أن يُعلن نائب
رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، بأن
"
الاجتماع التشاوري (وزراء خارجية السعودية، العراق، الأردن، مصر، النظام
السوري) هو بداية للقاءات ستتابع إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة
السورية، ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ومعالجة جميع تبعات الأزمة الإنسانية
والسياسية والأمنية، بما يلبي طموحات شعبها"، فهو كلام عام لا يندرج ضمن أي
خطاب سياسي معقول قابل للتحقق.
فحل الأزمة
السورية بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ومعالجة جميع تبعات الأزمة الإنسانية
والسياسية والأمنية، هي صيغة قديمة معتمدة في المقررات والوثائق الدولية، وهي
الصيغة التي حاربها النظام السوري طيلة السنوات العشر السابقة؛ لأنه ببساطة غير
مستعد لتقديم أي تنازل سياسي من شأنه أن يُستتبع بتنازلات أخرى تؤدي في نهاية
المطاف إلى تغيير بنيوي في بنية النظام.
إن التكلفة التي
دفعها النظام (تدمير البلد) تكلفة مقبولة، ويمكن تحملها من أجل عدم إسقاطه أو
إجباره على تغيير نظام الحكم أو تعديله.
حل الأزمة السورية بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ومعالجة جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية، هي صيغة قديمة معتمدة في المقررات والوثائق الدولية، وهي الصيغة التي حاربها النظام السوري طيلة السنوات العشر السابقة؛ لأنه ببساطة غير مستعد لتقديم أي تنازل سياسي من شأنه أن يُستتبع بتنازلات أخرى، تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير بنيوي في بنية النظام.
لم يُحدثنا
الوزير الأردني عن الجديد الطارئ الذي سيجبر النظام السوري على المضي قدما في حل
سياسي وفق القرار الأممي 2254، بعدما ضرب عرض الحائط بالمطالب الإقليمية الدولية
بتقديم تنازلات سياسية، حتى في أشد لحظاته ضعفا، حين كانت العمليات العسكرية على
أشدها وتهدد أركان حكمه، وكانت الضغوط السياسية والاقتصادية من القوة لإسقاط أنظمة
قائمة.
ولذلك، كان خطاب
الوزير الأردني والبيان الختامي للاجتماع خاليين من المعنى وليسا تاريخيين، إنهما
خطابان ميتاواقعيان.
بحسب البيان
الختامي للاجتماع، وُضعت الأولويات على النحو التالي: الوضع الإنساني، الوضع
الأمني، الوضع السياسي، في تطابق لما جرى في اجتماع جدة.
لقد أخذ البعد
الإنساني اهتمام مجمل البيان الختامي، بتأكيد ضرورة إيصال المساعدات
الإنسانية والطبية، التي تسهم في تلبية الاحتياجات الحياتية لكل من يحتاجها من
الشعب السوري في جميع أماكن وجوده في
سوريا، وعلى العودة الطوعية والآمنة للاجئين
إلى بلدهم؛ باعتبارها أولوية قصوى، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الحكومة السورية
والدول المستضيفة للاجئين.
وفي خطوة تلبي
مطلب النظام، أكد البيان الختامي تسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، بما في
ذلك في المناطق التي يُتوقع عودة اللاجئين إليها، وبما يفضي إلى تحسين البنية
التحتية اللازمة لتوفير العيش الكريم للاجئين الذين يختارون العودة طوعيا إلى سوريا،
وبما يشمل بناء مدارس ومستشفيات ومرافق عامة وتوفير فرص العمل.
ركز البعد الأمني
على خطوات فاعلة لمعالجة التحديات الأمنية المرتبطة بأمن الحدود، عبر إنشاء آليات
تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في الدول المجاورة، من
أجل مكافحة
تهريب الكبتاغون الذي يشكل أولوية أردنية عبّر عنها الصفدي بكل صراحة
في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي عقب اجتماع عمان، حين قال؛ إن "بيان عمان حدد
آليات لمواجهة تحدي تهريب المخدرات، ووضع خريطة طريق للتدرج في معالجة القضايا
الأمنية والسياسية والتوصل لحل سياسي للأزمة".
كان البعد
السياسي هو الأضعف في البيان الختامي لاجتماع عمان التشاوري، فقد جاء مبهما، إذ
أكد البيان اتفاق الدول المشاركة في الاجتماع مع الدول الشقيقة والمجتمع
الدولي لمقابلة الخطوات الإيجابية لـ"الحكومة السورية" بخطوات إيجابية،
للبناء على ما يُنجز، والتدرج نحو التوصل لحل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري
والتبعات الكارثية للأزمة السورية، ويحقق المصالحة الوطنية، ويضع سوريا على طريق
إعادة البناء نحو مستقبل آمن يلبي طموحات الشعب السوري وحقوقه في العيش الآمن
الكريم في وطنه، ويعيد لسوريا دورها التاريخي في المنطقة.
أوضح البيان
الخطوات التي ستنفذها الدول الإقليمية المشاركة في الاجتماع، لكنه لم يحدد الخطوات
التي يجب على النظام السوري تنفيذها، بل اكتفى بصيغ عامة جدا يصعب تحديدها
وتعيينها.
وربما يعكس ذلك،
ما عبرت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" حين ذكرت قبل أيام، أن
الأسد رفض
تقديم أي تنازلات لوزراء الخارجية العرب مقابل عودته للجامعة العربية، وما كشفته
تسريبات عن الاجتماع أن وزير خارجية النظام السوري غادر قاعة الاجتماعات ثلاث
مرات، وفي المرة الثالثة خرج ولم يعد.
لجأت الدول العربية إلى اعتماد سياسية التدرج والخطوة خطوة، على اعتبار أن فك أواصر العرى بين النظام وإيران من جهة، وبلورة حل سياسي من جهة أخرى، عمليتان معقدتان وتحتاجان إلى وقت، وهي آلية تحقق للطرفين مطالبهما.
ولهذا السبب
تحديدا، لجأت الدول العربية إلى اعتماد سياسية التدرج والخطوة خطوة، على اعتبار أن
فك أواصر العرى بين النظام وإيران من جهة وبلورة حل سياسي من جهة أخرى، عمليتان معقدتان
وتحتاجان إلى وقت، وهي آلية تحقق للطرفين مطالبهما: بالنسبة للدول العربية، فإن
سياستي التدرج والخطوة خطوة تسمح بمراقبة سلوكيات النظام ومدى استجابته للاتفاق،
وبالنسبة للنظام الذي لا يثق بالدول العربية أو في بعضها، غير مستعجل على تقديم
خطوات دفعة واحدة.
تكمن المشكلة في
هذه الآلية، في أن سلوكيات النظام المتوقعة يصعب تعيينها، إذ يستطيع المواربة
حيالها، مثل القول إن الوجود الإيراني تراجع في سوريا، وهو أمر يستحيل التحقق منه،
بعدما أعطى النظام الجنسية السورية لكثير من العراقيين والإيرانيين واللبنانيين،
والأمر ذاته ينطبق على السمار السياسي، حيث يمكن أن يشارك في مئات المؤتمرات
ويعرقلها في البحث بالتفاصيل الكثيرة المبعثرة، أما سلوكيات الدول العربية فهي
واضحة؛ أي يستطيع النظام السوري التأكيد أن الدول العربية التزمت أم لم تلتزم.
ومن هنا، فإن الآلية
العربية لحل الأزمة السورية ستنتهي إلى إيجاد حل لمسألة تهريب الكبتاغون، وبعض
الحلول الجزئية للملف الإنساني، فيما يترك الملف السياسي للمجتمع الدولي.