ملفات وتقارير

"الجرف القاري" أبرز نزاعات الحدود البحرية حول العالم (خريطة تفاعلية)

تفجرت نزاعات حدودية بين عدة دول على إثر خلاف حول تفسير أساس وطبيعة ترسيم الحدود القارية بينها- جيتي
يعتبر الجرف القاري الامتداد الطبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وهو بالنسبة لأي دولة ساحلية المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء المياه الإقليمية. 

وبالنسبة للدول الساحلية فإنه يعد الجرف القاري حقوقا سيادية، تستفيد من موارده الطبيعية غير الحية كالنفط والغاز والمعادن.

وورد في المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1958، أن الجرف القاري هو "مناطق قاع البحر وما تحته من طبقات متصلة بالشاطئ تمتد خارج البحر الإقليمي إلى عمق مئتي متر أو إلى ما يتعدى هذا الحد إلى حيث يسمح عمق المياه باستغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة.

أبرز نزاعات الجرف القاري بين الدول:



تفجرت نزاعات حدودية عدة بين الدول على إثر خلافات حول تفسير الحدود القارية بينها، انتهى بعضها بقرار من المحكمة الدولية، فيما لا يزال البعض الآخر محل صراع مستمر، كالحالة بين أثينا وأنقرة.

الجرف القاري بين تونس وليبيا

ورثت تونس وليبيا عن الاستعمارين الفرنسي والإيطالي خلافا حادا بخصوص الحدود البحرية وصل إلى حد الصدام العسكري أحيانا في عرض البحر بين القطع البحرية للبلدين.

وأعاد الرئيس التونسي الخلاف إلى الواجهة بعد أن قال السبت، إن بلاده "لم تحصل إلا على الفتات" من حقل البوري النفطي، الذي خاضت بسببه تونس وليبيا صراعا قضائيا أمام المحاكم الدولية، قائلا إنه كانت هناك نية لتقاسُم الحقل مع طرابلس.

وأقر سعيّد برفض الجانب التونسي مُقترح تقسيم الحقل إلى نصفين، مشيرا إلى توسط الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية محمود رياض بين البلدين، واتفاقهما على عرض الأمر على محكمة العدل الدولية، التي لم تلتفت إلى مسألة الجرف القاري.

وقال سعيد إن تونس في العام 1977 لم تجد حلاً إلا توجيه قارب إلى المكان المتنازع عليه وتنبيه شركة أمريكية تنقب في المكان بأنها تستولي على المِلك العمومي البحري الخاص بتونس، ثم صدر قرار محكمة العدل بشأن الأمر و"لم تحصل تونس إلا على الفتات".

ويقع حقل البوري في البحر المتوسط على بعد 120 كيلومترا شمالي الساحل الليبي، وينتج نحو 23 ألف برميل نفط يوميًا، وتديره شركة "مليتة" للنفط والغاز بالمشاركة مع شركة "إيني" الإيطالية، واكتُشف العام 1976، وبدأ إنتاجه العام 1988.

وخاضت الجارتان تونس وليبيا صراعا قضائيا أمام المحكمة الدولية في لاهاي بين عامي 1978 و1982، في خضم خلاف حول رواسب صخرية متعددة المعادن تضم كميات هائلة من البترول والغاز والثروات السمكية والمعدنية.

ورغم أن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي اقترح آنذاك على تونس اقتسام ثروات الجرف القاري، إلا أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة رفض ذلك، واقترحت عليه مجموعة من أساتذة القانون، من ضمنهم العميد الصادق بلعيد، رفع قضية أمام المحكمة الدولية في لاهاي، وهو ما تم بالفعل عام 1978.

وفي 24 شباط/ فبراير 1982، أصدرت محكمة لاهاي قرارا نهائيا ورسميا يؤكد على السيادة الكاملة لليبيا على الجرف القاري، دون إعطاء أي نصيب لتونس.

ولاحقا، تقدمت تونس لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بطلب إعادة النظر في الحكم قصد تعديله، لكن وبتاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر 1985، صدر حكم يقضي برفض الدعوى القضائية وتقبلت تونس الحكم للمرة الثانية.


صراع اليونان وتركيا

نزاع بحر إيجة هو مجموعة من الخلافات المترابطة بين اليونان وتركيا على السيادة والحقوق المتصلة بمنطقة بحر إيجة، منذ سبعينيات القرن العشرين، وأدت مرتين إلى أزمات اقتربت من اندلاع القتال العسكري عام 1987 وبدايات عام 1996.

تعتمد اليونان على الجرف القاري في رسم الحدود مع تركيا ضمن الجزر والمناطق المتنازع عليها في بحر إيجة، لكن تركيا ترى أن الجرف القاري يمتد حتى منتصف بحر إيجة، مستندة إلى حقها الطبيعي في هضبة الأناضول، وبالتالي فإنه سيصل الجرف القاري التركي إلى غربي العديد من الجزر اليونانية. 

في المقابل ترفض اليونان ذلك مستندة على المادة 121 من قانون البحار لعام 1982 (لم توقع عليه تركيا)، الذي يمنح جزرها جرفا قاريا، وترى أن حدود جرفها القاري تمتد إلى شرق الجزر اليونانية في منتصف المسافة بين هذه الجزر وهضبة الأناضول.

وتعتقد تركيا أن مد اليونان بحرها الإقليمي في بحر إيجة، سيجعل سيادة اليونان على البحر تصل إلى نسبة 71.53% على حساب تركيا، وهو ما يفقدها ميزات استراتيجية واقتصادية كثيرة، إذ إنه لا يعتبر طرحا قانونيا أو منطقيا ولا يراعي أمن ومصالح تركيا. ولم يحسم الخلاف بعد.

الجرف القاري في بحر الشمال

كانت القضايا الخاصة بالجرف القاري لبحر الشمال عبارة عن سلسلة من النزاعات التي تمت إحالتها إلى محكمة العدل الدولية في عام 1969. فقد كانت تلك القضايا تتعلق باتفاقيات بين الدنمارك وألمانيا وهولندا والخاصة بترسيم المناطق الغنية بالبترول والغاز من الجرف القاري في منطقة بحر الشمال.

ويتميز ساحل بحر الشمال المطل على ألمانيا بأنه مقعر الشكل، في حين تتميز السواحل المطلة على هولندا والدانمارك بأنها محدبة الشكل. فإذا تم تحديد ترسيم المنطقة بالاعتماد على قاعدة تساوي البعد، فستحصل ألمانيا على الجزء الأصغر نسبيًا من الجرف الغني بالموارد مقارنةً بالدولتين الأخريين. ولهذا، اقترحت ألمانيا استخدام طول الخطوط الساحلية كطريقة لتحديد الترسيم. فأرادت ألمانيا أن تقوم محكمة العدل الدولية بتقسيم الجرف القاري بناءً على نسبة حجم الأرض المجاورة للدولة وليس من خلال قاعدة تساوي البعد.

وجدت المحكمة نفسها أمام عقبات اختلاف وجهات النظر بين الدول، فضلا عن أن ألمانيا لم تكن طرفا بمعاهدة جنيف بخلاف كل من هولندا والدنمارك العضوتين في المعاهدة في حينه.

لكن في نهاية المطاف، أعطت هولندا والدنمارك المساحة الإضافية من الجرف التي كانت تريدها ألمانيا وأُغلق ملف الخلاف.

الجرف القاري بين مالطا وليبيا


طلب الطرفان من المحكمة أن تفصل في ماهية مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تنطبق على تعيين حدود المنطقة التي تخص جمهورية مالطة من الجرف القاري والمنطقة التي تخص ليبيا من الجرف القاري وكيف يمكن تطبيق هذه المبادئ والقواعد عملياً من قبل الطرفين.

وكانت الحجة الليبية قائمة على أساس أن الامتداد الطبيعي لإقليم الدولة البري داخل البحر يظل القاعدة الجوهرية لامتلاك الجرف القاري بصورة شرعية بينما كانت حجة مالطا أن الجرف القاري لم يعد يُحدد في ضوء معايير الامتداد الطبيعي وإنما يحكمها مفهوم المسافة من الشاطئ. 

وقدمت ليبيا أساسا قانونيا مفاده أن هناك انقطاعا في الجرف القاري بين البلدين يسمى "منطقة الغور" وأن هذا الانقطاع الأساسي في الجرف القاري يقسمه إلى قسمين متميزين وأن التحديد يجب أن يمر داخل منطقة الغور وباتجاهها العام.

أما مالطا فقد قدمت هي الأخرى حجة قانونية قائمة على أساس مبدأ تساوي الدول بالسيادة وعليه فإن المناطق وامتداداتها مردها سيادة كل دولة على امتدادها البحري وأن هذه السيادات يجب أن تكون متساوية وبغض النظر عن طول سواحل تلك الدول.

وبعد أن رفضت المحكمة الحجج الليبية القائمة على أساس فكرة الامتداد الطبيعي ورفضت حجة مالطا القائمة على أساس مبدأ تساوي البعد بحسب المسافة من الشاطئ، فإنها أصدرت قرارها القاضي بتعيين الحدود وفقا لمبادئ الإنصاف مع مراعاة جميع الظروف ذات الصلة.