ملفات وتقارير

ما دلالة الدور الصيني في المصالحة بين السعودية وإيران؟

أعلنت إيران والسعودية استئناف العلاقات في بيان ثلاثي مع الصين- تويتر
لعبت الصين دورا مهما في إنهاء القطيعة بين السعودية وإيران، التي استمرت منذ عام 2016، في الوقت الذي يتراجع فيه الدور الأمريكي في المنطقة، مدفوعا بأزمات متتالية مع الرياض.

ولطالما كانت واشنطن الحليف الاستراتيجي للرياض، وهو ما أراد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، توضيحه خلال زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الأسبوع الماضي.

وخلال زيارته، نقل أوستن التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه الشرق الأوسط والتأكيد أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بدعم دفاعهم، من خلال الإشارة إلى وجود نحو 30 ألف جندي أمريكا في المنطقة، والتسويق لواشنطن على أنها تعلب دورا هاما في مواجهة النفوذ الإيراني، ودور الصين المتنامي.

وجاءت التحركات الأمريكية بعد سنوات من الفتور الذي عرفته علاقة واشنطن بالرياض، عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية عام 2018، الذي تقول المخابرات الأمريكية إنه تم بموافقة ولي العهد محمد بن سلمان.

وعند توليه الرئاسة عام 2020، تعهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بإعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية، بعد أن كانت جيدة خلال حقبة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.

وأثار قرار منظمة "أوبك بلس"، التي تقودها السعودية بخفض الإنتاج، غضبا في البيت الأبيض، حيث قال المسؤولون إن بايدن يشعر بخيبة أمل شخصيا بسبب ما وصفوه بالقرار "قصير النظر".

الملف الاقتصادي
وفي الوقت الذي اهتزت فيه الثقة بين السعودية وأمريكا، فقد توسعت العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط في ظل جهود التنويع الاقتصادي في المنطقة، رغم تحذيرات واشنطن بشأن تنامي مشاركة الصين في البنية التحتية الحساسة في الخليج بما في ذلك الإمارات.

وبشكل خاص، اتخذت الصين خطوة إضافية في تعزيز العلاقات التجارية مع السعودية، التي أصبحت موردها الرئيسي للنفط.

وزادت الصين بشكل كبير نشاطها الاقتصادي في الشرق الأوسط في العقد الماضي، لا سيما أن نحو 50 بالمئة من النفط الخام يأتي إلى الأسواق الصينية من هذه المنطقة، إضافة إلى أهمية الشرق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق، وفي كونها بوابة لأوروبا وأفريقيا.

وتسعى الصين إلى الانفتاح أكثر على المنطقة العربية في علاقة بالملف الاقتصادي، "فالصين والدول العربية من البلدان النامية، ونصيب البلدان النامية في الاقتصاد العالمي آخذ في الازدياد، وهذا تغيير مهم للغاية"، بحسب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية.

وقال سون إن الدول العربية "تتطلع شرقا" ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية تتجه غربا، وهذا يكشف في الواقع عن مساعٍ حثيثة لدى الجانبين للتقارب والتواصل. فخلال العقد الماضي، شهد التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي ازديادا مطردا في ظل تغيرات لم يسبق لها مثيل.

وبلغ حجم الاستثمار المباشر للصين في البلدان العربية 23 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 2.6 ضعف مقارنة بما كان عليه قبل 10 سنوات؛ وبلغ حجم التبادل التجاري الصيني العربي 330.3 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل زيادة قدرها 1.5 ضعف مقارنة بما كان عليه قبل 10 سنوات. 

وفي الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022، بلغ حجم التبادل التجاري الصيني العربي 319.295 مليار دولار أمريكي، وهو قريب من مستوى عام 2021 وبزيادة قدرها 35.28 في المائة على أساس سنوي.

وتحركت الدول العربية بخطى واسعة تجاه الصين، حيث ناقش الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي في 16 شباط/ فبراير الماضي مسألة التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. 

وفي يوم 2 آذار/ مارس الجاري، وقعت شركة "أرامكو" السعودية خطاب نوايا للاستثمار في مشروع مشترك لشركتي "جيلي" و"رينو" للسيارات. وفي اليوم ذاته، استضافت إدارة الأعمال التجارية لمنطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ وغرفة التجارة في دبي مؤتمر التعاون الاقتصادي والتجاري بين قوانغشي ودبي لعام 2023.

وأمام تزايد الاستثمارات الصينية، لم ترسل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أي مسؤول أمريكي لحضور مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي السعودي السنوي العام الماضي.

وقالت محطة "إن بي سي" إن مسؤولي إدارة بايدن يفكرون في محاولة ثني الشركات الأمريكية عن توسيع العلاقات التجارية مع السعودية، كجزء من رد الولايات المتحدة على خفض الإنتاج العالمي للنفط. 

الخطاب الرسمي
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ركزت الصين خطابها الرسمي على أهمية علاقات الشراكة الاستراتيجية مع المنطقة العربية، حيث قال وزير خارجيتها تشين قانغ، على هامش الدورة الأولى للمجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني، إن بكين ودول الشرق الأوسط تتمتع بتاريخ طويل من الصداقة والشراكة.

وأضاف أنه في القمة الصينية-العربية الأولى التي عُقدت نهاية العام الماضي، اتفقت الصين والدول العربية على بذل جهود شاملة لبناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد، ما دفع التعاون الودي بين الصين والدول العربية قدما.

في الفترة من 7 إلى 10 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، شارك الرئيس الصيني شي جينبينغ في القمة الصينية العربية الأولى وقمة الصين - مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن قيامه بزيارة دولة إلى السعودية. 


وشكلت القمتان مؤشرا هاما حول الارتقاء بالعلاقات بين الصين والدول العربية من اجتماعات وزارية سابقا إلى قمم متعددة الأطراف على مستوى قادة الدول.

وذكر تقرير عن التعاون الصيني العربي في العصر الجديد صدر عن وزارة الخارجية الصينية في الأول من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي أن الصين تدعم بقوة الاستقلالية الاستراتيجية للدول العربية ووحدتها واعتمادها على الذات. 

في المقابل، ترى الصين أنه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط، ولا تسعى أبدا إلى تحقيق أي مصالح جيوسياسية، فـ"شعوب الشرق الأوسط هي التي تملك مستقبلها ومصيرها"، بحسب وزير الخارجية الصيني تشين الذي قال إن "الصين تحترم تماما دول الشرق الأوسط بصفتها سادة شؤونها، وليس لديها نية لملء ما يسمى بالفراغ ولن تبني دوائر حصرية في المنطقة".

وأعرب عن رفض الصين للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، مضيفا أن بلاده ستواصل التمسك بالعدالة ودعم دول الشرق الأوسط في السعي لتسوية سياسية للقضايا الساخنة في المنطقة عبر الحوار والتشاور. 

وقال: "نحن على استعداد لأن نكون مساهمين في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وشركاء في التنمية والازدهار، ومعززين للوحدة والاعتماد على الذات".

وفي السياق، أشار سون ده قانغ، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية، إلى أن الصين والولايات المتحدة مختلفتان، فالأخيرة تعتبر الشرق الأوسط منطقة نفوذ لها، بينما الصين لا تتنافس أبدا على مناطق نفوذ ولا تزرع وكلاء ولا تملأ ما يسمى بـ"الفراغ"، وبالتالي فلكل من الصين والولايات المتحدة فلسفة مختلفة تجاه الشرق الأوسط.

العلاقات الصينية-الإيرانية
وقبل إعلان الوساطة الصينية بين طهران والرياض، أدى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الشهر الماضي، زيارة إلى الصين  لتعزيز التعاون بين البلدَين، وسط التوترات مع الغرب، حيث تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات عدة، أهمها: الطاقة والأمن والبنية التحتية والاتصالات، وذلك لمواصلة تعميق وتوسيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

وكانت الصين قد وقعت في عام 2021 اتفاقية استراتيجية واسعة النطاق لمدة 25 عاماً مع إيران، التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات قاسية تخنق اقتصادها.

وتسعى بكين منذ وقت طويل إلى تعزيز علاقاتها مع طهران. وكان الرئيس شي جينبينغ قد وصف إيران بأنها "الشريك الرئيسي للصين في الشرق الأوسط"، خلال زيارة نادرة إلى البلاد في عام 2016.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين للصحفيين، خلال زيارة رئيسي، إن بكين تريد "لعب دور بنّاء في تعزيز الوحدة والتعاون مع دول في الشرق الأوسط، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".

وتعدّ الصين أكبر شريك تجاري لإيران، كما أنها كانت أحد أكبر مشتري النفط الإيراني، قبل أن يعيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض العقوبات على طهران في عام 2018، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.