نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للعقيد السابق في الجيش الصيني جو بو، قال فيه؛ إن علاقة الصين القريبة مع روسيا يضعها في موضع جيد للتوسط.
وتساءل جو، الزميل حاليا في مركز الأمن الدولي والإستراتيجية بجامعة تسينغوهاو: هل سيستخدم بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا؟ وأجاب أن هذا السؤال لا يهم فقط أوكرانيا أو أوروبا، بل والصين.
ولهذا السبب تحركت بكين بحذر بين روسيا شريكتها الاستراتيجية، وأوكرانيا شريكتها التجارية. وشكر الرئيس فلاديمير بوتين الصين في قمة سمرقند التي عقدت الشهر الماضي على "موقفها المتوازن" من النزاع في أوكرانيا. وفي حال قررت موسكو استخدام أسلحة نووية تكتيكية، فلن تواصل بكين التمسك بهذا الموقف المتوازن.
ففي إعلان مشترك بين بكين وكييف عام 2013، نص على موافقة الصين بعدم استخدام أو التهديد باستخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا، والأهم من هذا، تقديم التطمينات الأمنية حال تعرضت لتهديد من طرف ثالث.
اقرأ أيضا: روسيا: ملتزمون بـ"بيان الحرب النووية".. و200 ألف مجند جديد
ومن هنا، فزيادة بوتين خطابه بشأن السلاح النووي أدى لرفع الرهانات الصينية. وقال في الشهر الماضي؛ إنه مستعد للدفاع عن "وحدة الأراضي الروسية" بكل الوسائل. لو واصل الجيش الروسي مواجهة المتاعب في ساحة المعركة، وبخاصة في المناطق مثل خاركيف التي استعادت القوات الأوكرانية الأراضي التي خسرتها، فاحتمالات لجوء روسيا لنشر صواريخ نووية تكتيكية ستزداد.
وتجنبت الصين حتى الآن تقديم أي شكل من الدعم العسكري لروسيا، ونظرا لموضعها المهم والاستثنائي بالنسبة للعلاقة مع روسيا، فهي في وضع جيد لكي تمنع اندلاع حرب نووية. وعليها أولا أن تدعو موسكو للالتزام بالبيان المشترك لخمس دول نووية في كانون الثاني/يناير، وأن "الحرب النووية لا يمكن الانتصار بها ويجب عدم شنها".
وتملك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم، وتهديد أوكرانيا التي وافقت على التخلي عن أسلحتها النووية، شوه سمعتها. وسيكون من المروع حقا لو اتبع بوتين تهديده ضد المدنيين الأوكرانيين الذين وصفهم في السابق بأنهم "من الناحية العملية شعب واحد" مع الروس.
الأمر الثاني، على بكين التوضيح أن استخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة سيضع الصين في وضع صعب. فقد التزمت الصين بسياسة " عدم الاستخدام الأول" للسلاح النووي ولأكثر من نصف قرن.
وفي الوقت الذي تغيرت فيها السياسات الدفاعية الأخرى، إلا أن الصين تفتخر بنفسها وأن لديها استراتيجيات نووية ثابتة وواضحة بين الدول النووية الأخرى. وآخر شيء تريده بكين علاقات متوترة مع العواصم الأوروبية. ففي الوقت الذي تزيد فيه الولايات المتحدة من تنافسها مع الصين، فإن الدول الأوروبية لا تتخذ الموقف الأمريكي نفسه في كل الوقت. واعترف بوتين أن الصين لديها "أسئلة ومظاهر قلق" حول الغزو الروسي، ولو استخدم السلاح النووي فسيكون رد بكين أبعد من القلق والأسئلة.
اقرأ أيضا: صحيفة: أوروبا أمام خطر اندلاع حرب كبرى بعد تهديدات بوتين
فهل ستظل الصين محايدة في ظل الشجب الدولي ضد روسيا؟ وهل ستمتنع بكين عن التصويت في قرار بمجلس الأمن يشجب التصرف الروسي؟
وأخيرا، يمكن للصين العمل على التوسط في صفقة بين روسيا والناتو. ويمكن للأخير مثلا تقديم وعد بوقف كل خطط التوسع مقابل موافقة موسكو على عدم استخدام الأسلحة النووية. وتنازل كهذا قد يحفط ماء الوجه للطرفين. ففي عام 1962 في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، توصل الرئيس الأمريكي جون أف كيندي والزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف إلى الاتفاق نفسه: يتعهد السوفييت بفك الصواريخ الباليستية في كوبا، مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا مرة ثانية. ووافقت أمريكا سرا على تفكيك نظام الصواريخ المتوسطة المدى، جوبيتر الذي نشرته في تركيا لاستخدام محتمل ضد روسيا.
وربما وجد بوتين في هذا الخيار مخرجا يمكن التفكير به، ذلك أن مظهر القلق الأول له وهو توسع حلف الناتو. وهو خيار يستحق التفكير من الناتو أيضا. فتوسع الحلف الذي جاء رغم تحذيرات الكرملين، ساعد على دفع أوروبا إلى حافة الحرب النووية. وكان بوتين محقا في التوصل لنتيجة أن هذه الحرب ليست بين روسيا وأوكرانيا بل بين روسيا والغرب. وكبادرة حسن نية، يمكن للناتو التعهد بعدم استخدام السلاح النووي أولا ضد روسيا، أو داخل مجال تأثير موسكو.
وفي فيلم وثائقي عام 2018 تساءل بوتين: " لماذا نريد عالما ليست روسيا فيه؟"، والسؤال الآخر: "ولكن أين روسيا بدون العالم؟". لو فتح بوتين صندوق باندورا للمتاعب واستخدم السلاح النووي الذي ظل مغلقا طوال الحرب الباردة، فستكون لحظة حماقة لا نهاية لها. ويمكن أن تساعد الصين العالم بتحذير بوتين ألا يستخدم الأسلحة النووية.
CNN: ما وراء تناقض الموقف الهندي من غزو أوكرانيا؟
ذا هيل: هذه مخاطر "الحرب الباردة الجديدة" ضد روسيا والصين
FP: ماذا وراء اعتراف طاهي بوتين بعلاقته مع "فاغنر"؟