بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، قُدم طعن في هذه النتائج إلى المحكمة الاتحادية العليا، وأصدرت الأخيرة قرارا باتا وملزما للسلطات كافة بالرقم 159/ اتحادية/2021، يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، تجاهلت فيه متن الطعن الذي يشكك في نزاهة النتائج النهائية للانتخابات، ولكنها اهتمت، في الوقت نفسه، بشأن تفصيل هامشي ورد في الطعن فأصدرت فيه «أمرا» للسلطة التشريعية مع أنه لم يكن ذلك من اختصاصها أو صلاحيتها!
جاء في عريضة الدعوى المقدمة للمحكمة الاتحادية بخصوص عدم المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات أن «المفوضية أعلنت نجاح المحاكاة الثانية والثالثة خلافا لما جاء في التقرير رقم 3 للشركة الفاحصة، وأن تقرير الشركة الفاحصة تضمن وجود مخالفات تتيح عملية التلاعب والتزوير، حيث لم يتم تحميل جميع بصمات الأصابع الخاصة بالناخبين على قاعدة البيانات قبل الانتخابات، وبالتالي لا يمكن مطابقة بصمات الأصابع مع الخزين المتوفر في قاعدة البيانات، وأن الشركة الفاحصة قدمت طلبا إلى المفوضية للحصول على البرامج النهائية وإصداراتها قبل الانتخابات.
لكن المفوضية لم تستجب لذلك وامتنعت عن تمكين الشركة الفاحصة بمقياس التمثيل الرقمي لبصمات الأصابع والتخزين الذي تعمل به المفوضية، وأن الشركة الفاحصة أوصت المفوضية بعدم تخزين البرامج والأنظمة وتجميدها قبل 6 أسابيع من الانتخابات، إلا أن المفوضية قامت بتحديث البرمجيات الخاصة بتسريع النتائج والتحقق ولم تُشعر الشركة بذلك، ووجود أجهزة اتصال مفعلة في جهاز التحقق، وأن المفوضية خالفت أحكام المادة 38/ سابعا من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020 بعدم تسليم وكلاء الكيانات السياسية في يوم الاقتراع أشرطة النتائج والصور الضوئية لاستمارات الاقتراع».
مفوضيات الانتخابات المتعاقبة في العراق، كانت مجرد ممثليات للفاعلين السياسيين المهيمنين على مجلس النواب
وبدلا من أن تنظر المحكمة في هذه الاتهامات الخطيرة التي تشكك في مصداقية مفوضية الانتخابات، ومن ثم في نتائج الانتخابات ككل، قالت المحكمة في قرارها إن «كل ما تم ذكره يتصل مباشرة بإجراءات العملية الانتخابية، وإن مجلس المفوضين هو المختص بنظرها وتكون قراراته قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية للانتخابات»، وإن اختصاصها بالنسبة لتصديق النتائج النهائية حصرا، وإن المختص بالنظر في هذه الاعتراضات هي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والهيئة القضائية حصرا!
وما قالته المحكمة الاتحادية هنا هو محض تدليس؛ فقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 31 لسنة 2019، يقرر في المادة /19 أولا وثانيا أنه «يتمتع مجلس المفوضين بسلطة البت في الشكاوى المقدمة إليه»، وأنه «لا يجوز الطعن بقرارات مجلس المفوضين إلا أمام الهيئة القضائية للانتخابات في الأمور المتعلقة بالعلمية الانتخابية حصرا»!
فيما تقرر المادة 20/ أولا أنه «للحزب السياسي أو المرشح الطعن بقرار مجلس المفوضين خلال ثلاثة أيام تبدأ من اليوم التالي لنشره»!
وكما هو واضح فإن الطعون إنما تتعلق بقرارات المفوضية المعلنة وليس بإجراءاتها، وبالتالي ليس ثمة جهة تنظر في المخالفات التي ترتكبها المفوضية العليا للانتخابات فيما يتعلق بتلك الإجراءات، وهو ما يجعل المحكمة الاتحادية العليا هي الجهة الوحيدة التي يمكنها النظر في هذه المخالفات التي لها علاقة مباشرة بالتأثير على نتائج الانتخابات بالتلاعب أو التزوير!
ومن المعلوم للجميع أن مفوضيات الانتخابات المتعاقبة في العراق، بداية من المفوضية الثانية التي تم تشكيلها في العام 2007، وصولا إلى المفوضية الأخيرة التي شُكلت عام 2020، كانت مجرد ممثليات للفاعلين السياسيين المهيمنين على مجلس النواب، ولم تكن مفوضيات مستقلة كما يشترط الدستور! وبالتالي فإن وجود معلومة خطيرة لدى هذه الأحزاب بأنه لم يتم تحميل جميع بصمات الأصابع الخاصة بالناخبين على قاعدة البيانات قبل الانتخابات، وأنه لا يمكن مطابقة بصمات الأصابع مع الخزين المتوفر في قاعدة البيانات، وبأن ثمة أجهزة اتصال مفعلة في أجهزة التحقق تتيح القرصنة، ستسمح لتلك الأحزاب استخدام القرصنة لتزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها!
في المقابل كانت المحكمة الاتحادية حريصة على تجاوز اختصاصاتها وصلاحياتها عندما أفتت في القرار نفسه: «وتجد هذه المحكمة بوجوب حصول تدخل تشريعي من قبل مجلس النواب القادم لتعديل قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لعام 2020 واعتماد نظام العد والفرز اليدوي بدلا عن العد والفرز الالكتروني إذ إن أساس نجاح الانتخابات وترسيخ مبدأ الديمقراطية عن طريقها يعتمد على ثقة الناخب بمصداقيتها ونزاهتها»! فهذه المسألة هي خيار تشريعي تمتلكه السلطة التشريعية حصرا، وخيار فني تمتلك المفوضية العليا للانتخابات وحدها صلاحية اقتراحه وفقا لقانونها الذي أعطاها سلطة «وضع الأنظمة والتعليمات المعتمدة في الانتخابات»، وليس من اختصاص المحكمة الاتحادية التدخل فيه من الأصل!
في مقال سابق بعنوان «عن المحكمة الاتحادية التي لا يعوَّل عليها» قلنا إن المحكمة الاتحادية العليا القائمة حاليا ليست شرعية من وجهين؛ الأول بأنها محكمة لا علاقة لها بالمحكمة العليا التي وصفها الدستور بنيةً وصلاحيات، والثاني بأنها تشكلت عام 2019 من خلال ترشيح مجلس القضاء الأعلى لقضاتها في مخالفة صارخة لقرار بات وملزم للسلطات كافة للمحكمة الاتحادية نفسها صدر في العام 2019 (القرار 38/ اتحادية/ 2019)، ثم أكدته في قرار لاحق (القرار 63/ اتحادية/ 2019)، أفتى بأن الدستور لم يعط لمجلس القضاء الأعلى اختصاص ترشيح قضاة المحكمة الاتحادية لهذا قررت إلغاء النص الذي ورد في قانون مجلس القضاء الأعلى بشأن ذلك، ولكن تواطؤا صريحا بين مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى «أطاح» بقرار المحكمة الاتحادية ذاك! وقلنا أيضا إنها تحتكم في قراراتها إلى علاقات القوة وعلاقاتها المباشرة بالفاعلين السياسيين أكثر من احتكامها إلى الدستور، وأنها، بذلك، لم تعد تصلح أن تكون حكما!