ليس جديدا القول إن الأردن ومنذ منتصف
الخمسينيات كان من حلفاء
الولايات المتحدة بكل أنواع إدارتها، ومع وجود محطات قلق
عاشها الأردن خلال هذه العقود، كان لدى البعض في بعض الإدارات تفكير بخيار ترك
الأردن يواجه ذلك القلق، لكن صمود الأردن وتجاوزه لتلك المراحل الصعبة أعاد بوصلة
من تركوه وحيدا إلى القناعة بأن الأردن بلد مهم في الإقليم.
وحتى في فترة الربيع العربي، حيث كان الديمقراطيون يتركون أهم حلفائهم أمام تيار اختلط فيه الحق والباطل، بل كانت أمريكا اللاعب الأهم في
استغلال صدق الشعوب ومشكلاتها في تلك المرحلة لإعادة رسم خريطة الإقليم سياسيا، كان
الأردن قد تعلم الدرس جيدا، وقام “بتقليع شوك المرحلة بحكمته“، وبقي محتفظا
بمكانه في قائمة حلفاء واشنطن.
قبل أيام، كان الملك في واشنطن، ولم تكن مجاملة تلك الحفاوة
السياسية التي لقيها كما هو الحال دائما، وكانت تغريدة الرئيس
بايدن واضحة عن
مكانة الأردن ودوره في استقرار المنطقة، فالدور هنا يبدأ من الفكر والتقييم السليم
لما يجري ولما هو قادم، وهذا كان حاضرا في تعامل الأردن مع كل أزمات الإقليم وعلى
رأسها القضية الفلسطينية، وهو حاضر في بناء مصالح وعلاقات مع الولايات المتحدة في
ملفات مهمة سياسية وأمنية وعسكرية.
الأردن في تحالفه وعلاقته مع أمريكا لم يتقلب من معسكر
لآخر، وإن كان هذا لم يمنعه من بناء علاقات قوية مع الصين وروسيا والاتحاد السوفيتي،
لكن ليس من منطلق المناكفة والحرد السياسي، فمثلا مصر الدولة العربية الأكبر تنقلت
في معادلاتها بين الشرق والغرب منذ عهد عبدالناصر والسادات…
الأردن ليس دولة إقليمية قوية في مجالات الطاقة أو دولة
عظمى، بل دولة تحمل على ظهرها عبئا كبيرا من أزمات الداخل والخارج وتواجه غيرة
وتآمر بعض المحيطين، لكنها في علاقاتها مع أمريكا وكل الغرب تملك القدرة على أن
تكون جزءا من معادلة الملفات المهمة، وحتى عندما يضعف وزن بعض الملفات فإن الأردن
يتعامل باحتراف ليبقى محتفظا بوزنه النوعي وجزءا من معادلات الإقليم المهمة،
ومنطلقه الرئيس مصالحه الكبرى.
مع تقلب المراحل نسمع من البعض عن ضعف دور الأردن أو
محاولات البعض الالتفاف على وزن الأردن لكن تعود الأحداث لتثبت أن الأردن قادر على
أن يحتفظ بمساحة مؤثرة في ملفات الإقليم.
ما كان في المنطقة من أزمات وتفكيك دول وتغيير هوية بعضها أو
بعثرتها داخليا خلال العقدين الأخيرين يقول إن الأردن الدولة التي تعاني من بعض الأزمات
استطاعت أن تحتفظ بتماسكها وأن تتجاوز كل ما كان بأقل الخسائر، وهذا جزء من
العوامل التي تجعل تقييم الدول المهمة للأردن إيجابيا وأن يتم النظر إليها كدولة
تملك عناصر قوة لا تملكها دول تبدو ظاهرا أكثر قوة.
(
الغد الأردنية)