوماسي فرنسي إن ما حدث في "مالي امتد ببطء، كنا نعلم أننا أمام مثل هذا التوجه الواضح. لقد شهدنا هذه الموجة تتنامى منذ سنوات. شعرت فرنسا بأنها تفقد مكانتها، لكنها ظلت في حالة إنكار واستغراب".
وأضاف: "نجد أنفسنا الآن أمام عواقب العسكرة المفرطة في علاقتنا مع أفريقيا، في حين تعصف أزمات أمنية وبيئية ومجتمعية أيضا بمنطقة الساحل"، وهي من أفقر مناطق العالم.
وذكرت صحيفة وولف كوتيديان السنغالية: "مع هذه الانتكاسة الأخيرة، ترى فرنسا أن نفوذها وسلطتها يتضاءلان بشكل كبير في غرب أفريقيا خاصة وفي أفريقيا عموماً".
وأشار فهيرامان رودريغ كوني، كبير الباحثين في معهد الدراسات الأمنية والمتخصص في شؤون الساحل، إلى أن "فرنسا لم تعرف كيف تنسحب في الوقت المناسب وأرادت الاستمرار في لعب دور القائد في سياق تشهد فيه البيئة الاجتماعية تغيراً كبيراً".
وسيمثل الانسحاب من النيجر تحديا لوجستيا للجيوش الفرنسية إذا تم تنفيذه خلال ثلاثة أشهر، على خلفية تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء منطقة الساحل.