فشلت
مصر للمرة الأولى في بيع
سندات محلية بعد أن رفض المستثمرون الشراء. ولم يتمكن
البنك المركزي المصري إلا من بيع نحو 0.04 بالمئة من إجمالي قيمة السندات المطروحة لأجل ثلاث سنوات.
ووفقا
لبيان صادر عن البنك المركزي، الثلاثاء، طلب المستثمرون خوفا من انهيار قيمة الجنيه عائدات وصلت إلى 28 بالمئة لشراء سندات طرحتها الحكومة المصرية بقيمة ثلاثة مليارات جنيه (نحو 97 مليون دولار) لتمويل احتياجاتها المالية، وهو ما رفضه البنك المركزي.
ولم يقبل البنك المركزي إلا طلب شراء واحد قيمته 1.09 مليون جنيه فقط (35 ألفا و332 دولارا) بعائد 21.7 بالمئة، من إجمالي 26 طلبا قيمتها 5.77 مليار جنيه بمتوسط عائد محتمل 24.15 بالمئة.
انهيار الثقة في الجنيه المصري
وقال محللون لـ"عربي21"، إن فشل الحكومة المصرية للمرة الأولى في بيع سندات محلية، والتي كانت تعد في السابق من الاستثمارات المضمونة سواء للمستثمرين الأجانب أو للبنوك المحلية، يشير بشكل واضح ومباشر إلى انهيار الثقة في الاقتصاد المصري والجنيه المصري، وأن المستثمرين لم يعودوا يجدون الاستثمار في السندات الحكومية ملاذا آمنا لأموالهم.
وألقى تراجع الطلب على الدين بالعملة المحلية المصرية بظلال قاتمة على أسواق الدين المحلية ما أدى إلى ارتفاع العائدات إلى مستويات قياسية، وسط توقعات بالسماح بخفض قيمة الجنيه للمرة الرابعة منذ آذار/ مارس العام الماضي، ما قد يكبد المستثمرين خسائر كبيرة.
وفي ما يتعلق بأذون الخزانة، التي تلجأ إليها الحكومة لسد عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري اضطر
البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة على أذون الخزانة المصرية، ليصل متوسط سعر الفائدة إلى 23 بالمئة للأذون لمدة 272 يوما ونحو 22.70 بالمئة لمدة 364 يوما.
خيارات صعبة
ولأول مرة وصل متوسط الفائدة التي قبلها المركزي في آخر عطاء له بعد قرار رفع الفائدة الأخير، على أذون الخزانة المستحقة بعد عام واحد إلى 22.683 بالمئة ما يفتح الباب أمام عائدات أعلى قادمة.
الصورة أكثر قتامة في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، إذ تراجعت عقود العملة لأجل 12 شهراً متجاوزة الـ41 جنيهاً للدولار، للمرة الأولى على الإطلاق. وهو ما أشار إليه بنك غولدمان ساكس، وأرجع ذلك إلى انتهاج البنك المركزي المصري سياسة سعر الصرف المُدار ما أدى إلى استمرار السوق السوداء وتداول الدولار بما يزيد بنحو 30 بالمئة عن سعر الصرف الرسمي أمام الجنيه.
وأوضح غولدمان ساكس في تقديره للأزمة أن خيارات التمويل أمام الحكومة المصرية أصبحت محدودة بسبب صعوبة وصولها إلى أسواق الدين وتفضيل حكومات دول الخليج الاستثمار المباشر عن الإقراض إضافة إلى تردد صندوق النقد الدولي في تقديم مزيد من التمويل.
ودعا البنك الحكومة المصرية إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي من خلال اعتماد سعر صرف أكثر مرونة وكبح وتيرة استثمارات الدولة، والتوسع في بيع الأصول الحكومية لتجنب خيارات أخرى أكثر صعوبة.. لم يحددها ولكن قد لا تكون بعيدة عن التخلف عن سداد الديون وأقساطها.
سعر الفائدة بالسالب
أرجع الخبير الاقتصادي، الدكتور إبراهيم نوار، سبب إحجام المستثمرين عن سوق الدين المصري إلى أن "المستثمر الأجنبي لن يأتي إلى مصر وهو في شك من أنه يستطيع تحويل أمواله وأرباحه للخارج" لافتا إلى أن سعر الفائدة الحقيقي في مصر هو بالسالب؛ لأن معدل التضخم يأكل قيمة الأصل والعائد ولذلك انتعش السوق الموازي وتجاوز سعر صرف العملة المصرية 36 جنيهاً للدولار.
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"، أن "الدولة فشلت في جذب استثمارات مباشرة أو تدفقات مالية بالعملات الأجنبية لسداد أعباء الديون، وتمويل العجز في الميزان الجاري، وبالتالي ستواصل نهجها في رفع أسعار الفائدة بهدف جذب الأموال الساخنة".
لكن نوار حذر من أن "رفع أسعار الفائدة سوف تصاحبه موجة تضخم جديدة، ولن يفيد في وقف تدهور قيمة الجنيه المصري في المدى المتوسط، إلا إذا تغيرت ظروف العرض والطلب، وهو ما يستلزم تنفيذ تعديلات اقتصادية هيكلية، وليس مجرد تنسيق القوائم المالية بطريقة محاسبية عقيمة لخلق حالة من الوهم تعيش الدولة في ظلامها".
أرقام صادمة
واصل الدين الخارجي لمصر تحطيم الأرقام القياسية وقفز إلى مستوى تاريخي جديد وبلغ 162.9 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022 مقابل 154.9 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر 2022، بحسب بيانات منشورة على موقع وزارة التخطيط.
رفع البنك المركزي المصري، الخميس الماضي، رفع سعري عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 18.25% و19.25% و18.75% على التوالي في محاولة لكبح جماح التضخم الأساسي الذي بلغ مستوى تاريخي وكسر حاجز الـ40% للمرة الأولى.
في أقل من عام ومنذ آذار/ مارس 2022 خفضت مصر سعر صرف الجنيه 3 مرات ، من متوسط 15.7 أمام الدولار الواحد، ليستقر حاليا عند 30.95 جنيها، بينما تجاوز سعره في السوق الموازية 36 جنيها مقابل الدولار.
استثمارات غير مجزية
أعرب وكيل وزارة التجارة سابقا، عبد النبي عبد المطلب، عن اعتقاده بأن عطاءات البنك المركزي بما فيها شهادات الادخار التي يتم طرحها لمدة عام هي غير مغرية للمستثمرين؛ بسبب حالة عدم اليقين التي تسيطر على الوضع الحالي، وهناك مخاوف من أن القيمة المستقبلية للاستثمار في جميع إصدارات البنك المركزي لن تكون مجزية".
وأضاف لـ"عربي21" أن "هناك توقعات قوية بأن البنك المركزي سوف يرفع أسعار الفائدة مجددا ويقدم أوعية ادخارية بعائد أكبر، وكذلك قبول عروض بعوائد أعلى سواء بالنسبة لسندات أو أذون الدين المحلية"، مشيرا إلى أن "عدم تدفق استثمارات أجنبية أو الوصول لأسواق الدين يفاقم من عجز الحساب الجاري ويدفع التضخم إلى أرقام أعلى إلى جانب خفض قيمة العملة ما يؤثر بالسلب على المستثمرين".
ولخص الخبير الاقتصادي عزوف المستثمرين للدخول إلى السوق المصري بالقول: "ما يحدث الآن هو استثمار مؤجل إلى حين اتضاح الرؤية، والبعض يفضل الذهاب إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب ثم الدولار، وكان على البنك المركزي أن يقارب ما بين التضخم وأسعار الفائدة ولكن ما يحصل هو وجود فجوة تجعل الفائدة بالسالب وبالتالي لن تجذب أي استثمار".