قال الأمين العام
السابق للجماعة الإسلامية في
لبنان، الدكتور عزام الأيوبي، إنهم يرصدون
"حراكا شعبيا سنّيا واسعا يرفض تراجع حضور وتأثير القوى السنّية في المشهد،
ويتطلع إلى إعادة الدور الطليعي الذي لطالما مارسه سنّة لبنان في بناء الدولة
والمحافظة عليها".
ورأى الأيوبي، في
مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هذا الحراك السنّي يحتاج إلى بعض
الوقت حتى ينضج ويترجم نفسه حضورا سياسيا وازنا، ونظن أنه لن يطول الوقت حتى نشهد
هذه العودة بإذن الله".
وأشار إلى أن
"السبب الرئيس في عدم توحد القوى السنّية وإعادة ترتيب البيت السنّي يعود
لأسباب خارجية بالدرجة الأولى، أي أن واقع
السنّة في لبنان إنما يعكس الانقسام
العربي في الإقليم".
وأكد أن لديهم تخوفات
من حدوث خلافات مذهبية في لبنان، خاصة أن "الخطاب الطائفي والمذهبي وصل حدا
غير مسبوق في تاريخ لبنان، كما أن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي
ما زالت تتفاقم، تُشكّل أرضا خصبة لمَن يقرر أن يستثمر فيها من خلال العنصر
المذهبي، والمشهد الإقليمي ليس بعيدا عنا".
وأوضح الأمين العام
السابق للجماعة الإسلامية، أن "تلك التخوفات كانت أحد أهم المرتكزات التي
دفعتنا لإعادة النظر في مسار علاقتنا بحزب الله، حيث يمكن لنا معا أن نُشكّل حاجزا
دون الوقوع في أتون هذا الصراع، أو أن نكون وقودا له".
لكنه ذكر أن علاقتهم
بحزب الله "لم تصل حتى اللحظة إلى بناء شراكات سياسية، إلا أننا وصلنا إلى
قناعة مشتركة بضرورة سلوك طريق الحوار الهادئ والعميق من أجل تجاوز المرحلة
الماضية، والعمل على معالجة آثارها السلبية، وكذلك إعادة تحديد المشتركات في ما
يتعلق بالتحديات المستقبلية وسبل مواجهتها سويا".
وتاليا نص المقابلة
الخاصة مع "عربي21":
ما موقفكم من التحالف
مع باقي القوى السنّية الأخرى في لبنان؟ وما الذي يحول دون إتمام هذا التحالف حتى
الآن؟
لطالما كانت الجماعة
الإسلامية في لبنان تؤمن بوجوب تماسك القوى السنّية في لبنان على اختلاف مشاربها،
وضرورة تفاهمها على رؤية موحدة تجاه المسارات السياسية الكبرى للواقع اللبناني،
انطلاقا من قراءتنا للتركيبة اللبنانية القائمة على التقسيم الطائفي والمذهبي –مع
قناعتنا التامة في نفس الوقت بحاجة لبنان إلى التخلي عن الطائفية السياسية إن كنّا
نريد لهذا الكيان أن يستمر ويتطور– وقد تقدمنا منذ أكثر من عشر سنوات بمبادرة
لترتيب البيت السنّي، تقوم هذه المبادرة على اجتماع كل القوى السنّية تحت مظلة دار
الفتوى، وتحديد الثوابت التي ينطلق منها سنّة لبنان في مقاربتهم للأزمات التي
يتخبط بها الوطن وسبل الخروج منها، وتحييد مصالح ومواقع السنّة التي ينص عليها
الدستور عن التباينات أو الخلافات التي تباعد بين القوى السنية. لكننا بقينا نسمع
إطراء وقبولا مبدئيا للمبادرة دون أي خطوة عملية باتجاه تنفيذها، وخاصة من القوى
الرئيسية. وبتقديرنا أن السبب الرئيس في عدم التنفيذ إنما يعود لأسباب خارجية
بالدرجة الأولى، أي أن واقع السنّة في لبنان إنما يعكس الانقسام العربي في الإقليم.
ما مدى تأثير القوى
السنّية في المشهد اللبناني اليوم؟ وما مستقبلها؟
لا ننكر أن تأثير
القوى السنّية في المشهد اللبناني متراجع بشكل كبير، وهذا نتيجة طبيعية لغياب
القيادة والرؤية في آن واحد، ويمكنك أن تدرك هذا الواقع بمجرد إلقاء نظرة على
الكتل النيابية، حيث لا تجد أي كتلة نيابية سنّية ذات وزن، باستثناء بعض المحاولات
الخجولة للتنسيق، والتي نبذل نحن فيها جهدا للتفاهم حول ملفات محدودة لا ترقى إلى
مستوى التكتلات الأخرى. إلا أننا في ذات الوقت نرصد حراكا شعبيا سنّيا واسعا يرفض
هذا الواقع الضعيف ويتطلع إلى إعادة الدور الطليعي الذي لطالما مارسه سنّة لبنان
في بناء الدولة والمحافظة عليها، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت حتى ينضج ويترجم نفسه
حضورا سياسيا وازنا، ونظن أنه لن يطول الوقت حتى نشهد هذه العودة بإذن الله.
هل هناك ثمة اتفاقات
أو شراكات بينكم وبين حزب الله؟
حتى اللحظة لم نصل إلى
بناء شراكات سياسية بيننا وبين حزب الله، حيث يدرك كلا الطرفين أن حجم الخلافات
التي تعمّقت بيننا على مدى أكثر من عشر سنوات ليس من السهل أن تتحول فجأة إلى
اتفاقات أو شراكات. لكننا وصلنا إلى قناعة مشتركة بضرورة سلوك طريق الحوار الهادئ
والعميق من أجل تجاوز المرحلة الماضية والعمل على معالجة آثارها السلبية، وكذلك
إعادة تحديد المشتركات فيما يتعلق بالتحديات المستقبلية وسبل مواجهتها سويا.
كيف ترى أداء القيادة
الجديدة للجماعة الإسلامية؟ وهل لديها توجهات مختلفة؟
اسمح لي في البداية أن
أؤكد أن الجماعة الإسلامية في لبنان هي منظمة مؤسسية بكل ما للكلمة من معنى، وتكاد
تكون متفردة بهذه الميزة بين كل الأحزاب اللبنانية الكبيرة. وانطلاقا من هذا
التوصيف فإن التوجهات التي تتبناها القيادة، وكذلك ممارستها لهذه التوجهات، تخضع
بشكل كامل للمتابعة والتقييم الدائمين، كما أن التوجهات التي تتبناها المؤسسات
القيادية تبقى مستمرة طالما أن المؤسسات لم تر مبررا لتغييرها، وبالتالي فإن تغير
الأشخاص في المواقع القيادية لن يؤثر على توجهات الجماعة، وهذا ما تستطيع ملاحظته
حاليا، حيث ما تزال توجهاتنا التي مارسناها سابقا هي المتبعة من قبل القيادة
الجديدة.
ما تقييمكم لأداء
وإسهام الجيل الجديد أو الثاني للجماعة الإسلامية في لبنان مقارنةً بأداء الجيل
المؤسس؟
لا شك أن لكل جيل
مزايا وخصائص تميزه عن غيره من الأجيال، كما أن للجيل المؤسس في أي بناء بصمة لا
يمكن محوها أو نسيانها طالما بقي البناء قائما. وقد انتقلت الجماعة الإسلامية في
لبنان من الجيل المؤسس إلى الأجيال اللاحقة منذ سبع سنوات، وحتى اللحظة أستطيع
القول إن أداء الجيل الثاني في الجماعة قد اتسم بميزتين إيجابيتين، الأولى أنه
حافظ على القيم والمبادئ التي أسس عليها الجيل الأول الجماعة، والثانية: أنه امتلك
الجرأة في قراءة المتغيرات التي تفرض على الجماعة إعادة النظر في أدوات عملها
وتحديد دورها وأهدافها؛ فكانت "رؤية وطن" التي أُعلنت في العام 2017
خطوة عملية في وضع بصمة الجيل الجديد على مسار التنظيم. وأستطيع القول إن الميزتين
المذكورتين تؤهلان الجماعة لأن تبقى متماسكة وقادرة على النمو والاستمرار مستقبلا.
هل لديكم تخوفات ما من
حدوث خلافات مذهبية حال استمرت تلك المرحلة الصعبة في لبنان؟
نعم لدينا هذه
التخوفات، خاصة أن الخطاب الطائفي والمذهبي وصل حدا غير مسبوق في تاريخ لبنان، كما
أن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ما زالت تتفاقم، تُشكّل أرضا
خصبة لمَن يقرر أن يستثمر فيها من خلال العنصر المذهبي، والمشهد الإقليمي ليس
بعيدا عنا. لذلك، كانت هذه النقطة بالتحديد أحد أهم المرتكزات التي دفعتنا لإعادة
النظر في مسار علاقتنا بحزب الله، حيث يمكن لنا معا أن نُشكّل حاجزا دون الوقوع في
أتون هذا الصراع، أو أن نكون وقودا له.
الكثيرون كانوا
يُعوّلون على البرلمان الجديد في استصدار مجموعة كبيرة من القوانين وعلى رأسها
قانون لانتخاب الرئيس، لكن هذا لم يحدث.. لماذا؟
بالنسبة لنا لم نكن
نعوّل كثيرا على البرلمان الحالي في إخراج لبنان من أزمته الكبرى، وذلك لأننا كنّا
ندرك أن الانتخابات في ظل القانون الحالي لن تفضي إلى تغييرات جذرية. لذلك، أرى أن
الوضع سيبقى على ما هو عليه بانتظار دخول عوامل جديدة وغالبا خارجية تدفع باتجاه
إيجاد مخارج ولو مؤقتة.
ما الانعكاسات
الداخلية لفشل مجلس النواب على مدى ثماني جلسات برلمانية في انتخاب رئيس؟
في الواقع لبنان إعتاد
في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة على هذا الفشل، حيث لم يمر أي استحقاق لانتخابات
الرئاسة أو استحقاق لتشكيل الحكومة بسهولة، وبقيت سدة الرئاسة فارغة عقب انتهاء
ولاية كل من الرؤساء: أميل لحود، وميشال سليمان، والآن ميشال عون. لذلك، لا أتوقع أن
يكون هناك تأثيرات داخلية كبيرة باستثناء المناكفات والضغط المتبادل بين الأفرقاء
المتشاكسين، ومزيد من الفشل والتعطيل في المؤسسات الحكومية، والتي يدفع ثمنها
غالبا المواطن اللبناني.
هل تعتقد أن لبنان
ربما يكون بحاجة إلى مبادرة خارجية أو تدخل أجنبي من أجل انتخاب الرئيس خاصة بعد
استنفاد اللعبة الداخلية؟
في ظل الوضع الراهن
للقوى السياسية اللبنانية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، من المؤكد أن المعادلات
الخارجية ستبقى هي المؤثر الأكبر على استحقاق انتخاب الرئيس اللبناني، وبالتالي
سينتظر اللبنانيون حتما مبادرة خارجية تخرجهم من هذا الفراغ.
برأيكم، ما انعكاسات
خلو سدة الرئاسة على مصير علاقات لبنان العربية والدولية؟
بصراحة الرئاسة
اللبنانية في عهد ميشال عون كانت عنصرا سلبيا في مجال علاقات لبنان العربية
والدولية، لذلك فإن الفراغ القائم حاليا لن يؤثر سلبا في هذا المجال، ولعل حسن
الوصول إلى تفاهم حول شخصية الرئيس القادم بحيث تكون شخصية توافقية يمكن أن يُشكّل
مدخلا جيدا لإعادة علاقات لبنان الخارجية إلى مسارها الصحيح.
كيف تنظرون إلى الاتهامات
الموجّهة إلى نجيب ميقاتي بقبوله تعطيل صلاحيات الحكومة التي آلت إليها مجتمعة
صلاحيات رئيس الجمهورية؟
هذه الاتهامات جزء لا
يتجزأ من أدوات الابتزاز السياسي التي اعتاد كثير من السياسيين اللبنانيين أن
يستخدموها لتهييج الشارع وتعبئته طائفيا. والحقيقة أن نجيب ميقاتي ليس سبّبا في
تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، والدستور اللبناني هو الذي أعطى للحكومة اللبنانية
مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية في حالة الفراغ، واستخدام هذه الصلاحيات هو واجب
نجيب ميقاتي والحكومة وليس اختيارا، لأن مصالح المواطنين أو ما تبقّى منها مرتبط
بممارسة هذه الصلاحيات.
وأقول لك أكثر من ذلك
إننا نرى أن رؤساء الحكومة الذين واجهوا حالة الفراغ في رئاسة الجمهورية بالغوا في
تجنب ممارسة الصلاحيات التي أناطها بهم الدستور مراعاة لجو الاحتقان الذي يصنعه
السياسيون المسيحيون، وهذا بنظري ضعف وخضوع لا يحتمله الموقع الذي يمثلون، فضلا عن
أنه يفرط بمصالح الوطن والمواطن.
هل تعتقدون أن لبنان
ربما يكون بحاجة لإعادة النظر في حصص أو تمثيل الطوائف؟
للأسف سيبقى واقع
لبنان مرهونا لزعماء الطوائف الذين يتلطون خلف هذا النظام بحجة الدفاع عن الطائفة،
والحقيقة أنهم لا يدافعون إلا عن زعاماتهم، في حين يدفع المواطنون من كل الطوائف
ثمن هذا الصراع.
ولن تحل الأزمة من
خلال إعادة النظر في الحصص، وإنما الحل الجذري والوحيد هو بإلغاء المحاصصة
الطائفية والذهاب نحو الهوية الوطنية الجامعة التي بها تقوم الأوطان ويتساوى
المواطنون، لكن هذا الحل وللأسف الشديد ما تزال دونه عقبات كثيرة وكبيرة، منها ما
هو داخلي، ومنها ما هو محمي بإرادات خارجية.