قال أستاذ القانون الدستوري، ومنسق حركة "مواطنون ضد الانقلاب" في تونس، جوهر بن مبارك، إن "الأشهر القليلة القادمة يمكن أن تشهد خلق واقع سياسي جديد تتغير فيه راديكاليا موازين القوى في البلاد"، مشيرا إلى أنهم نجحوا في "كسر سردية الانقلاب، وحشره في زاوية سياسية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "نحن الآن أمام حالة غليان كبيرة داخل الشارع السياسي والاجتماعي، وعندما يلتحم الشارع السياسي الرافض للانقلاب مع الشارع الاجتماعي المطالب بالكرامة والعيش الكريم يمكن الحديث عندها عن إسقاط فعلي لسلطة الانقلاب".
وأكد أن "هناك حملات إعلامية وسياسية مسعورة جدا تستهدف شيطنة المعارضة، وخاصة جبهة الخلاص الوطني وقياداتها. هذه الحملات تتحسب ليوم سقوط الانقلاب، وتخشى من الدور الذي يمكن أن تلعبه جبهة الخلاص باعتبارها اليوم هي القوى السياسية الرئيسية على الأرض، وهذا يأتي ربما تحضيرا وتعبيدا للطريق لمرحلة ما بعد الانقلاب".
وأشار "بن مبارك"، وهو قيادي بارز في جبهة الخلاص الوطني، إلى أن "هناك قوى إقليمية تقف خلف الحملات التي تستهدف المعارضة التونسية، وهذه القوى تتمثل في الأنظمة المصرية والسعودية والإماراتية، وبعض الدوائر الفرنسية، وذلك بهدف تعطيل وإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى تعديل القانون الانتخابي للمرة الثانية في أقل من شهر واحد؟
هذا تواصل للعبث التشريعي الذي دخلت فيه تونس منذ إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021. وهي أيضا محاولة من قيس سعيّد لاستيعاب الأزمة التي بدأت تلوح في الأفق الخاصة بعجز أنصاره وأنصار المسار الانقلابي عن تقديم الترشحات، نتيجة الشروط المكثفة والمجحفة التي وضعها في المرسوم الانتخابي.
كما وُضعت هذه التعديلات على مقاس سعيّد ومؤيديه، انطلاقا من اعتبارات الانفراد الكامل بالسلطة لحسابات سياسية ضيقة سواء تخصه أو تخص المجموعات الداعمة لمساره.
هل هذه التعديلات التي تم إدخالها على المرسوم الانتخابي أشبه بالتعديلات التي جرت على الدستور الجديد؟
هي في نفس منطق الاستفراد بالسلطة وقدرة الرئيس على أن يُغيّر كل قواعد اللعبة متى وكما شاء وبالطريقة التي يشاء. هذه لعبة مزيفة، وهذا عنوان آخر لهذا التزييف. اللعبة مزيفة بالكامل، لأن قواعدها تُضبط من طرف أحد اللاعبين فيها، وتتغير بتطور اللعبة والنتائج.
قيس سعيّد أخفق في أن يُمرر مشروع دستوره بالإرادة الشعبية التي تعطي للنص المشروعية، رغم أنه قدّم نسخة انفرادية ثم قام بتعديلها بشكل انفرادي، ورغم ذلك لم يستطع الحصول على دعم شعبي كبير في الاستفتاء، حيث لم تصل نسبة المشاركة في العملية إلى أكثر من ربع الجسم الانتخابي.
اليوم، وقبل أقل من شهرين من إجراء العملية الانتخابية، هو يحاول إنجاح العملية الانتخابية بتغيير القواعد وملاءمتها لتطور الأحداث. لكن هذا عبث تشريعي فجّ بأتم معنى الكلمة، ولم تشهد له تونس في تاريخها مثيلا، بل إنه لا يوجد لهذا أي مثيل في العالم.
هل هناك حالة رفض واسعة للمرسوم الانتخابي أم لا؟
هناك حالة رفض واسعة لفكرة الانتخابات والمشاركة فيها. ربما بعض التصريحات المتتالية التي صدرت في الأسابيع القليلة الماضية حتى من قِبل أكثر وأشد الناس نصرة لقيس سعيّد بأنهم يلقون صعوبة كبيرة في إقناع المواطنين والمواطنات بالانخراط في هذه العملية، وصرّحوا بذلك علنا، وأكدوا أنهم يستشعرون حالة مقاطعة واسعة أو حالة عدم مبالاة واسعة من طرف الجمهور التونسي، حتى أنهم عجزوا عن تجميع التزكيات المطلوبة في المرسوم الانتخابي، وهذا هو الذي دعا الرئيس إلى تغيير المرسوم الانتخابي.
هذا الأمر كنّا نعرفه من خلال ردّة فعل الشارع التونسي على العملية السياسية العبثية التي يقوم بها قيس سعيّد، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة والخانقة. الشعب التونسي الآن مهتم بجمع المواد الغذائية وتوفير قوت يومه وحياته وأكله وشربه، وهذا هو الهم الأساسي للتونسيين والتونسيات، بينما قيس سعيّد ماضٍ في مشروعه الهلامي وغير عابئ بظروف الشعب التونسي والمآسي الواقعية التي يعيشها الناس.
ما قيمة وتأثير هذا الرفض الواسع لقانون الانتخابات على أرض الواقع؟
الانتخابات القادمة، كما في الاستفتاء الماضي، ستكون ضعيفة المشروعية السياسية، وهذا دليل قاطع على أن الشعب التونسي ليس منخرطا في مشروع قيس سعيّد. ربما لم يصل الشعب إلى مرحلة التمرد والخروج ضد قيس سعيّد ومشروعه، ولكن الأكيد أن كل الأرقام سواء الخاصة بصناديق الاقتراع أو استطلاعات الآراء تؤكد أن التونسيين والتونسيات يرون أن قيس سعيّد يأخذ البلاد في الطريق الخاطئ، وأنه مهتم فقط بمشروعه السلطوي، ولا يكترث بمشاغل التونسيين وهمومهم اليومية، وهذا بالطبع سيفقد العملية الانتخابية القادمة أي مشروعية سياسية وأي شرعية قانونية، وسيزيد من تعميق الأزمة أكثر.
ورغم أن قيس سعيّد يعطي الانطباع بأنه يتقدم ويمضي قدما إلى الأمام في تنفيذ مشروعه، لكنه في الحقيقة يعزل مشروعه أكثر، ويعزل سلطته أكثر، ويُعمّق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. رجل السياسة ورجل الدولة وظيفته الأساسية هي حل المشاكل وليس تعميق الأزمات، لكن قيس سعيّد لا يحسن إلا خلق الأزمات وتعميقها.
برأيكم، هل البرلمان المقبل سيكون أفضل أم أسوأ من البرلمان السابق؟
برلمان قيس سعيّد لن يكون برلمانا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهذا بالرجوع إلى الإطار الدستوري لهذا المجلس. النص الدستوري الذي عرضه سعيّد أفرغ تقريبا البرلمان من مضامينه ومن مهامه ومن وظائفه، وخاصة الوظيفتين الرئيسيتين لأي سلطة تشريعية، وهي وظيفتا التشريع والمراقبة السياسية للسلطة التنفيذية في مستوى العملية التشريعية.
قيس سعيّد اقتسم العملية التشريعية تقريبا مع البرلمان، ومكّن الدستور الذي وضعه البرلمان من التشريع لمدة 8 أشهر على امتداد الدورة البرلمانية، وأسند لنفسه إمكانية التشريع بمراسيم لمدة 4 أشهر، ما يعني أن كل القوانين الخلافية، وكل القوانين الصعبة التي يمكن أن تلاقي السلطة التنفيذية صعوبة في تمريرها في المجلس التشريعي يمكن أن يمرّرها رئيس الجمهورية بجرة قلم، وهذا تواصل لنفس السياسة التي يمارسها الآن.
وعلى مستوى الصلاحيات السياسية، تم إفراغ البرلمان من أي صلاحيات باعتبار أنه في كل أزمة سياسية ربما تنشأ بين السلطتين التنفيذية والتشريعية سيتحمل البرلمان المسؤولية، ويتولى رئيس الجمهورية في كل هذه الأزمات حل البرلمان، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية وحكومته هم الذين يضعون السياسات العامة للدولة وهم المسؤولون نظريا عن الإخفاق إن كان هناك إخفاق، ولكن في الحقيقة سيكون البرلمان -قانونا ودستورا- هو المسؤول في حالة إخفاق السلطة التشريعية.
وبالتالي سيكون هذا البرلمان برلمانا صوريا ومجرد غرفة تسجيل لإرادة رئيس الجمهورية لا أكثر ولا أقل. بالإضافة إلى أن القانون الانتخابي، من المرجح أن يدفع إلى المجلسين بعتاة الفاسدين والمهربين وبالشخصيات القبلية والعشائرية النافذة، وكل هذا يعتبر ارتدادا كبيرا على مفهوم الدولة المدنية ومفهوم الحداثة السياسية.
هناك دعوات لاحتجاجات واسعة يوم الـ 15 من الشهر الجاري.. ما الجديد الذي سيحمله هذا الحراك الجديد؟
هو تواصل لحلقات سابقة من التحركات الميدانية. هذا التحرك الوطني رقم 18 انطلاقا من تجربة "مواطنون ضد الانقلاب"، والآن "جبهة الخلاص الوطني"، بهدف المحافظة على تأهب الشارع السياسي والديمقراطي، والعمل على كسر سردية الانقلاب الذي يتحرك وراء ستار المشروعية الشعبية وتلبية للإرادة الشعبية.
نحن نثبت في كل مرة نخرج فيها للشارع أن الشارع التونسي بالآلاف يخرج لترديد شعارات مُعادية للانقلاب، ومُضادة للمشروع الانقلابي، وهذا ساهم مساهمة كبيرة في كسر سردية الانقلاب، وحشر الانقلاب في زاوية سياسية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ونحن نواصل هذا الحراك الذي لن يتوقف.
ونعتقد أنه خلال الأشهر القليلة القادمة يمكن أن نخلق واقعا سياسيا جديدا تتغير فيه راديكاليا موازين القوى؛ فبالإضافة إلى الحراك السياسي المتوهج والمتقد، هناك حراك اجتماعي ينضج تدريجيا ومؤشراته أصبحت واضحة، وبالتالي نحن الآن أمام حالة غليان كبيرة داخل الشارع السياسي والاجتماعي، وعندما يلتحم الشارع السياسي الرافض للانقلاب والمطالب بعودة المسار الديمقراطي مع الشارع الاجتماعي المطالب بالكرامة والعيش الكريم يمكن الحديث عندها عن إسقاط فعلي لسلطة الانقلاب.
برأيك، متى ستتوحد المعارضة؟ وكيف ستصل لخارطة طريق جامعة؟
في الحقيقة الغاية ليست الوصول لجبهة سياسية موحدة، ليس هذا هو المطلوب. هناك عوائق كبيرة تحول دون ذلك لأن هناك إرثا سياسيا ماضيا، وهناك حسابات سياسية في المستقبل بشأن العلاقة بالأجسام الانتخابية والجمهور الانتخابي، وتموضع كل القوى السياسية.
ولكن المهم أنه على امتداد العام الماضي هناك تطور كبير وقع على مستوى الموقف الوطني، حيث وصلنا بتدرج إلى بناء ما سميناه بالموقف الوطني الموحد؛ فتقريبا كل الأحزاب السياسية والمنظمات والمجتمع المدني الفاعل في تونس يعتبرون أن قيس سعيّد يسير بالبلاد في الطريق الخطأ، وهذا تطور سياسي مهم للغاية لم يكن موجودا إبان بداية الانقلاب، ونأمل أن نصل في نهاية الأمر إلى جبهة موحدة، ولكن بين الموقف الوطني الموحد والجبهة الموحدة هناك مرحلة بينية يجب تحقيقها، وهي أن تتفق قوى المعارضة على خارطة طريق جامعة وتصور وطني مشترك للحل، وليس فقط تقييما مشتركا لسوء الحالة الانقلابية وسوء حالة البلاد في ظل الانقلاب، وهذه المرحلة البينية لا بد أن نصل إليها قبل التفكير في توحيد المعارضة في شكل جبهة عمل موحدة ومنسقة.
هل هناك حملات سياسية وإعلامية تستهدف شيطنة المعارضة في تونس؟
بالفعل، هناك حملات إعلامية وسياسية مسعورة جدا تستهدف بالأساس جبهة الخلاص الوطني وقياداتها. أعتقد أن الغرف الإعلامية والسياسية تتحسب ليوم سقوط الانقلاب، وتخشى من الدور الذي يمكن أن تلعبه جبهة الخلاص باعتبارها اليوم هي القوى السياسية الرئيسية على الأرض، وهذا يأتي ربما تحضيرا وتعبيدا للطريق لمرحلة ما بعد الانقلاب.
لقد بدأت هذه الغرف شنّ حملة كبيرة وممنهجة بشكل واضح ضد "جبهة الخلاص"، حتى تُخلي الطريق لغيرها من القوى السياسية في صورة سقوط الانقلاب. هذه المعطيات تدور الآن داخل هذه الغرف التي تُخطط لمشهد ما بعد قيس سعيّد، خاصة أنها تبني كل استراتيجياتها على هذا الأساس، لكنها في الواقع ترتكب خطأ كبيرا لأن تجعل وتؤكد أن "جبهة الخلاص" هي المرتكز السياسي الرئيسي للمعارضة التونسية، وهي تبث الكثير من الروح في جسم "جبهة الخلاص"، لأن حجم الهجمة الشرسة ضدنا لا يمكن أن يصنع إلا تعاطفا كبيرا من قِبل التونسيين والتونسيات مع الجبهة وقياداتها.
بشكل محدد، مَن يقف خلف هذه الحملات؟
يقف وراءها العديد من المنظومات، وعلى رأسها المنظومة السابقة والقديمة، والمنظومة المعادية للمسار الديمقراطي التي أرادت - بعد ثورة الياسمين- تعطيل وإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي، ولكنها لاقت معارضة شديدة من قِبل القوى الديمقراطية ولم يتسن لها ذلك، خاصة أن العملية السياسية بُنيت بالأساس على موازين القوى الانتخابية. وبالتالي لم يجدوا مدخلا آخر للسيطرة على العملية السياسية سوى تشويه العملية برمتها، وتشويه القوى الديمقراطية، ومحاولة احتواء عملية الانتقال بطريقة الضرب تحت الحزام.
اقرأ أيضا: الشابي لـ"عربي21": سنعلن تحركات معارضة بتونس قريبا
اليوم نتحدث عن جهات أمنية وإعلامية وسياسية ودبلوماسية، وكذلك قوى إقليمية، مستفيدون مما يجري من أحداث وأزمات خلّفها الانقلاب. وحقيقة هناك الكثير من القوى الإقليمية التي تدفع في اتجاه إفشال التجربة التونسية، وغلق قوس الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي بشكل كامل، وهناك تحالفات إقليمية ما فتئت منذ سنوات وهي تخطط لإرباك وإجهاض العملية السياسية في تونس كما فعلت في سوريا واليمن ومصر وليبيا، وفي كل مناطق الربيع العربي. كانت تونس مستعصية نوعا ما، ولكنها وجدت مع قيس سعيّد ربما منفذا ومدخلا لتصفية الإرث الديمقراطي للتجربة التونسية.
ومَن هي القوى الإقليمية التي تشير إليها؟
أتحدث عن الأنظمة المصرية والسعودية والإماراتية، وبعض الدوائر الفرنسية. وهناك دعم واضح للانقلاب على المستوى الإقليمي لكن هذا الدعم أقل وضوحا على المستوى الدولي، ونحن نعرف أن منظومة الاستبداد العربي أكثر فظاظة في التآمر على المسألة الديمقراطية وعلى تحرر الشعوب من المنظومات الغربية، ولكن أيضا بعض دوائر الحكم في بعض الدول الغربية تسعى ليس ربما لتفكيك عملية الانتقال، وإنما لمحاولة الدفع ببعض رجالاتها للاستفادة دون غيرهم من هذه العملية.
وهل سينجحون في مخططاتهم؟
هم حاولوا مرات عديدة، وبأدوات ومداخل مختلفة عن طريق الإعلام وقوى وشخصيات سياسية، وعن طريق أحزاب سياسية كبرى تم إنشاؤها وتمويلها ودعمها في المشهد التونسي، وكذلك عن طريق قوى ومجاميع أمنية من نقابات أمنية وغيرها، ولكن في الحقيقة كل هذه التحركات فشلت حتى الآن، إلى أن جاء انقلاب قيس سعيّد وقلب الطاولة على الجميع، ووضع البلاد في مأزق حقيقي استشعرته القوى الديمقراطية، وحتى تلك القوى المتآمرة على المسألة الديمقراطية، لأنه تم إقصاؤها أيضا من العملية بسبب انفراد قيس سعيّد بالحكم بشكل مطلق، لقد كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون الاستثمار في هذا الرجل وتوظيفه لمخططاتهم، ولكن يبدو أن له مخططاته الخاصة والذاتية.
وزير تونسي سابق: هذا هو الحل الوحيد لـ"إسقاط الانقلاب"