اقتصاد عربي

تراجع إقبال المصريين على شهادات الادخار.. ومخاوف من الخسائر (صور)

بنكا الأهلي ومصر أعلنا قبل نحو أسبوعين عن طرح شهادة ادخارية مدتها عام واحد بفائدة بلغت 25 في المئة- عربي21
على غير العادة؛ بدت بعض فروع بنكي الأهلي ومصر (حكوميين) أكبر البنوك المحلية فارغة من المودعين، بعد أقل من أسبوعين فقط عن إعلان البنكين (ذراع البنك المركزي لدعم سياساته النقدية) عن إتاحة شهادات إدخار لمدة سنة بعائد يصل إلى 25%.

وألمح البنكان قبل يومين عن نيتهما وقف إصدار تلك الشهادات، التي تعد الأعلى من نوعها في تاريخ البنوك المحلية، بعد أن حققت المستهدف منها وجمع ما يقرب من 305 مليارات جنيه (الدولار يساوي 29.8 جنيه) منذ طرح الشهادات.

وفي الرابع من كانون الثاني/ يناير الجاري أعلن البنك الأهلي وبنك مصر عن طرح شهادة ادخارية جديدة مدتها عام واحد بفائدة 25% تصرف بنهاية المدة، أو فائدة 22.5% تصرف شهريا؛ من أجل سحب السيولة من السوق، ومواجهة ظاهرة "الدولرة".

وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي قررت في وقت سابق، للمرة الرابعة العام الماضي، رفع سعر الفائدة 300 نقطة أساس إلى 16.25٪ في حال الإيداع، و17.25٪ على الإقراض، بإجمالي 8 بالمئة وسط توقعات باستمرار رفع الفائدة.

وأظهرت آخر بيانات للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (حكومي) ارتفاع معدلات التضخم خلال كانون الأول/ ديسمبر إلى 21.9% على أساس سنوي، في أعلى مستوى له منذ خمس سنوات، وسط توقعات أن يستمر في الارتفاع لمستوى 25% خلال الربع الأول من العام الجاري.

ويعد رفع الفائدة أحد أدوات البنوك المركزية التي تلجأ إليها من أجل زيادة أسعار الفائدة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة من خلال سحب السيولة الموجودة في السوق، ما يقلل الطلب على الاستهلاك ويزيد المعروض من السلع.

مواجهة "الدولرة" أم التضخم؟


لكن في مصر برزت ظاهرة "الدولرة" أو تحويل بعض المواطنين مدخراتهم إلى العملة الصعبة أو ذهب خاصة بعد أن فقدت العملة المحلية نحو 90% من قيمتها في 10 شهور فقط منذ آذار/ مارس الماضي، وسط توقعات باستمرار هبوط الجنيه.

وبسؤال صراف بأحد فروع البنك الأهلي بمحافظة الجيزة عن عدم وجود ازدحام أو طوابير على شراء الشهادات رغم ارتفاع العائد عليها بأكبر نسبة في تاريخ شهادات الادخار، قال: "كان الازدحام في الأيام الأولى من إتاحة تلك الشهادات، وهي لمدة سنة واحدة فقط".

وأضاف لـ"عربي21": "كان هناك توقعات بأن تكون حصيلة الشهادات أكبر من ذلك، لكن مع استمرار ضعف شهية المودعين في شراء شهادات جديدة تدرس البنوك إيقافها بالفعل، مع استمرار إيجاد أوعية ادخارية بديلة تمتص المزيد من السيولة التي من المتوقع أن تظهر منتصف آذار/ مارس المقبل بعد انتهاء مدة شهادات الـ 18%".

خسائر شهادات الـ 18%


وكان بنكا "الأهلي" و"مصر" قد طرحا شهادات بعائد 18% في آذار/ مارس الماضي في سيناريو مشابه لما جرى قبل أسبوعين عندما أقدم البنك المركزي على رفع الفائدة 100 نقطة أساس، وخفض الجنيه 15% دفعة واحدة ليبلغ 18.30 جنيه مقابل 15.70 جنيه.

وشهدت تلك الشهادات إقبالا كبيرا من المصريين وجمع البنكان (مصر والأهلي) 750 مليار جنيه (41.4 مليار دولار حينها) في شهرين، حيث استمر طرحها أكثر من شهرين متتالين مدفوعين بآمال عريضة أن يكون خفض الجنيه عارضا مؤقتا ولن يهبط عن 18 جنيها.

أحد المودعين التقط طرف الحديث وقال: "لقد تعلم الناس الدرس، وأنا أول هؤلاء لقد وثقت في سياسات البنك المركزي النقدية وقمت بتحويل 10 آلاف دولار في آذار/ مارس الماضي بنحو 18.40 جنيها للدولار بفائدة 18% ولكن ما جرى كان أشبه بالفخ".

وتابع حديثه لمراسل "عربي21": "لقد هبط الجنيه منذ ذلك الوقت أكثر من 60%، وقفزت الأسعار الضعف في الأسواق، ولو أني احتفظت بالدولار لكان لدي الآن ضعف هذا المبلغ في شهور قليلة، ولكني الآن خسرت الكثير من شراء الشهادات، ولا عزاء للمخدوعين بسياسات المركزي".

وأعرب عن أسفه من استمرار تكرار سيناريوهات المركزي في معالجة الأزمة، "المركزي المصري كرر الأمر ثانية وقام بطرح شهادات بعائد 25% و22.5% وبعد أن ذهب الناس لشراء الشهادات انخفض الجنيه من مستوى 24.5 جنيه إلى 32 جنيها أي أن العائد السنوي تلاشى كله قبل أن يحصل أي مودع على الفائدة المقررة في الشهر الأول من عمر الشهادة المزعومة".

غياب الشفافية والمصداقية


ويقول الخبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، إن الحكومة المصرية في كل مرة تخسر مصداقيتها لدى المواطنين؛ بسبب عدم الشفافية من ناحية واستغلال الأوضاع الصعبة، المعدل الحقيقي للتضخم أكبر بكثير من المعلن فبحسب قائمة "ستيف هانك" بلغ 85% في حين تقول الحكومة إن معدل التضخم لم يتجاوز 22%، وهو أمر مجاف للحقيقة".

مضيفا لـ"عربي21": "العوائد على شهادات الادخار تتلاشى مع انهيار قيمة الجنيه، والذين وضعوا مدخراتهم بعائد 18% هبط الجنيه أكثر من 70% ما يعني أنه خسر أكثر من 50% بتجميد أمواله في شهادة لمدة عام، والأدهى من ذلك أنه عاد وفي ذات العام وبعد شهور قليلة طرح شهادة أخرى بعائد يصل 25% ما جعل البعض يشكك في حقيقة هذه العوائد وقيمتها.

وأشار يوسف إلى أن "هناك اتجاه تولد من تقلبات سعر صرف العملة لدى المواطنين بتنويع استثمارهم بين الدولار والذهب والعقار والسلع والبضائع حتى لا يقعوا في فخ العائد الذي يذهب أثره قبل أن يحين موعد استحقاق الشهادة، وفقد البعض الثقة في إدارة الدولة للسياسة الاقتصادية".

وفقد الجنيه المصري، الأربعاء الماضي، جزء كبير من قيمته وهوى إلى مستويات قياسية جديدة عند 32.20 جنيها مقابل الدولار الأمريكي قبل أن يسترد بعض خسارته، بشكل مؤقت في وقت لاحق، ويرتفع إلى 29.8 جنيها للدولار مع انتقال البنك المركزي إلى نظام صرف أكثر مرونة بموجب شروط حزمة دعم مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار.