قضايا وآراء

زلزال تركيا الكبير وزلزلة الساعة العظيم

الزلازل أكثر الكوارث الطبيعية تأثيرًا على الإنسان (الأناضول)
الكون كله يسير بتدبير الله، ولا يحدث أي شيء في ملكوته إلا بما قدّره الله، فوقوع الزلازل والكوارث الطبيعية لها تفسيراتها الجيولوجية التي تؤدي إلى وقوعها. ولكن إذا تأملنا في أسباب حدوث وتكرار هذه الظواهر نجد أن الأصل فيها يكون لكي يتعظ البشر، ويعلموا أنهم ذرة في ملكوت الله.

فالأرض على ضخامتها واتساعها، ما هي إلا نقطة تدور بين الأجرام والكواكب الأخرى، ليعلم الإنسان أنه مهما ارتفع ذكاؤه وتطوّر علمه، فإنه يعيش في كوكب يمثل نقطة في محيط فائق الضخامة، خلقه الله، عز وجل، وهذا دليل على عظمة الله، وقدرته التي لا تحدّها الحدود، ولا يقيّدها الزمان.

قال ابن القيم: "الأرض لها نسبة لا إلى السماوات وسعتها، بل هي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل". (بدائع الفوائد (1 / 115).

وتُعدّ الزلازل أكثر الكوارث الطبيعية تأثيرًا على الإنسان، كما ذكر الدكتور عبد الله العمري، لحدوثها المفاجئ والسريع، ولما ينجم عنها من خسائر بشرية ومادية. ويمكن تقسيم الآثار الزلزالية إلى نوعين هما:

الآثار الأولية، وتتمثل في حدوث الحركة الأرضية العنيفة وما يصاحبها من تصدعات وسقوط المباني وغيرها، والآثار الثانوية وتتمثل في الحرائق والانهيارات الأرضية والفيضانات والتغيرات في مستوى سطح الماء، ويختلف حجم الخسائر التي تسببها الزلازل من بلد لآخر.

إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم

الناظر والمتابع لآثار الزلازل التي حدثت فجر يوم الإثنين السادس من فبراير 2023 في تركيا وسوريا، وارتداداتها التي طالت العديد من الدول المحيطة، وما نجم عن ذلك من وقوع آلاف الضحايا، وعشرات الآلاف من المصابين، وتدمير الآلاف من المباني والبيوت على قاطنيها، وتشريد الملايين، يعلم أن الدنيا بكل ما فيها لا قيمة لها في ميزان الله.

ولذلك ورد في الأثر "لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء"، وكما جاء في صحيح مسلم: أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليّم فلينظر بما يرجع"، وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الدنيا ملعونة ملعون من فيها إلا ذكر الله، وما والاه وعالم أو متعلم".

إننا في أمسّ الحاجة إلى الرجوع إلى الله، وخصوصًا في أوقات الكوارث والملمات، بالإقبال على الله بالطاعات، وترك المنكرات بكل أنواعها وأشكالها، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا كالمسافر الذي يستعد لسفره، يجهز أمتعته وحاجاته وطعامه وشرابه، والمؤمن مثل ذلك يستعد لسفره من الحياة الدنيا للاستقرار في الحياة الآخرة، فالدنيا ما هي إلا ممر وعبور إلى دار القرار في الآخرة، فلا بد للمؤمن أن يستعد استعدادًا تامًا لهذا اليوم، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وحينما يحدثنا القرآن الكريم عن الحياة الدنيا، فنجد أنه وصفها في أكثر من موضع بأنها متاع الغرور؛ لأنها تغرّ العباد بالمغريات، وتُغرر بهم إلى طريق الشهوات، قال تعالى: (ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الغُرُورِ ((آل عمران:185).

وبيّن موقف الناس منها، بأنهم يفرحون بها، مع أن حقيقتها لا تستدعي هذا الفرح، كونها مجرد متاع سرعان ما يفنى ويبلى، ما يستدعي عدم التعلق بها، والأخذ بالحذر والتيقظ منها، قال سبحانه وتعالى: (وفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلا مَتَاعٌ) (الرعد: 26).

وحينما أراد الله، عز وجل، أن يذكرنا بما هو أعظم من الدنيا، وزينتها، فقال محذرًا من هول يوم القيامة في بدايات سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)، يقول ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا عباده بتقواه، ومخبرًا لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها".

فهل أعددنا العدة، وهيأنا أنفسنا ليوم الزلزلة العظيم، أم أن الدنيا لا تزال تُسيطر علينا، وتشغلنا عن فعل الخيرات وترك المنكرات، وهل قمنا بواجباتنا في تعمير الكون كما أراد الله، أم أننا نسبح في المعاصي صباح مساء، ونضيّع الحقوق؟!

إننا في أمسّ الحاجة إلى الرجوع إلى الله، وخصوصًا في أوقات الكوارث والملمات، بالإقبال على الله بالطاعات، وترك المنكرات بكل أنواعها وأشكالها، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا كالمسافر الذي يستعد لسفره، يجهز أمتعته وحاجاته وطعامه وشرابه، والمؤمن مثل ذلك يستعد لسفره من الحياة الدنيا للاستقرار في الحياة الآخرة، فالدنيا ما هي إلا ممر وعبور إلى دار القرار في الآخرة، فلا بد للمؤمن أن يستعد استعدادًا تامًا لهذا اليوم، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ومن أهم الأعمال التي يجب أن يقوم بها كل إنسان للاستعداد ليوم الزلزلة العظيم؛ التوبة من الذنوب والمعاصي، والإكثار من الأعمال الصالحة، وعدم التأله على الله، وتحكيم أوامره في كل مجالات الحياة، ورفع الظلم عن المظلومين، والسعي لرد الحقوق إلى أصحابها، ومساعدة المنكوبين والمتضررين، ومد يد العون لكل محتاج، وإغاثة الملهوف بكل السبل والوسائل المتاحة.

فما يقدمه الإنسان من خير في الدنيا، فإنه لا محالة سيبقى أثره في الدنيا بعد مماته، وسينال الثواب العظيم من الله، عز وجل، يوم القيامة. (ومَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وأَعْظَمَ أَجْرًا) (المزمل: 20).

وفي العموم لعل الزلازل تكون رسالة لنا جميعًا، لتنبيه العاصين الغافلين عن ذكر الله، وابتلاءً للمؤمنين، وعبرة للناجين، لعلنا نهجر مسار الغفلة، ونرجع إلى الله، عز وجل، لندرك سبيل الفلاح والفوز في الآخرة.

أدوار مطلوبة لإغاثة المنكوبين

هذا المصاب الجلل الذي وقع في كل من الجنوب التركي والغرب السوري، يحتاج من الجميع أفرادًا ومؤسسات وهيئات إغاثية، ومنظمات دولية، وحكومات، التحرك السريع لنجدة المتضررين والمنكوبين من آثار هذا الزلزال وتوابعه المدمّرة، والتي خلّفت آلاف الشهداء، وعشرات الألوف من المصابين والجرحى، وملايين من المتضررين، ومن هذه الجهود المطلوبة:

أولاً: التبرع بالمال، والأغراض العينية مثل: الخيام، والملابس، والأغطية، والأجهزة الطبية، وتحرك الأطباء من الأفراد والجمعيات الإغاثية كل حسب إمكانياته واستطاعته، للمساهمة في تضميد الجراح، وإنقاذ المنكوبين.

ثانيًا: تشكيل فرق إنقاذ أهلية من الجهات، والهيئات، والجاليات العربية المقيمة في تركيا، لمساعدة المسؤولين في عملهم، ودعمهم بالأفراد المتطوعين المدربين، لتقديم يد العون لكل المتضررين.

ثالثًا: تحرك سريع من الدول صاحبة الإمكانيات والقدرات المالية للمساعدات الفورية في تقديم الدعم اللازم، من خلال المستشفيات المتنقلة، التي تساهم بشكل كبير في إنقاذ الآلاف من المصابين، وتقديم الأطعمة الجاهزة لسد جوع المتضررين الذين فقدوا منازلهم.

رابعًا: التحرك الإيجابي من وسائل الإعلام المختلفة، بالتوعية والإرشاد في كيفية التعامل مع الزلازل وتوابعها، وحث المواطنين على التفاعل والتضامن مع المصابين والمتضررين، ونقل الأحداث بكل موضوعية وأمانة.

خامسًا: على العلماء وأصحاب التأثير في كل مكان سرعة التوجيه والتوعية لكل المجتمعات، وتعريفهم بأهمية التكافل الاجتماعي بين الناس، ودعم المتضررين من الكوارث بالمال، وكل ما يحتاجون إليه من معونات عينية.

سادسًا: التحرك المناسب من المؤسسات الدولية لإنقاذ البشر، وعدم التمييز بين الدول في ذلك، وسرعة إرسال المعونات العينية، والمعدات المناسبة لرفع الأنقاض، وإغاثة الملهوفين، والدعم اللوجستي والإنساني بكل أنواعه.

سابعًا: ويسبق كل هذا وذاك التقرّب بالدعاء إلى الله اللطيف الخبير، أن يلطف بأهل سوريا وتركيا، وأن يحفظهم من كل سوء، ويُسلّم الجميع من الكوارث والزلازل، وأن يكون عونًا لهم في تخطي هذه المحنة، قال تعالى: (فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ولَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).

أسأل الله، تبارك وتعالى، أن يتقبل الشهداء الذين قضوا جرّاء الزلازل في عليين، ويُنعم على المصابين بتمام العافية، ويأوي المشردين، ويحفظ تركيا وسوريا، وكل بلاد المسلمين قاطبة من كل شر وسوء. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com