رسم خبير اقتصادي أمريكي بازر شكل الأزمة الاقتصادية التي ستضرب العالم خلال الفترة القليلة المقبلة، قائلا إن السياسيين المصابين بقصر النظر يتجاهلون العلامات التي تشير إلى مستقبل مختل وبائس.
وتوقع نورييل روبيني، في مقال له بصحيفة "الغارديان" ترجمته "عربي21"، أن يحصل ركود عالمي شديد، حيث تتسبب معدلات الدين المرتفعة ومعدلات الفائدة المتصاعدة في إحداث زيادة حادة في مشاكل خدمة الدين.
وأكد روبيني أن العجز عن سداد الديون سوف يصيب العائلات الكسولة والشركات والمؤسسات المالية والحكومات والبلدان، بينما تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة -وليس تخفيضها كما رأينا خلال العقود الأخيرة- من أجل محاربة التضخم.
اقرأ أيضا: أكبر خمسة معدلات ''تضخم مفرط'' شهدها الاقتصاد عبر التاريخ
وأضاف: "سوف يبدأ تسعير الاقتصاديات المتقدمة مثل بريطانيا، مثلها في ذلك مثل الأسواق الناشئة، وذلك على إثر السياسات الاقتصادية والمالية الكارثية، مثل تلك التي تبنتها حكومة تراس التي لم يطل بها المقام. وبما أن حقبة المال الزهيد قد ولت، فلسوف تنفجر فقاعات الأسهم الخاصة والعقارات والمشاريع الرأسمالية والعملات الرقمية".
وتاليا نص مقال الخبير نورييل روبيني:
يواجه العالم خلال العقود القادمة أخطاراً كبرى، من شأنها أن تهدد ليس فقط اقتصادنا العالمي وموجوداتنا المالية، ولكن أيضاً تهدد السلام والثراء.
في عالمنا السياسي المتحزب، حيث نركل العلبة في الطريق -نحن متحيزون لصالح التخطيط قصير المدى، تاركين التفكير حول المستقبل للآخرين- هذه الأخطار شيء مختلف. وإذ تترك لتنمو فإنها سوف تحول حياة الناس إلى ما هو أسوأ حول العالم. ولذلك فإن من مصلحة عموم الناس ألا يتم تجاهل هذه الأخطار من قبل قادتنا، بل ينبغي أن يُعترف بوجودها، وأن تؤخذ على محمل الجد، وعلى وجه السرعة.
بعض هذه الأخطار الكبرى ذات طبيعة اقتصادية، وإذا أردنا أن نكتفي بذكر ثلاثة منها فإليك هذه: هناك أولاً هاجس التضخم والركود المتزامن، ثم هناك جميع أزمات الديون التي وصلت فيها معدلات الدين الخاص والعام إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ثم لدينا مجاميع سكانية هرمة، الأمر الذي يهدد بانهيار أنظمة التقاعد والرعاية الصحية لدينا. قبل ثلاثة أعوام من الأزمة المالية في عام 2008، تنبأت بأن دوراتنا الفتاكة من الازدهار والإفلاس سوف تفضي إلى انهيار اقتصادي شامل. أخشى أننا نواجه الآن نفس المآل تارة أخرى.
إليكم الشكل الذي ستكون عليه الأزمة الاقتصادية هذه المرة. سوف يحصل ركود عالمي شديد -لا بالقصير ولا بالضحل- حيث تتسبب معدلات الدين المرتفعة ومعدات الفائدة المتصاعدة في إحداث زيادة حادة في مشاكل خدمة الدين. سوف يحيق العجز عن سداد الديون بالعائلات الكسولة كما بالشركات والمؤسسات المالية والحكومات والبلدان، بينما تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة -وليس تخفيضها كما رأينا خلال العقود الأخيرة- من أجل محاربة التضخم. ولسوف يبدأ تسعير الاقتصاديات المتقدمة مثل بريطانيا مثلها في ذلك مثل الأسواق الناشئة، وذلك على إثر السياسات الاقتصادية والمالية الكارثية، مثل تلك التي تبنتها حكومة تراس التي لم يطل بها المقام. وبما أن حقبة المال الزهيد قد ولت، فلسوف تنفجر فقاعات الأسهم الخاصة والعقارات والمشاريع الرأسمالية والعملات الرقمية.
ولكن لو تجاوزنا ذلك كله، فلسوف نجد أن أزماننا المضطربة سوف تجود علينا بأخطار كبرى جيوسياسية أوسع نطاقاً سوف تحدق بأسلوب معيشتنا. ليكن معلوماً أن رد الفعل العالمي ضد الديمقراطية الليبرالية وصعود الأحزاب السلطوية الراديكالية لليمين المتطرف ولليسار المتطرف مدفوع جزئياً بالارتفاع الحاد في الدخل وفي انعدام المساواة في توزيع الثروة. يشعر العمال بأنهم قد تم التخلي عنهم، بينما تكسب النخبة مزيداً من المال والنفوذ. سوف يتفاقم الأمر مع فقدان الوظائف، ليس بسبب التجارة والهجرة، وإنما لأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة سوف تفضي إلى بطالة تكنولوجية دائمة. وإذا ترك الأمر بلا قيد فلسوف يؤدي ذلك على وجه التأكيد إلى صعود مزيد من الأنظمة الشعبوية العدوانية والخطيرة إلى السلطة.
والأمر الأكثر إلحاحاً هو أن الصراع في أوكرانيا يزيد من مخاطر تجدد الحرب الباردة بين الغرب والقوى الأخرى مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية. وصلت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان إلى ذروتها في الشهور الأخيرة، ويمكن أن تشهد مزيداً من التصاعد. كما أن المخاطر المستمرة للصراع بين إيران وإسرائيل يمكن أن تقوض توازننا جميعاً.
ثم هناك الخطر الأكبر الأكثر إلحاحاً والأكثر واقعية من كل ما عداه، ألا وهو أزمة المناخ، والتي سوف تسبب كوارث اقتصادية وبشرية غير مسبوقة وغير قابلة للإيقاف فيما لو استمر تجاهلها، علماً بأنها أصبحت على مرمى حجر أو أدنى. ولا أدل على ذلك من أن الكوارث الطبيعية هذا العام وحدها تسببت في تهجير ما يقرب من مليون لاجئ مناخي. اجتاحت موجات الجفاف والحرارة المرتفعة الهند والباكستان وبلدان أفريقيا ما دون الصحراء، وكذلك المناطق الغربية من الولايات المتحدة. وهذه لا تزيد عن كونها علامات على ما هو آت، ومع ذلك لا يبذل الأقوياء ما يستحق الذكر لتفاديها ومعالجة تداعياتها، بل يكتفي معظمهم بالكلام، ولا ريب في أن معظم الاستثمارات لا تتجاوز مساعي تحسين الصورة وتبييض السمعة باسم البيئة، والتعبير عن المزيد من الأماني. وهذا ليس بالعمل الملح الملموس الذي نحتاج إليه.
ما هذه سوى بعض الإرهاصات الحالية التي تنذر بكثير من الشؤم القادم، المتمثل بأخطار كبرى أشد سوءاً وأكثر تهديداً خلال العقد القادم، وهي أخطار كبرى أرى قادتنا يتجاهلونها يوماً بعد يوم. لقد بات واضحاً، كما ينبغي له، أن الخمسة والسبعين عاماً الماضية من الهدوء النسبي غدت اليوم مهددة.
إليكم طريقاً واحداً محتملاً نحو مستقبل عالمنا: تتجلى هذه المخاطر ويتغذى بعضها على بعض ضمن دورة مدمرة، تفضي إلى فوضى اقتصادية وانعدام استقرار وانهيارات، وصراع أسوأ مما نشهده حالياً. ولكن هناك مستقبل آخر أقل اختلالاً: إنه المستقبل الذي يشهد تعاوناً من قبل السياسيين على الصعيدين المحلي والدولي لتبني سياسات سليمة، وحلول تضمن استمرار نصف قرن من السلام والثراء، رغم ما فيه من مطبات.
من المهم أن يدرك قادتنا وجود مثل تلك الأخطار الكبرى، حتى يتمكنوا من التصدي لها وعلاجها قبل فوات الأوان. ولكن طالما ظلت السياسة المستقطبة والعاجزة والتنافسات الجيوسياسية الحادة تمنع التعاون الدولي المطلوب بإلحاح، فإن الطريق المختل يبدو الأكثر احتمالاً.
"بيلد": الحكومة الألمانية تتوقع ركود الاقتصاد عام 2023