علاقته الوثيقة بالرئيس الروسي
فلاديمير
بوتين باتت على طاولة التوقعات بالاستقالة أو الإقالة بسبب تداعيات تمرد
مجموعة "فاغنر" الذي أجهض سريعا.
يعد أحد أصدقاء بوتين القلائل داخل
النخبة الروسية، لكن تعثر العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا جعل علاقته مع
بوتين في "فتور" حتى قبل تمرد يفغيني
بريغوجين الذي قبل بمنفى اختياري
في بيلاروس.
ولد سيرغي
شويغو عام 1955 في مدينة
تشادان بجمهورية توفا جنوب سيبيريا لأب كان يعمل نائبا لرئيس الحكومة في جمهورية
توفا السوفيتية. أما والدته فهي روسية مولودة في أوكرانيا، وشغلت منصب رئيس قسم
التخطيط بوزارة الزراعة.
يقول شويغو إنه مؤمن تعمد في الكنيسة
الأرثوذكسية الروسية عندما كان طفلا، لكن آخرين يقولون إنه بوذي وإنه يخفي حقيقة
تدينه رغم أنه انضم إلى الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1988.
تخرج عام 1977 من المعهد التكنولوجي في
مدينة كراسنويارسك بتخصص مهندس معماري. ثم عمل خلال 15 عاما في المشاريع الكبرى
بمنطقة سيبيريا.
وفي عام 1990 عين نائبا لرئيس لجنة
الفن المعماري والإنشاءات لدى حكومة جمهورية
روسيا الاتحادية السوفيتية الاشتراكية.
لكن الشاب الطموح لم يجد نفسه في العمل
البيروقراطي في موسكو فقرر العودة إلى كراسنويارسك حيث ولع بدراسة طرق تصفية آثار
الكوارث الطبيعية وعرض عليه بعد فترة أن يترأس فيلق الطوارئ.
وفي عام 1991 اتخذ شويغو قرارا بتشكيل
فرق طوارئ في كافة أقاليم روسيا وذلك بهدف زيادة سرعة وفاعلية معالجة حالات
الطوارئ في عموم روسيا.
وجرى في عام 1994 اندماج قوات الدفاع المدني
بفيلقه للطوارئ وتشكيل وزارة أُطلق عليها "وزارة الطوارئ والدفاع المدني
وإزالة آثار الكوارث الطبيعية"، وبعد ذلك ظهرت هيئات للطوارئ في أوروبا
تأثرت بتجربة وزارة الطوارئ الروسية.
وصار حضوره مألوفا للروس، فضلا عن كونه
أحد أكثر السياسيين شعبية في البلد، إذ تنقل في كل الأنحاء للتعامل مع الكوارث
التي تراوحت من حوادث الطائرات إلى الزلازل.
وفي عام 2012 قام الرئيس دميتري
مدفيديف بترشيحه لمنصب محافظ مقاطعة موسكو، ووافق مجلس الدوما بمقاطعة موسكو
بالإجماع على تعيين شويغو محافظا لموسكو.
ثم ما لبث أن أصدر الرئيس بوتين بعد
انتهاء فترة رئاسة مدفيديف (الانتقالية) مرسوما رئاسيا بتعيين شويغو وزيرا للدفاع
بعد فضيحة فساد أسقطت سلفه أناتولي سيرديوكوف.
ومنح شويغو رتبة جنرال فور تعيينه
وزيرا للدفاع، على الرغم من افتقاره لأي خبرة عسكرية رفيعة المستوى.
وقد حقق نجاحين عسكريين ساهما في منحه
مكانة عسكرية جديدة بالحكومة، الأول ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والثاني الإشراف
بنجاح على العمليات العسكرية بما في ذلك التدخل في سوريا عام 2015 والذي أبقى حليف
موسكو بشار الأسد في السلطة.
وقد نال شويغو شعبية كبيرة بين
المواطنين الروس إذ لطالما اختير اسمه من بين أفضل خمسة سياسيين يثق بهم الشعب
الروسي على مدار الثلاثين عاما الماضية. وحتى في ظل أزمة "كوفيد 19"
حاول الجنرال الحفاظ على صورة "المنقذ" وأشرف على الاختبارات
واللقاحات ونشر 16 مستشفى متنقلا في المناطق الأكثر تضررا.
ورغم ذلك أصبح وضع شويغو هشا وبات
مصيره غير معروف حتى اليوم بسبب الانتقادات غير المسبوقة لقائد مجموعة
"فاغنر" يفغيني بريغوجين له ولوزارته.
ونجح بريغوجين في الاستيلاء على مقر
القيادة الجنوبية للجيش الروسي في مدينة روستوف والتي تعتبر المركز العصبي
للعمليات العسكرية في أوكرانيا، واتهم شويغو بالفرار "مثل الجبان" وتعهد
بأنه "سيتم إيقافه".
وكان قائد "فاغنر" قد اتهم
شويغو وخصمه الآخر رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، بالمسؤولية عن مقتل
عشرات الآلاف من الروس في الحرب و"تسليم الأراضي للعدو".
وبات بريغوجين مهووسا في التخلص من
شويغو من خلال سعيه إلى طرده مع غيراسيموف "لأنهما غير كفوءين وهناك حاجة إلى
تغيير الاستراتيجية" بحسب قوله.
ويقال إنه خطط لأسرهما أثناء زيارتهما
التفقدية للقوات الروسية في المنطقة الجنوبية على الحدود مع أوكرانيا، لكن جهاز
الأمن الفيدرالي الروسي اكتشف المخطط قبل يومين من تنفيذه، ما دفعه إلى تنفيذ
مخططه بشكل أسرع وتنفيذ الخطة البديلة.
وربما كان بدء مخططه بشكل مبكر أحد
عوامل فشل التمرد الذي استمر 36 ساعة فقط، إذ أنهى بريغوجين مسيرته المسلحة نحو
موسكو، التي لم تواجه أي مقاومة تذكر.
هل كان شويغو الخاسر الأكبر مما جرى في
الأيام الأخيرة؟! خصوصا وأن تقارير تكشف عن "فتور" في علاقته مع بوتين
بعد أن انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع لحضور بوتين وشويغو فعالية توزيع ميداليات
في مستشفى عسكري، وظهر في الفيديو الرئيس الروسي وهو يدير ظهره لوزير الدفاع في
ازدراء لفت انتباه الكثيرين.
وتقول وسائل إعلام متخصصة بالشأن
الروسي إن "مجموعة شويغو على وشك الانهيار وهو نفسه وصمة عار وسيستقيل على
الأرجح".
ويبدو أن الصداقة ورفقة الرحلات لن
تشفع للرجل، ورغم أن الرجلين، بوتين وشويغو، سبحا معا في سيبيريا النائية، وتشاركا
رحلات صيد ولعبا في نفس فريق هوكي الجليد، إلا أن تمرد "فاغنر" وما نتج
عنه من آثار نفسية لن يمر مرور الكرام.
وبدا إعلان وزارة الدفاع الروسية أن
شويغو تفقد مركز القيادة في الخطوط الأمامية في منطقة العمليات العسكرية في
أوكرانيا، رسالة إلى الرأي العام الروسي تفيد بأنها متماسكة وتواصل أداء عملها ولا
يدور الحديث عن أي إقالات أو تغييرات لقيادات عسكرية، وكان المتحدث باسم
"الكرملين" ديمتري بيسكوف قد نفى وجود معلومات عن أي تغييرات في المؤسسة
العسكرية، ورغم ذلك لم تستبعد وسائل الإعلام إجراء تغييرات في وزارة الدفاع
للتعامل مع الثغرات التي أدت لحدوث تمرد "فاغنر" المسلح، على الأقل
لترميم الآثار النفسية لمكانة بوتين نفسه.