وصف
مؤسس ومدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، الصور الجديدة
المسرّبة لتعذيب بعض المعتقلين في سجن حلب المركزي بـ"المفجعة للغاية"،
مؤكدا أن "هذه الصور تظهر جانبا بسيطا من الانتهاكات البشعة، وهي للأسف
الشديد ليست مفاجئة؛ فقد شاهدنا سابقا عشرات الآلاف من الصور المماثلة التي سرّبها
العسكري السوري المنشق (قيصر)".
وكانت
صحيفة "زمان الوصل" السورية قد نشرت، الأحد، 800 صورة مسرّبة، قالت إنها
لسجناء مدنيين عزل قضوا تحت التعذيب في سجن حلب المركزي، خلال فترة حصاره من قِبل
مقاتلي المعارضة السورية بين عامي 2013 و2014.
وأوضحت
الصحيفة المحلية أن الصور الجديدة سرّبها ضابط منشق يدعى "أبا أحمد"، وأطلق عليه البعض اسم "قيصر الجديد"، وكان يخدم في السجن طيلة فترة حصاره
ويتولى مهمة تصوير الجثث وتوثيقها قبل انشقاقه.
وأضاف
درويش، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، أن "العديد من المنشقين قاموا
بدور هام في كشف الحقيقة وفضح ما يحدث داخل سجون النظام، وبعضهم كانت لهم مساهمات مهمة
جدا في عمليات المحاسبة والتقاضي التي تجري في أوروبا، حيث أدلوا بمعلومات في غاية
الأهمية للمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية عن الضباط والعاملين في الاجهزة
الأمنية".
واستطرد
درويش قائلا: "ما قام به المنشقون يُعدّ من أهم ما حصل في توثيق وفضح
الانتهاكات في سوريا"، مؤكدا أن "التعذيب يحدث على نطاق واسع وضمن
سياسات منهجية، وقامت السلطات بممارسته في مختلف السجون والأجهزة الأمنية والسجون
السرية".
وتابع:
"للأسف الشديد أن ما لا نعرفه هو أكبر بكثير مما تم الكشف عنه. نحن نتحدث عن
مجازر وانتهاكات تم توثيقها بالفعل، بينما لا يزال هناك الكثير والكثير مما لم يتم
توثيقه ولم يتم الكشف عنه حتى الآن، وقد يكون ذلك بصورة أكبر ومفجعة أكثر".
اقرأ أيضا: معتقلون سابقون يروون رعب "غرف الملح" في سجن صيدنايا
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى المشهد الحقوقي في سوريا اليوم؟
المشهد
الحقوقي اليوم من أسوأ ما يكون على الإطلاق. سوريا بلد تُرتكب فيه أبشع أنواع
الانتهاكات، ويكاد لا يكون هناك أي شكل من أشكال الانتهاكات إلا ويُرتكب فيه.
أيضا
سوريا اليوم هي جنة الإفلات من العقاب؛ فالأشخاص والسلطات التي تمارس هذه
الانتهاكات "البشعة" يمارسونها بكل حرية وإحساس بالأمان، ودون أن تكون
هناك أي ملاحقة أو متابعة من أي نوع.
حقيقة،
طيف الانتهاكات التي تُرتكب في سوريا فظيع للغاية، ولم يشهده العالم منذ اندلاع
الحرب العالمية الثانية، حيث هناك استخدام للأسلحة الكيماوية، وقصف بالطيران
الحربي، والتعذيب، والقتل خارج إطار القانون، فضلا عن التهجير والاستيلاء على
الممتلكات، وجميع أنواع الانتهاكات بدون مبالغة اليوم تُرتكب في سوريا، والضحايا
بالملايين.
البعض يرى أن التطبيع مع النظام سيؤدي إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات.. ما مدى صحة ذلك؟
هذه
الفرضية خاطئة لأسباب مختلفة؛ فالنظام عندما ارتكب هذه الانتهاكات، وبدأ القيام
بهذه المجازر كانت لديه علاقات دبلوماسية جيدة ومتينة مع معظم دول العالم،
وبالتالي وجود العلاقات أو عدم وجودها لم يمنع النظام يوما من ارتكاب هذه
الانتهاكات.
وتطبيع
العلاقات مع النظام دون أن تكون هناك محاسبة أو حلول قانونية وأخلاقية للعديد من
الملفات الحقوقية سيُعدّ مكافأة مجانية للنظام على الجرائم، وسيعطيه أيضا ضوء أخضر
لارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم.
هل تعتقد أنه في حال الوصول إلى حل سياسي في سوريا فلن تكون هناك محاكمات للمجرمين والمتورطين في الانتهاكات؟
للأسف
الشديد رأينا هذا النمط من الحلول السياسية في العديد من الدول والعديد من
الصراعات المحلية والإقليمية. وحتى نكون واقعيين، قد يصل أطراف الصراع وأمراء
الحرب والدول الإقليمية التي تدعم هذه الأطراف إلى اتفاق سياسي قائم على أساس
تقاسم المصالح.
لكن هذا الاتفاق بدون شك لن يجلب سلاما مستداما إلى سوريا. قد
يجلب، في أحسن أحواله، وقف إطلاق النار لفترة محددة، لكن مثل هذا السيناريو هو في
غاية الخطورة، لأننا في هذه الحالة نُعدّ سوريا إلى حرب أخرى قادمة ترتكز على
دوافع الانتقام وتنطلق من غياب العدالة.
وبالتالي، هل يمكن الفصل بين الملف الحقوقي والملف السياسي؟
كلا
على الإطلاق؛ فمن غير الممكن حدوث ذلك على أرض الواقع، وعندما نتكلم اليوم عن
ارتكاب هذه الانتهاكات لا نتحدث عن شريحة ضيقة أو محدودة من الأفراد، لأن هذه
الانتهاكات طالت بدون مبالغة كل منزل وعائلة في سوريا، وبالتالي لا يمكن بأي شكل
من الأشكال إيجاد حلول سياسية قابلة للحياة وتنتج سلاما مستداما إذا لم يكن هناك
حلول حقيقية للملفات الحقوقية الهامة والخطيرة. وأساس إعادة بناء مجتمع سوري
متماسك قابل للتعايش والحياة من جديد هو إيجاد حلول مرضية بالحد الأدنى للضحايا
قبل أي شيء آخر.
كيف استقبلت الصور الجديدة المسرّبة لتعذيب بعض المعتقلين في سجن حلب المركزي والتي كشفها "منشق جديد" عن النظام سماه البعض "قيصر الجديد"؟
لقد
كانت صورا مفجعة للغاية. هذه الصور تظهر جانبا بسيطا من الانتهاكات التي كنّا
نتحدث عنها، وهي للأسف الشديد ليست مفاجئة؛ فقد شاهدنا سابقا عشرات آلاف من الصور
التي سرّبها العسكري السوري المنشق "قيصر" لضحايا التعذيب من المدنيين
السوريين.
وأنا
شخصيا شاهدت التعذيب بشكل مباشر حينما كنت في السجون والمعتقلات؛ إذ تعرضت لألون
مختلفة منه، وشاهدت الموت بشكل يومي داخل هذه المعتقلات.
وبالتالي،
التعذيب يحدث على نطاق واسع وضمن سياسات منهجية، وقامت السلطات السورية بممارسته
في مختلف السجون والأجهزة الأمنية والسجون السرية.
وللأسف
الشديد ما لا نعرفه حتى الآن هو أكبر بكثير مما تم الكشف عنه. نحن نتحدث عن مجازر
وانتهاكات تم توثيقها بالفعل، بينما لا يزال هناك الكثير والكثير مما لم يتم
توثيقه ولم يتم الكشف عنه حتى الآن، وقد يكون ذلك بصورة أكبر ومفجعة أكثر بكل أسف.
كيف ترى دور المنشقين في كشف الحقيقة وفضح الانتهاكات؟
هناك
العديد من المنشقين الذين قاموا بالمبادرة من خلال كشف الانتهاكات وفضح ما يحدث
داخل النظام. بعض المنشقين كانت لهم مساهمات مهمة جدا في عمليات المحاسبة والتقاضي
التي تجري في أوروبا، وبعضهم أدلى بمعلومات في غاية الأهمية للمؤسسات الحقوقية
سواء المحلية أو الدولية.
حقيقة،
دور بعض المنشقين كان حاسما وهاما جدا في عمليات التقاضي من خلال إدلاء المنشقين
بمعلومات عن الضباط والعاملين في الاجهزة الأمنية كأسمائهم ورتبهم وغيرها من
البيانات التي تجعلنا قادرين على بناء سلاسل القيادات والرتب ومعرفة الهياكل
التنظيمية للأجهزة. وهؤلاء المنشقين لهم كل الاحترام والتقدير، وما قاموا به من
أهم ما حصل في توثيق وفضح الانتهاكات في سوريا بشكل عام، وعلى رأسهم
"قيصر".
الأمم المتحدة دعت مؤخرا لإنشاء مؤسسة جديدة مكرسة لتوضيح مصير وأماكن المخفيين قسرا والمفقودين.. فكيف ترى هذه الدعوة؟
نعم
صدرت منذ أيام توصية الأمين العام بإنشاء هذه الآلية الخاصة بالمفقودين في سوريا،
وهي نتيجة لمطالبات وضغط عائلات المفقودين والضحايا. ومنذ البدء أشار التقرير
الأول للجنة تقصي الحقائق في عام 2011 إلى ضرورة كشف مصير المفقودين وإطلاق سراح
المعتقلين، واستمر نضال العائلات والأهالي بشكل مذهل ورائع قاد إلى تكليف المفوضية
السامية بإنتاج هذه الدراسة التي انتهت إلى توصيات في غاية الأهمية، ونحن ندعم
إنشاء هذه الآلية الدولية الخاصة والمستقلة بقضية كشف مصير المفقودين في سوريا.
اليوم
هذه التوصية مطروحة على طاولة الدول والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن،
ونتمنى أن يكون هناك قرارا بهذا الخصوص. نعرف أيضا أن دولة الكويت سعت منذ عدة
سنوات لإصدار قرار من مجلس الأمن حول المفقودين والمختفين بشكل عام، وهذا قد
يُشكّل فعلا أرضية قانونية من داخل مجلس الأمن للانطلاق نحو إنشاء هذه الآلية.
وفي
كل الأحوال هذه إحدى المفاتيح الأساسية من أجل الوصول لحلول سياسية وسلام مستدام
في سوريا.
هل هناك أرقام دقيقة لأعداد المخفيين قسرا والمفقودين في سوريا؟
أعداد
المفقودين والمختفين في سوريا تصل إلى عشرات الآلاف، ورغم أنه لا توجد أرقام دقيقة
في هذا الصدد، إلا أن مركز توثيق الانتهاكات وثّق ما يقارب من 100 ألف شخص،
والشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت ما يقارب 120 ألف، لكن هذه الأرقام هي ما
استطاعت هذه المنظمات الحقوقية الوصول لها، وقد يكون الواقع أكبر بكثير من ذلك؛
فبالتالي كشف مصير المفقودين، والإجابة على أسئلة العائلات هي الخطوة الأولى
والعملية نحو الحل السياسي والسلام المستدام في سوريا، لكن حتى الآن لا توجد سوى
البيانات الشفهية والأخلاقية والرمزية بدون وجود خطوات عملياتية على أرض الواقع.
لماذا هناك بطء في الإجراءات القضائية الدولية المتعلقة بمحاكمة بعض رموز نظام الأسد؟
النظام
القضائي بشكل عام في كل دول العالم يتطلب وقتا، وهذا جزء من شروط المحاكمات
العادلة، كي يتم استيفاء مراحل التحقيق وجمع الأدلة وسماع الشهود والضحايا، لكن
أيضا هناك عوامل أخرى تسبّبت في عملية البطء من بينها عدم تمكن السلطات في هذه
الدول من الوصول إلى مسرح الجرائم التي حدثت في سوريا، ولا يوجد وصول للمحققين،
وليس هناك أي تعاون من جهة السلطات السورية بهذا الخصوص.
وهذا
الأمر يتطلب وقتا طويلا وجهودا مضاعفة لجمع الأدلة ولإثباتها، بالإضافة إلى أن
هناك احتياجات لزيادة الكوادر البشرية العاملة في وحدات جرائم الحرب الدولية في
هذه الدول، وهو ما يعني زيادة الإمكانيات المالية واللوجستية الخاصة بهم، حتى
يستطيعوا الاستجابة إلى العدد الكبير من الشكاوى المُقدمة إليهم.
كيف ستتأثر الأوضاع في سوريا بفصل الشتاء المقبل؟
الأوضاع
كارثية بدون أي مبالغة سواء في الصيف أو الشتاء، لكن خصوصا فصل الشتاء الذي تزداد
فيها المآسي المختلفة؛ فنصف الشعب السوري -وفقا لأرقام الأمم المتحدة- بين نازح
ولاجئ، وما يقارب من الـ 12 مليون سوري هُجّروا وتركوا منازلهم. والمخيمات السورية
في مناطق الشمال تحديدا بها ظروف حياة غير إنسانية وغير مقبولة أخلاقيا على
الإطلاق، خاصة في ظل تواجد الأطفال والنساء وكبار السن داخل هذه المخيمات.
وفي
الوقت الذي تزداد فيه المعاناة في كل عام تقل المساعدات للأسف. وفي كل عام يبدي
الجميع عجزا عن إيجاد حل لهذه المشاكل والأزمات. والمشكل الأساسي أنه في كل سنة
يتم التعامل مع النتائج من خلال تزويدهم بخيام ووسائل أو مساعدات، لكن هذا الأمر
لن يجدي نفعا إذا لم نقم بمعالجة الأسباب التي تدفع هؤلاء الناس إلى ترك منازلهم
ومدنهم وقراهم واللجوء إلى أماكن تنعدم فيها الشروط الأساسية للحياة. هذه الأسباب
مرتبطة بقضية الحل السياسي وبالانتهاكات التي نتحدث عنها.
لذلك،
أي حل سياسي لا يضمن الحقوق والحريات ولا يضمن إيجاد حلول عادلة لجميع هذه الملفات
فلن يؤدي إلى أي نتائج عملياتية بهذا الخصوص، ولن ينهي الأزمة من جذورها.
مازن درويش في سطور
هو
محامي سوري ومدافع عن حقوق الإنسان، تخرّج في كلية الحقوق في جامعة دمشق بسوريا.
مؤسس
ومدير عام المركز السوري للإعلام وحرية التعبير SCM ومركز توثيق الانتهاكات
في سوريا VDC.
تم
انتخابه مفوضا للجنة الحقوقيين الدوليةICJ . وحصل على أكثر من 12 جائزة دولية، بما في
ذلك "جائزة الكرامة الإنسانية لرولاند بيرغر"، و"جائزة اليونسكو/
غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة"، و"جائزة الحريات الأربعة"،
كما تمت تسميته في مجلة التايم (Time Magazine) أحد الأشخاص الـ 100 الأكثر تأثيرا لعام
2022.
اعتقل
عدة مرات بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان، واستمر اعتقاله الأخير مدة تجاوزت
الثلاث سنوات حتى أطلق سراحه عام 2015.
كان
عضوا استشاريا في لجنة خبراء ميانمار، ولجنة الخبراء الدستوريين التي شكلها
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، وعضوا في "محادثات جنيف".
كما
كان عضوا في مجموعة العمل الوطنية لمراجعة تشريعات الإعلام السوري، ونائبا لرئيس
المعهد الدولي للمساعدة والتضامن، وكان أيضا مدير فريق المراقبة في كل من الانتخابات
البرلمانية المغربية والأردنية لعام 2007.