ملفات وتقارير

ماذا وراء تأجيل الجيش المصري طرح شركتين بالبورصة؟

باحث قال إن الإمارات تلعب دورا كبيرا في الضغط على نظام السيسي من أجل السماح للجيش بطرح بعض شركاته- أرشيفية

تراجعت السلطات المصرية، مجددا، عن الوفاء بتعهداتها بطرح بعض شركات القوات المسلحة ضمن إمبراطوريتها الاقتصادية في البورصة، بدعوى أن السوق غير مستقر، ما أثار تساؤلات حول حقيقة تأجيل الطرح وعلاقته برفض قيادات عسكرية في الجيش التفريط في شركات المؤسسة.


وكشف المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، مطلع الأسبوع الجاري في تصريحات متلفزة، أن ظروف البورصة غير مواتية لطرح شركتي صافي ووطنية التابعتين للجيش خلال العام الجاري، وينظر البعض إلى الصندوق السيادي باعتباره إحدى أذرع الجيش الاقتصادية الجديدة.


وكانت الحكومة المصرية وافقت، في تموز/ يوليو الماضي، على تأهيل الشركتين للطرح في البورصة بعد 3 أعوام من إعلان رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي طرح شركات تابعة للجيش في البورصة، ضمن خطة الدولة للمشاركة المجتمعية في هذه الشركات، وتوسيع دور القطاع الخاص بناء على مطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات مالية دولية أخرى.


وشركة "وطنية" هي إحدى الشركات المتخصصة في بيع وتوزيع المنتجات البترولية، والشركة الوطنية للمشروعات الإنتاجية "صافي" لإنتاج وتعبئة المياه المعدنية والزيوت النباتية، وكلتاهما تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش.


وأعلن السيسي، في نيسان/ أبريل، أن الحكومة ستجمع 40 مليار دولار على مدى أربع سنوات من خلال بيع أصول مملوكة للدولة، وقال إنها ستبدأ ببيع حصص الشركات العسكرية في البورصة "قبل نهاية السنة"، في خطوة لم تترجم بعد على أرض الواقع.


مقاومة بالجيش


في غضون ذلك، قال الكاتب البريطاني أندرو إنغلاند، بمقال في صحيفة فايننشال تايمز، إن السيسي يواجه مقاومة من داخل المؤسسة العسكرية من أجل تقليص دور الجيش في الاقتصاد، في محاولته للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد.


وقال الكاتب في مقاله، إنه في حال مارس السيسي ضغوطا أكبر على الجيش، للابتعاد عن الاقتصاد، فإن هذا سيواجه بغضب من طرفهم في حال اقترب من مكاسبهم.


في حين قال جيسون توفي من شركة كابيتال إيكونوميكس: "لن يتخلى الجيش عن مصالحه بسرعة كبيرة، وعلينا أن نتذكّر أن الجيش قريب جدًّا من السيسي، وقد يضغط عليه إذا شعر أن مصالحه تتعرض لضغوط".

 

اقرأ أيضا: حصري: ضباط مصريون سابقون يعلنون مشروعا جديدا للتغيير

إلى جانب ذلك، قال مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات الدوليّة، إن تقليص دور الجيش "سيتطلب إعادة توصيل وإعادة ترتيب لأجزاء كبيرة من الاقتصاد"، مضيفا: "وهذا الأمر صعب".


غضب في المخابرات


بالتزامن، كشف موقع "أفريكا إنتلجنس" الاستخباراتي الفرنسي أن 6 ضباط كبار من جهاز المخابرات المصرية تقدموا باستقالاتهم، بسبب سياسة التقشف التي يقودها السيسي.


وقال الموقع إن الضباط تقدموا باستقالاتهم يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في أعقاب اجتماع مع رئيس المخابرات عباس كامل، في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات ضد ترشيح عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية لعام 2024.


وبحسب "أفريكا إنتلجنس"، استقال الضباط بسبب تجاهل السيسي للتقارير المتكررة حول تأثير السياسات الاقتصادية التي ينتهجها، بحسب الموقع الذي أكد أن عباس كامل اتصل بالسيسي خلال الاجتماع، فيما استهان رئيس النظام بمخاوف اللواءات من حالة السخط في الشارع.


وقال الموقع إن هذه ليست المرة الأولى التي يغضب فيها قادة المخابرات العامة من قرارات السيسي، إذ انزعجوا من بيع أصول الدولة حول قناة السويس الاستراتيجية للمستثمرين الإماراتيين.


المؤسسة العسكرية


الباحث المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية والدراسات الأمنية ومدير وحدة الرصد والتوثيق في المعهد المصري للدراسات، محمود جمال، أكد بدوره أن "سبب تأجيل طرح الشركتين هو ممانعة المؤسسة العسكرية لهذا النهج، ما يفقدها سيطرتها على مفاصل الاقتصاد شيئا فشيئا".


وأضاف لـ"عربي21" أن "هناك حالة تململ بالجيش من ضغوط صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، إلى جانب دولة الإمارات، لإتاحة بعض شركات الجيش للقطاع الخاص أو الطرح في البورصة، وهذا ما يرفضه قطاع مؤثر في المؤسسة العسكرية، وما يحدث هو أن السيسي يناور، رغم أنه أعطى تعهدات بذلك، ولكن لن يستطيع".


وأعرب جمال عن اعتقاده بأن "الجيش يظهر مقاومة في التخلي عن بعض شركاته، حتى لا تتم مطالبته مستقبلا بالتخلي عن المزيد، ولكنه في نهاية المطاف قد يتنازل عن تشدده بشكل مؤقت"، مشيرا إلى أن "السيسي في حجر الزاوية.. إما أن يرضي داعمه ومموله الإماراتي لاستمرار الدعم أو إرضاء الجيش حتى لا يطيح به، والعاملان مهمان للسيسي، لكن الجيش لن يتخلى عن امتيازاته".


ضغوط إماراتية


من جهته، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "ضغوط الجيش هي وراء تأجيل طرح الشركتين، رغم عدم أهميتهما الاستراتيجية لاقتصاد الجيش، لكنها رسالة إلى الخارج بأنه لن يفرط في شركاته بسهوله".


وفند في تصريحات لـ"عربي21" مزاعم صندوق مصر السيادي بأن تردي أوضاع البورصة هي السبب وراء تأجيل الطرح، رغم مرور 3 سنوات على مثل تلك الوعود وأكثر، وقال: "مسألة ضعف سوق المال ليست بجديدة، هي الشماعة والمبرر للرأي العام، وحتى يعطي رسالة بأن يحافظ على مقدرات الدولة ومؤسستها العسكرية، وهي مناورة لا أكثر".


وذهب إلى القول إن "الإمارات تلعب دورا كبيرا في الضغط على نظام السيسي، إلى جانب صندوق النقد الدولي، من أجل السماح للجيش بطرح بعض شركاته في الجيش المصري، وتخفيف قبضته الحديدية على مفاصل الاقتصاد، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص والمواطنين".