لم ينعكس انخفاض مؤشر أسعار الغذاء العالمية التابع لوكالة الأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الذي سجل أدنى مستوى جديد له منذ عامين، في آب/ أغسطس الماضي على أسعار الغذاء في
مصر التي واصلت ارتفاعها إلى مستويات قياسية.
وقالت المنظمة، في بيان الجمعة، إن مؤشر أسعار منظمة الأغذية والزراعة، الذي يتتبع
السلع الغذائية الأكثر تداولا عالميا، بلغ في المتوسط 121.4 نقطة في آب/ أغسطس مقابل 124.0 معدلة للشهر السابق، وهو الأدنى منذ آذار/ مارس 2021.
ويعد الرقم المسجل هو الأدنى منذ آذار/ مارس 2021، وهو أقل بنسبة 24 بالمئة من أعلى مستوى على الإطلاق الذي تم الوصول إليه في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعكس الانخفاض في المؤشر العام تراجع أسعار منتجات الألبان والزيوت النباتية واللحوم والحبوب، وهي ذات المنتجات التي حققت زيادات بل طفرة في الأسعار في مصر، حيث بلغت الزيادة الأخيرة في منتجات الألبان ما بين 40% و50%، وبذلك بلغ إجمالي الارتفاع 100 في عام.
ويدحض انخفاض أسعار المواد الغذائية عالميا مزاعم المسؤولين المصريين بأن
التضخم وارتفاع أسعار السلع مستوردان، ولا علاقة لهما بتطورات الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ بسبب تراجع مصادر النقد الأجنبي وخفض قيمة الجنيه لأدنى مستوى في تاريخه.
معدلات تضخم قياسية جديدة
وفق آخر الآرقام، واصل معدل التضخم السنوي في مصر ارتفاعه الكبير إلى 39.7 بالمئة خلال الشهر الماضي، وهو مستوى قياسي جديد، مدفوعا بقفزة أسعار الغذاء بنحو 72%، ونقص المعروض؛ بسبب شح الدولار اللازم للاستيراد، وعودة تكدس البضائع بالموانئ.
وارتفعت أسعار المستهلكين في مصر 37.4 بالمئة خلال آب/ أغسطس، على أساس سنوي، مقابل 36.5 بالمئة في تموز/ يوليو، حيث ارتفعت اللحوم والدواجن 97 بالمئة سنوياً، والخضراوات 98.4 بالمئة سنوياً، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتمثّل السلع الغذائية الأساسية نحو 24.5 بالمئة من وزن مؤشر التضخم في مصر، وتشكل الخضراوات والفاكهة الطازجة نحو 5.5 بالمئة، وهما يمثلان 30 بالمئة من وزن مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسية للجهازُ المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
دحض مزاعم المسؤولين المصريين
في آب/ أغسطس 2023، تنصل رئيس النظام المصري من أزمة التضخم، وقال إن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لا يد لهم فيها، وإنما هي ظروف عالمية، سواء فيروس "كورونا" المستجد، أو الأزمة الأوكرانية، وتأثيرها على الأسعار.
في نيسان/ أبريل 2023، وصف محافظ البنك المركزي المصري، حسن عبد الله، التضخم بأنه "مستورد"، مضيفا خلال مشاركته في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، أن "جزءاً كبيراً من التضخم في مصر مستورد لأسباب خارجية والكثير منه بسبب مشاكل الإمداد".
في آذار/ مارس 2023، قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن 35% من التضخم في مصر مستورد من الخارج نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرا إلى أنه كلما تعافى الاقتصاد المصري حدثت أزمة جديدة.
إعلامي مؤيد للنظام يتساءل
وأعرب الإعلامي أحمد موسى، المؤيد للسلطة والمحسوب على النظام، عن اندهاشه واستغرابه من انخفاض أسعار الغذاء لأدنى مستوى لها منذ عامين، ولكن الأمر عكس ذلك في مصر.
وقال موسى، خلال تقديم برنامج "على مسئوليتي"، إن الأسعار في العالم تتراجع إلا في مصر الأسعار ترتفع، ما يحدث في الأسعار في مصر أمر غريب ومش طبيعي.
وتساءل: "منظمة الفاو أكدت أن أسعار الأغذية في أدنى سعر لها منذ عامين، ولكن في مصر هنا مفيش تراجع للسلع ليه".
ارتفاع الأسعار أكثر من انخفاض قيمة الجنيه
يقول الخبير في الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، إن "جزءا من ارتفاع التضخم أسبابه عالمية، لكن الجزء الأكبر أسبابه محلية، وهي وجود أكثر من سعر صرف للدولار مقابل الجنيه والفرق بين السعر الرسمي والسوق الموازي 30 بالمئة على الأقل، كما أن حجم الإنتاج قليل، وبالتالي فإنه عندما يكون هناك عرض قليل وانخفاض في سعر العملة سيؤدي إلى زيادة الأسعار أكثر من انخفاض قيمة الجنيه نفسه".
وفي حديثه لـ"
عربي21" عزا عدم تأثر مصر بتراجع الأسعار العالمية إلى أن "مصر لديها مشكلات عديدة في تدبير العملة الأجنبية؛ بسبب العجز الشديد في ميزان المدفوعات، والإنفاق في مشروعات غير ذات جدوى ولا عائد حقيقيا من ورائها، وتراجع الصادرات هذا العام أقل من العام السابق بنحو 17بالمئة، وتراجع حجم الإنتاج بسبب صعوبة الاستيراد نتيجة القيود المفروضة".
لم تؤثر سياسة رفع أسعار الفائدة والتي كان آخرها في اجتماع البنك المركزي الأخير والذي قرر رفعها بمقدار 100 نقطة أساس، إلى 19.25 بالمئة للإيداع و20.25 بالمئة للإقراض، في كبح جماح التضخم المرتفع.
تضخم محلي وليس مستوردا
فند مستشار وزير التموين سابقا، إسماعيل تركي، تصريحات المسؤولين المصريين حول أسباب ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، وأنه ليس مستوردا، وقال: "التضخم في مصر ناتج عن عدة أسباب، مثل ضعف الجنيه أمام الدولار الذي يتم حساب سعره حسب تقدير كل مستورد والذى يزيد غالبا عن سعر الصرف المعلن في البنوك و حتى السعر في السوق السوداء، وهذا يسبب غلاء السلع المستوردة".
وتستورد مصر مما نسبته 60 بالمئة من احتياجاتها الغذائية على رأسها القمح وزيوت الطعام والذرة من الخارج، مع الأخذ في الاعتبار عدد السكان الذي يتجاوز 105 ملايين نسمة.
وفي ما يتعلق بالسلع المحلية، أوضح تركي لـ"
عربي21" أنه "بالنسبة للسلع المنتجة محليا فإن نقص الدولار وحلول آجال الديون هو السبب وراء رفع أسعار المنتجات المحلية حيث تلجأ الدولة لزيادة الصادرات الغذائية والزراعية على حساب السوق المحلية".
ورهن "استمرار ارتفاع أسعار السلع ببقاء أزمة النقد الأجنبي وتضخم جدول سداد الديون، وتقييد عمليات الاستيراد"، وإن "تراجع المعروض من السلع يجعل أسعارها أعلى بكثير من سعرها الحقيقي، وبالتالي فإنها لا تتراجع أسعار المواد الغذائية بمصر حتى وإن تراجعت أسعارها عالميا".