مقالات مختارة

العراق: مصير الكاظمي ورجاله

1300x600

بعد أن انتهت ولايته، أين سيذهب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي؟ فمن غير المعقول أن يعود لعمله الأمني رئيسا لجهاز المخابرات العراقية. الرجل قفز قفزات غير متوقعة في حياته المهنية، من صحفي إلى باحث مع كنعان مكية في مؤسسة الذاكرة العراقية، إلى رئيس تحرير مجلة «الأسبوعية» التي أصدرها رئيس الجمهورية السابق برهم صالح، ليصل إلى منصب مهم واستراتيجي في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي اختاره نائبا لرئيس جهاز المخابرات، ثم رئيسا للجهاز في غضون أشهر قليلة، وقيل حينها؛ إن لعلاقة القربى التي ربطت العبادي بشقيق الكاظمي دورا في هذا الاختيار.


لقد ابتدأ محمد شياع السوداني ولايته بإلغاء كل القرارات التي أصدرها الكاظمي في السنة الأخيرة من ولايته القصيرة، إذ صوت مجلس الوزراء، يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، على إعفاء رائد جوحي من رئاسة جهاز المخابرات. ويعد جوحي أحد أبرز رجال الكاظمي؛ إذ عينه مديرا لمكتبه في حزيران/يونيو 2020، وكان قبل ذلك رئيسا لقضاة التحقيق في محكمة الجنايات العليا، ثم مفتشا عاما سابقا لوزارتي الدفاع والخارجية، وقد عينه الكاظمي رئيسا لجهاز المخابرات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته.


السوداني بدوره، علّق على قرارات تصفية الإدارات الحكومية من رجال الكاظمي بقوله: «هذا القرار بُني على قرار سابق أصدرته المحكمة الاتحادية سنة 2022، ونص على أن حكومة تصريف الأعمال، وحسب الدستور، لا تمتلك صلاحية إصدار أوامر تعيين، وإعطاء الموافقات، وعقد الاتفاقات والمعاهدات»، كما أوضح السوداني: «تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار لا يعد بأي حال من الأحوال خطوة في سياسية الاستهداف، أو الإقصاء لحسابات سياسية أو الانتقام من جهات محددة»، وأضاف: «لا يوجد لدى الحكومة العراقية أي إشكال مع الشخصيات التي تم إعفاؤها من منصبها، إنما هو شأن قانوني اتبعناه حيث يتم تركيز الاهتمام على تكييفه، بناء على ما ورد في الدستور وقرار المحكمة الاتحادية».

 

رؤساء الحكومات السابقة من إياد علاوي حتى عادل عبد المهدي، بقوا فاعلين في الساحة السياسية بعد انتهاء ولاياتهم الرئاسية، وأدوا أدوارهم رؤساء أحزاب، أو رؤساء كتل برلمانية، كما شغل بعضهم مناصب رسمية كنواب رئيس الجمهورية، لكن هذا الوجود كان بسبب كونهم قيادات حزبية، أما في حالة الكاظمي، فليس له حزب أو كتلة تقف وراء مشروعه، أو تيار يدعمه، ومن ثم هو اليوم خارج كل الحسابات السياسية، حتى أجل غير معروف.

 

عمل الكاظمي على ألا يحسب على جهة من الجهات المتنافسة، وبقي يسير طوال عهدته الرئاسية، على حبل مشدود بين صراعات الكتل

الكاظمي شغل منصب رئيس الحكومة كمرشح توافقي بين كتل الشيعة في البرلمان السابق، التي تنافست وانقسمت إلى تكتلين، ضم الأول دولة القانون والفتح بزعامة هادي العامري، بينما ضم الثاني "النصر وسائرون" بزعامة مقتدى الصدر، ولم يحسم الصراع بين تلك الكتل، ولم يقرر البرلمان ما هي الكتلة الأكبر التي تمتلك حق ترشيح رئيس الحكومة حينذاك، وبقيت الحالة مائعة.

 

وقد توافقت الكتل على اختيار مصطفى الكاظمي ليكون بديلا لعادل عبد المهدي، الذي أطاحت انتفاضة تشرين بحكومته، وقد عمل الكاظمي جاهدا على ألا يحسب على جهة من الجهات المتنافسة، وبقي يسير طوال عهدته الرئاسية، التي استمرت لسنتين ونصف السنة فقط، على حبل مشدود بين صراعات الكتل، واحتاج إلى الكثير من المرونة و«التطنيش» وتمرير الملفات ليستطيع البقاء في قصره الرئاسي.


كذلك تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الرجال المحيطين بالكاظمي والمستشارين الذين عينهم في إدارته، لم يكن لهم وجود سياسي فاعل سابقا، وقد حاولوا تسويق صورة زائفة في محطات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مفادها أن الكاظمي هو مرشح انتفاضة تشرين، دون وجود دليل على ذلك. لذلك تعرض الكاظمي ورجاله لمضايقات وشتائم وتخوين وتشويه سمعة من غرمائهم السياسيين، وبشكل خاص من التيارات الولائية المقربة من طهران، لكنهم كانوا محميين بطريقة ما بقوة رئيس الوزراء وصلاحياته. 


رجال الكاظمي اليوم من دون سند حكومي، أو قوة رئيس الحكومة التي يمكن أن تحميهم من انتقام خصومهم، فماذا سيفعلون؟ وأين سيذهبون؟ يمكننا قراءة تفاصيل الحملة التي تشن على الكاظمي ورجاله من تتبع التصريحات والتعليقات التي تطلق، إذ ما إن انتقلت السلطة إلى محمد شياع السوداني، حتى علت أصوات خصوم الكاظمي للنيل منه ومن رجاله، فقد صرحت النائبة عالية نصيف عضو لجنة النزاهة النيابية قائلة: «الكثير من المستشارين قد تورط بالفساد، ومن ثم فإن المفسد لا يمكن منحه مكافأة عند انتهاء مهامه في رئاسة الوزراء، بل ينبغي أن يتم إخضاعهم للتدقيق المالي قبل خروجهم من مستشارية رئاسة الوزراء»، مؤكدة أن «أكثر المستشارين قد تم اختيارهم وفقا لمجاملات سياسية وكونهم تابعين لبعض الأحزاب».

 

كما أشار النائب عن تحالف الفتح علي تركي، إلى أن «دور مستشاري رئيس حكومة تصريف الأعمال والدرجات العليا يكمن في التخطيط، أو التسهيل، أو تنفيذ جميع الصفقات الفاسدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وما زالت تظهر تباعا».

 

كما أن بعض التعليقات والتغريدات طالت مصطفى الكاظمي نفسه، إذ غرّدت النائبة حنان الفتلاوي قائلة: «رحلت غير مأسوف عليك. سيذكرك التاريخ بصفحاته السوداء أن أكبر سرقات للمال العام والنهب حصلت في وقتك». من جانبه، غرّد الإعلامي العراقي حسام الحاج قائلا: «انحنيت يا صديقي أمام السلاح والمال السياسي، وكنت طوق نجاة لنظام المحاصصة، الخوف والتردد أضعف الدور السياسي لحكومتك، صمتت تشرين بعهدك على أمل لم يتحقق، للأسف كانت تجربة فاشلة».

 

لقد تعرض الكاظمي سابقا إلى الكثير من موجات الشتم والاستهزاء، لكنه الآن يواجه اتهامات بالخيانة، والمطالبة بمحاسبته قضائيا، كما طالبت جهات ولائية مقربة من طهران بمنعه من السفر والتحفظ على أمواله المنقولة وغير المنقولة، لحين وقوفه أمام محكمة عراقية بتهمة الاشتراك في اغتيال أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني، عبر توفير المعلومات الاستخباراتية التي وفرها للأمريكيين، والتي مكنتهم من استهداف سيارة المهندس وسليماني في كانون الثاني/يناير 2020.

 

كما كشف النائب عن تحالف الفتح عدي عواد عن جمع 150 توقيعا لتقديم طلب إلى رئاسة البرلمان؛ لإصدار قرار منع سفر الكاظمي ووزراء حكومته ومستشاريه لحين إكمال جميع التحقيقات، خاصة في ما يتعلق بملفات الفساد في ميناء الفاو وسرقة أموال الضرائب والجمارك.


من جانب آخر، يرى البعض أن هذه المعركة ما تزال غير واضحة المعالم، إذ كتب عصام حسين مبينا وجهة نظر مختلفة، بقوله: «لحد هذه اللحظة، لا تزال حزمة الاتهامات الإطارية للكاظمي حبيسة التصريحات والتغريدات، لذلك عليهم بعد أكثريتهم البرلمانية والحكومية المريحة، أن يحولوا هذه الموسوعة من الاتهامات إلى ملفات برلمانية وقضائية، خصوصا أن الرجل رحل وسلمهم أعلى احتياطي مالي منذ عام 2003». كما أشار بعض المراقبين إلى نقطة مهمة في هذا الصراع، مفادها أن الكاظمي كان رئيسا لمؤسسة مهمة بالعراق هي جهاز المخابرات، ويمتلك من الملفات ما لا يمتلكه غيره، لذلك هناك ضغوط تمارس عليه من وراء الحملة الحالية، وربما إذا وصل الصراع إلى حد التفجر، فإن الكاظمي لن يسكت وسيكشف الكثير من الملفات المخفية؛ لأن الكل بات يعلم أن أحد أبرز آليات العملية السياسية في العراق هو التخادم وطمطمة ملفات الفساد بين الخصوم.

 

كما يرى بعض المراقبين أن ما يجري من حملة تشويه ضد الكاظمي ورجاله، هو نتيجة تقاربه مع التيار الصدري، خلال الأزمة التي اندلعت بين التيار والإطار، ومحاولة الكاظمي الحصول على ولاية ثانية، لاسيما أن زعيم التيار مقتدى الصدر طالب في إحدى تغريداته ببقاء الكاظمي في منصبه للإشراف على الانتخابات المبكرة المقترحة، لكن يبدو أن الكاظمي بقي وحيدا ومعزولا يواجه حملة قوى الإطار بعد انسحاب الصدر، لذلك يتوقع الكثيرون انتقال الكاظمي ورجالة إلى كردستان العراق، باعتبارها ملاذا آمنا بعيدا عن أيدي خصومهم حتى تنجلي العاصفة.