رئيس البرلمان المصري السابق ارتكب جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء تستوجب السجن و"البرلمان" لم يعد "سيد قراره"
"السيسي" فرض علينا قانون السلطة القضائية المعدل وجعل تعيين رؤساء الهيئات القضائية في يده "بشكل مطلق" بالمخالفة للأعراف القضائية ودون موافقتنا
لم نكن نملك الرفض والتصعيد لأننا لسنا رجال سياسة.. وأرسلنا مذكرة اعتراض رسمي للبرلمان ولم يأخذ بها
قانون الإجراءات الجنائية المصري الحالي "لا يحقق العدالة".. والبرلمان الحالي "ملزم دستوريا" بتغييره خلال العام المقبل
كشف المستشار عادل الشوربجي النائب الأول للمجلس الأعلى للقضاء والنائب الأول لرئيس محكمة النقض الأسبق في حوار خاص لـ "عربي21" عن أسرار وأزمات خاصة وصراعات شهدها القضاة مع رأس النظام عبد الفتاح السيسي والبرلمان، وغيرها من الأسرار والتفاصيل الهامة.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
في البداية وبحكم اطلاعكم على القانون والدستور المصريين وكأحد القضاة المشاركين في طرح مقترحات دستور 2014 هل هناك تعديلات منتظرة في القوانين المصرية؟
نعم البرلمان ملزم بإجراء تعديلات على قانون إجراءات الطعن أمام محكمة النقض بحد أقصى نهاية عام 2013، لأن الدستور المفعل وهو دستور 2014 نص بشكل واضح على إجراء تعديل على هذا القانون خلال 10 سنوات، بحد أقصى، أي أنه مع بداية عام 2014 يجب أن تكون هذه التعديلات قد تمت.
كيف ترى إجراء تعديل قانون إجراءات الطعن أمام محكمة النقض، الذي جعل "النقض" على مرحلة واحدة؟
المتهم كان سابقا يمر على 5 مراحل للتقاضي فقلصت إلى مرحلتين فقط، حيث كان في البداية محكمة الجنايات تصدر حكمها، والمتهم يطعن بالنقض إذا لم يرتض الحكم، لتقوم بدورها محكمة النقض إذا قبلت الطعن بإعادة القضية مرة أخرى إلى محكمة الجنايات بدائرة أخرى مغايرة للتي أصدرت حكم أول درجة، لتصدر حكمها، وإذا لم يرتضه المتهم يطعن مجددا بالنقض وإذا رأت المحكمة قبول الطعن فهنا تتصدى للقضية وتصدر حكمها، لتكون بذلك 5 مراحل، أما الآن فمرحلة الجنايات ثم مرحلة النقض التي تتصدى بشكل مباشر للقضية إذا رأت قبول الطعن، ومن ثم قلصت عملية المحاكمة إلى درجتين حقيقيتين.
وهذا التعديل تم ونفذ اعتبارا من 1 أيار/ مايو 2017 وأنا كنت في الخدمة وقتها وكانت أمامي قضايا أصدرت الحكم فيها، والحقيقة أن التعديل تضمن أن القضية عندما تعرض على محكمة النقض تفصل فيها إما بالرفض وتأييد الحكم، أو بالقبول أي "نقض الحكم" وتفصل فيها مباشرة وتتصدى للقضية وتصبح محكمة موضوع ولا تعيد القضية إلى محكمة الجنايات مرة أخرى.
وأقولها بصراحة ووضوح فإن الوضع الحالي للقانون المصري "لا يحقق العدالة" وأثر بالسلب على مصلحة المتهم، لأن العدالة تحتاج لمزيد من الفرص للمتهم.
ما هي التعديلات الجديدة التي يحتاجها قانون الطعن أمام محكمة النقض لتدارك الأمر؟
كان يتعين على المشرع عندما يجعل النقض على مرحلة واحدة أن يصبح الاستئناف على درجتين، أي أن محكمة الجنايات تصدر حكمها فإذا لم يرتضه المتهم يطعن بالاستئناف على الحكم ثم يطعن بالنقض على الحكم ويكون على درجة واحدة، وهذا كان يكفي.
إلا أن المشرع جعل الطعن بالنقض على درجة واحدة ولم يجعل الاستئناف على درجتين ولم يعرض أو يتدخل لجعل الاستئناف على درجتين، رغم أن الدستور الأخير المطبق وهو دستور 2014، تضمن أنه يتعين على المشرع أن يجعل الجنايات على درجتين في خلال 10 سنوات ويلزمه بذلك، والغريب أننا قاربنا على انتهاء العشر سنوات دون أن تتم التعديلات.
كان هناك رفض معلن من قبل الهيئات والجهات القضائية على تعديل قانون السلطة القضائية الذي أصدره رئيس الجمهورية وتحديدا في آلية اختيار رؤساء الهيئات القضائية وجعل الاختيار في يده منفردا؟ فما هو موقفكم منها وما هي الإجراءات التي اتخذتموها في هذا الوقت؟
القاعدة العامة أن كل ما يتعلق بالسلطة القضائية سواء بالسلطة ذاتها أو القوانين المطبقة يتعين قبل إصدارها أن يؤخذ رأي مجلس القضاء الأعلى، وبالفعل عرض هذا التعديل على مجلس القضاء الأعلى وأصدر رأيه بخصوصه بكل صراحة وكان بالرفض، وأرسلنا رأينا هذ في مذكرة إلى مجلس النواب.
إلا أننا فوجئنا بالإصرار على تمرير القانون وفرض رئيس الجمهورية التعديلات علينا كقضاة في كافة الهيئات والجهات القضائية، وهو ما أحدث حالة غضب كبيرة لدى القضاة خاصة بعد تطبيقه بالفعل وتجاوز الأقدمية في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وهو العرف القضائي الراسخ منذ القدم ولم يجرؤ أي رئيس أو حكومة أو برلمان سابق على تعديله.
اقرأ أيضا: هل يدفع "تعويم الجنيه" عموم المصريين للنزول في "11/11"؟
لماذا لم يتم الاعتراض على القرار واتخاذ مواقف بشأنه؟
طرحنا في اجتماع مجلس القضاء الأعلى الأزمة وكافة وسائل التصعيد وكان من بينها الإضراب عن العمل وفقا للدعوات التي أطلقها قضاة وقتها بسبب حالة الغضب.. إلا أننا وجدنا أن اتخاذ مثل هذه الأمور يعد من قبيل "الحراك والعمل السياسي" ونحن قضاة لا نمارس السياسة في عملنا ولسنا رجال سياسة، ومن ثم تم التراجع عن هذا المقترح بالتصعيد.
وهناك قضاة ممن تم تخطيهم في قرار الأقدمية والتعيين كرؤساء للهيئات القضائية قرروا سلك طريق التقاضي، وأقاموا دعاوى قضائية ضد رئيس الجمهورية وقرار تخطيهم في التعيينات كرؤساء للهيئات والجهات القضائية، لأننا نحن كرجال قضاء نعلم حدودنا بأننا لسنا رجال سياسة وملزمون بتطبيق القوانين التي تصدر حتى وإن فرضت علينا وكانت ضد الأعراف وضد رغبتنا ورغم رفضنا لها.
هل تم التواصل مع أي قيادات في الدولة أو أحد القائمين على هذه التعديلات أو رئيس الجمهورية من أجل حثهم للعدول على هذه التعديلات؟
لم نتواصل بشكل مباشر مع رئيس الجمهورية.. والتواصل مع قيادات الدولة لحثهم للعدول على هذه التعديلات كان من خلال تواصلنا مع مجلس النواب المصري، حيث أرسلنا له مذكرة اعتراض ورفض رسمي على هذه التعديلات، بحكم أن البرلمان هو من يخرج القانون.
بمناسبة انعقاد البرلمان مع بداية الشهر الجاري تشرين الأول/ أكتوبر 2022 صدر حكم الأسبوع الماضي بتعويض قدره 2 مليون جنيه لصالح "عمرو الشوبكي" لعدم تنفيذ حكم يقضي بأحقيته بدخول البرلمان في الدورة السابقة.. كيف ترى الحكم؟
حكم التعويض هو شق مالي حكم لصالح "عمرو الشوبكي" ولكن هناك شق جنائي يستوجب الحبس للامتناع عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ يفترض ضد رئيس البرلمان السابق الدكتور علي عبد العال، لعدم تنفيذه حكما نهائيا باتا واجب النفاذ بأحقية "عمرو الشوبكي" في دخول البرلمان بدلا من "أحمد مرتضى منصور"، خاصة أن رئيس مجلس النواب وقتها أخطر بالحكم بشكل رسمي وقانوني وامتنع عن التنفيذ، وحكم التعويض المالي أكد جريمة الامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي.
وللتوضيح فإن الطعون الانتخابية عبارة عن نوعين من الطعون، طعن في صحة العضوية أي الطعن في صحة ترشح العضو الفائز وهذا لم يصدر قرار من محكمة النقض بشأنه، وطعن في نتيجة الفرز والتصويت وعدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح، وهذه قاعدة عامة في جميع الطعون، وفي حالة الطعن الذي نحن بصدده، فقد قامت محكمة النقض بإعادة الفرز، وانتهت إلى أن المرشح الخاسر وهو "عمرو الشوبكي" حصل على أصوات أكثر من المرشح الذي أعلن نجاحه وقتها وهو "أحمد مرتضى منصور"، أي بأحقية "الشوبكي" في المقعد، وهو حكم واجب النفاذ، ولم ينفذ.
لكن رئيس البرلمان وقتها أعلن عدم تنفيذ الحكم بدعوى أن مجلس النواب هو "سيد قراره".. فما صحة ذلك؟
طبقا لقانون مجلس النواب الحالي فالحكم الصادر واجب النفاذ منذ صدوره، وقانون مجلس النواب الحالي لم تعد كلمة "سيد قراره" موجودة فيه، أي أن مجلس النواب لم يعد "سيد قراره" وأي دعوى لعدم تنفيذ حكم النقض الواجب النفاذ بسبب أن مجلس النواب سيد قراره غير صحيحة.