مدونات

الفكر الشامل والحكم الشمولي

يتم استدعاء اجتهادات حكم المتغلب وغيرها- جيتي
الشامل والشمولي

الفكر الشامل هو ما له نظرة عن الكون والإنسان والحياة، وأسس لقوانين تدير هذه الحياة.

الإسلام هو شامل في تركيبته الأساس وليس "شموليا"، ففيه أحكام متعددة وتتكيف مقاصدها عبر العصور، وهي غير التشوه الشمولي الذي نعرفه أو الذي يتعامل به "أغلب" من يصل إلى السلطة ممن يرفعون يافطة الإسلام، فتراهم يحكمون بما يسمى الحق الإلهي وهم يظنون أنهم يحكمون بالإسلام ويظنون أن البيعة بالصناديق أو غيرها هي توقيع عبودية على بياض.

فالشامل في أحكامه لأمور الحياة بمقاصد عصر حكمه هو غير الشمولي الذي ينتقل عبر العصور بلا تغيير فتراه عاجزا عن الظهور بغير الفعل الغريزي أو الديمومة بغير استثارة الغرائز؛ من حب البقاء أو التملك أو السلطان أو التدين كحالة مضافة في الإسلام عن العلمانية أو اليسارية التي تفرض الرأي بالدم.

لا يكفي أبدا أن يطلق الاسم على فكر عامل أو نظام حاكم ليكون فعلا هو التطبيق للفكر، وإنما هي اجتهادات أحيانا وأحيانا أخرى تخلف وبلادة، حتى في الأفكار التي نبعت من منظومة عقلية فلسفية بشرية، تحتاج إلى فهم وتفسير، وإلا فإن الصراع لا يخلق الاستقرار اللازم لمدنية إنسانية أو حياة كريمة تليق بالآدمية.

فالفكر الشامل هو من يملك قواعد وأسس التشريع وآليات التجديد من داخله، والإسلام هو كذلك لولا أن عطله البعض بالعيش في الماضي فيعجز عن أي إصلاح للواقع، بل يُفسد الداعون إليه أنفسهم بحمل أوزار الماضي ولا يرون فسادهم باعتبار فعلهم حقا لمالك وهروب من فكر طوباوي لا يناسب الواقع والحياة فيدمر النفسية التي تحمله لتدمر هي الأخرى الحياة.

عندما يتعامل المسؤول مع الشعب وكأنه سيد هذا الشعب وليس أجيرا عند الشعب فأنت أمام حكم شمولي.. إن كان المواطن آخر هموم السلطة فأنت أمام سلطة شمولية.. إن ثبّتت منظومة الحكم ميزات ما فاق الواجب فهو مال مغتصب، وإن كان بقانون لكنه ليس شرعيا، فأنت أمام حكم شمولي وإن لبس لبوس الإسلام وزعم الورع والتقوى.

من يحكم؟ أم كيف سيحكم؟

من البديهيات في عالمي الأفكار والأشياء أن المنظومات المتخلفة دوما لا تتحدث عن الإنجاز لتختار من يحكم وهو يعرف كيف يحكم، بل تتحدث عمن يحكم إن كان منها أو من غيرها، وترى الناس يتفاعلون ويتحدثون عن الانتخابات ومن سيفوز فيها ولا يسألون عن "كيف يحكم"، أي رؤيته وبرامجه وكيف سيحقق لهم آمالهم التي ينسونها ومعاناتهم التي أصبحت من ضمن حراك الحياة اليومية. كان الناس هؤلاء يسمون اللا مبالين أو غير المهتمين، لكنهم في عصرنا يسمون حشود المجالس والكيبورد. لن ترى من يسأل كيف ستقوم بعملك وما هي رؤيتك لهذا العمل، في المقابل يعتب هؤلاء العاملون بالسياسة على من لا ينتخبهم، بل يعتبرون عدم الخروج للانتخابات ذنبا كبيرا دون أن يرى الجرم في اختلال الموازين وفقدان الرؤية لتحسين حياة الناس.

لا دولة بلا تخطيط:

الدولة ليست تسيير حياة يومية من خلال أجهزتها المتعددة وكفى، بل الدولة ما لها من رؤية تجاه متعدد الأمور في الحكم والعلاقات الدولية والجيوسياسية أو الاستراتيجية.

البلد مهما ملك من مقومات وآليات متاحة وثروات بشرية وطبيعية فهو لن يتجاوز مرحلة السلطة في أحسن الأحوال ما لم يمتلك القدرة العقلية والمنظومة العقلية المتوازنة؛ التي تفكر بطريقة استراتيجية وتنتج ما يمكّنها من استثمار الثروات بكافة أنواعها بشكل صحيح، وسبق الزمن في سد متطلبات تصبح معيقة وملحّة وتدخل البلاد في حرج إن لم تُفعّل، وهذا ما يحصل في بلداننا بشكل وكأنه أمر طبيعي وليست القيادات مسؤولة عنه.

خلاصة القول:

حكم الفكر الشامل انشغال أهل الفكر باستقراء الواقع واستنباط ما يدير الحياة بشكل عادل وما يعين الناس على الاختيار وتمكينهم من أنفسهم (امتلاك الأهلية) لأن الله جعل الآدمية في الأرض لاختبار أهليتها، وليس واجب الدولة أن تجبر مخلوقا على ما لا يرى أو يعاقَب على تفكيره ما لم يُشع فاحشة في المجتمع أو يُسئ لبنيته وترابطه ووجوده، فالحكم للفكر الشامل حكم خدمة وأجراء لإدارة المصالح الداخلية والخارجية والتفكير بدقائق الأمور لتمكين الناس ما كان استطاعة لذلك.

وأما الحكم الشمولي فهو الإحساس بالسيادة لا على العمل بل على الناس، وظهور السطوة والسلوكيات المنحرفة والفساد وظلم العباد وباسم الحرية والعلمانية أو باسم الله تجري كل أنواع الجحود بالنعم وانتهاك كرامة خلقه، وتظهر أهمية من يتولى الحكم ولا يُسأل عن رؤيته وقيادته، وليس كيف يحكم، أما كيف يحكم فلا يبدو اهتماما لأن نجاحه هو أن يفشل غيره وبرنامجه هو أن منافسي فاشل.

إن الإسلام فكر وحكم شامل وليس شموليا، وإنما ظهر شموليا لأنه يتم استدعاء اجتهادات حكم المتغلب أو الخلافات السياسية والفقهية القديمة، ويتخاذل الدعاة والمثقفون عن التوجه للاتحاد، وأُغلق الباب على الجهل والرجعية في التفكير والتبني، ومن ثم إبراز ما يقود العصر بفكر إسلامي وكأن القرآن ينزل اليوم وليس باستدعاء سلبيات الماضي وفق قراءات مشوهة تنتقص من الدين والرسالة، وتمزق الأمة إلى فرق بدون أن يكون لذلك مسوغ إلا الجشع والطمع وفاعلية الغرائز بدل المنظومة العقلية.

ولا شك أن من يزعمون الليبرالية والعلمانية أو غيرها هم بذات الكهف والنفق المسدود لأن طريق التفكير واحدة والجهاز المعرفي واحد وهم لا يعرفون كنه ما ينسبون أنفسهم إليه إلا ظنا؛ فالأمة لن تنهض إلا إن عرفت هويتها وكينونتها، وهذا ما لن يكون وفق الأساليب العدمية اليوم التي تصدرها الجهل والجهالة.