نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت
فيه عن سياسات صربيا المتهورة؛ وقد أصبحت علاقتها مع كوسوفو على حافة الهاوية، في الوقت
الذي تتقرب فيه من موسكو وتواصل الاحتكاك مع بروكسل.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"،
إن تصاعد التوترات بين دول البلقان في كوسوفو وصربيا؛ أثار مخاوف من وقوع أعمال عنف
خطيرة ورد فعل قوي من بعثة حفظ السلام التي يقودها الناتو في بريشتينا عاصمة كوسوفو.
وتضيف المجلة أن السبب الرئيسي للمشكلة يتمثل في الخلاف القائم
بين البلدين حول الإجراءات المتبادلة التي أعلنتها كوسوفو في ما يتعلق بلوحات الترخيص
وبطاقات الهوية، وهي خطوات تعتبرها كل من صربيا والصرب الذين يعيشون في كوسوفو استفزازًا
لأنهم لا يعترفون بسيادة كوسوفو.
ووفقا للمجلة، فقد ساهم تدخل السفير الأمريكي في كوسوفو، جيف
هوفينيه، الذي نجح في الضغط من أجل أن تقوم بريشتينا بتأجيل الإجراءات لمدة 30 يومًا
لتسوية أي سوء تفاهم في تهدئة الوضع، ولكن الحادث أثار القلق في جميع أنحاء العواصم
الغربية الحساسة لتهديدات العنف الإقليمي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا المجاورة في أواخر
شباط/ فبراير.
وفي خطابه الذي ألقاه يوم الأحد، لفت حديث فوسيتش الحاد الانتباه
مجددًا إلى موقف صربيا الغريب من الحرب الروسية؛ حيث اتهم الزعيم الصربي كوسوفو باستغلال
محنة أوكرانيا لتلبية مصالحها، وجعل من نفسه نسخة مقلدة من الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين ومن زعيم كوسوفو نسخة مصغرة من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي.
من جانبه؛ ومنذ بدء غزو بوتين، راوح موقف فوتشيتش بين دعم
الإدانة الغربية لعدوان موسكو العسكري في أوكرانيا وبين ضمان عدم تعرض العلاقات الصربية
مع الكرملين لضربة لا هوادة فيها، وقد كانت صربيا وبيلاروسيا الدولتين الأوروبيتين
الوحيدتين اللتين لم تفرضا عقوبات على روسيا على الرغم من بذل المجر قصارى جهدها لعرقلة
أي رد من الاتحاد الأوروبي على الصراع. وعلى الرغم من حظر الاتحاد الأوروبي للطائرات
الروسية، فقد ضاعفت بلغراد عدد الرحلات الجوية المباشرة إلى روسيا، وقد أثار توقيع فوسيتش
على ثلاثة أعوام أخرى من استيراد الغاز الروسي في أيار/ مايو غضب الزعماء الغربيين؛
في حين أكدت بلغراد دعم صربيا لسيادة أوكرانيا.
ويجادل فوتشيتش؛ شأنه شأن المجري فيكتور أوربان، في ضرورة تلبية
احتياجات الشعب الصربي، بما في ذلك الاستمرار في الاعتماد على روسيا للحصول على إمدادات
الطاقة التي تشتد الحاجة إليها، قائلا: "نحن بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة
والتصرف بعقلانية".
ولكن جزءًا من استجابة
صربيا متجذر أيضًا في التاريخ؛ فقبل الحرب العالمية الأولى، كانت السبب المباشر للحرب
بين الإمبراطوريات الروسية والنمساوية المجرية والألمانية. وخلال الحرب الباردة؛ لعبت
يوغوسلافيا التي كانت تهيمن عليها صربيا دورًا جيوسياسيًا ضخمًا. وفي أواخر الخمسينيات
وأوائل الستينيات؛ شاركت الحكومة اليوغوسلافية في تأسيس حركة عدم الانحياز التي تمثل
صوتًا ثالثًا بين الغرب والشرق، ولكن صربيا تعاني من متلازمة الأطراف المفقودة عندما
يتعلق الأمر بالقدرة على تحقيق التوازن بين الشرق والغرب.
وأشارت المجلة إلى أن صربيا لا تزال تسعى للحصول على عضوية
الاتحاد الأوروبي، ولكن بلغراد تنظر إلى الغرب والجنوب والشرق وترى العثرات في كل مكان.
ومن جهته، يريد الاتحاد الأوروبي أن تعترف صربيا بدولة كوسوفو، وهو أمر محظور في بلغراد،
وقد سبق أن سخر فوسيتش من المستشار الألماني أولاف شولتز عندما زار صربيا في أيار/
يونيو، بسبب تعليقاته في ما يتعلق باعتراف صربيا بكوسوفو.
ووفقًا للمجلة؛ فإن روسيا يجب أن تكون الضامن له، وهو أمر تجد
فيه بلغراد ما يدعو للقلق، وخاصة حق النقض الروسي على استقلال كوسوفو في مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة.
ولقد تسببت قضية كوسوفو في تدهور حالة الصرب منذ أن أُشعلت
أول قنبلة روسية النار في الأراضي الأوكرانية هذا الربيع. وفي اجتماع مع الأمين العام
للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نيسان/ أبريل، قارن بوتين مطالبة روسيا بشبه جزيرة
القرم الأوكرانية بتحركات كوسوفو من أجل الاستقلال، قائلا: "يكمن الاختلاف الوحيد
بين الحالتين في أن البرلمان قد تبنى هذا القرار بشأن السيادة في كوسوفو، في حين أن
القرم وسيفاستوبول اتخذتاه في استفتاء إقليمي"، وعلى الرغم من تراجع السفير الروسي لدى
صربيا، وقوله بأن موقف موسكو من كوسوفو لم يتغير، إلا أن الحادث قد هز وسائل الإعلام
التي تسيطر عليها الدولة في صربيا، والتي وصفت تصريحات بوتين بأنها طعنة في الظهر.
ومن جهتها؛ قالت المديرة التنفيذية للصندوق الأوروبي لمنطقة
البلقان، ألكساندرا تومانيك، إن التقارب التاريخي لا يعد الشيء الوحيد الذي يتشاركه
القادة الحاليين لروسيا وصربيا، بل يتشاركون أيضا رؤية الدولة التي تعزز النزعات القومية
القوية وأضافت أن صربيا وروسيا لديهما نفس النظرة للعالم.
ووفقًا للمجلة؛ فإنه بالنسبة للحكومة الحالية؛ فإن انضمام صربيا
إلى الاتحاد الأوروبي يشبه الزواج القسري، ولم يتم استقبال الدعوات لفرض عقوبات على
روسيا والاعتراف المتبادل بكوسوفو بشكل جيد.
وأكدت المجلة أن صربيا كانت أكبر متلقٍ للاستثمار الصيني
في غرب البلقان، مع ما يقرب من 61 مشروعًا نشطًا في البلاد، ومن المتوقع أن تؤدي
"الصداقة الفولاذية" بين البلدين إلى اتفاقية تجارة حرة قبل نهاية هذا العام.
الأمر الذي من شأنه أن يجعل صربيا ثالث دولة أوروبية تقوم بتأمين مثل هذه الصفقة مع
الصين، إلى جانب سويسرا وآيسلندا.
وأضافت المجلة أنه مع تعرض بلغراد لضغوط من الاتحاد الأوروبي
لمجاراة العقوبات ومن روسيا لإبقاء الباب مفتوحًا، فقد أصبحت بكين أكثر أهمية، وبعد أن
أصبحت الصين الشريك المهيمن لصربيا خارج العالم الغربي؛ حلت محل روسيا باعتبارها الشريك
الأول في الشرق. وبما أن صربيا حريصة على عدم تركيز قوتها في مكان واحد، فقد كانت الصين
جزءًا من مناوراتها التكتيكية، خاصة أنها لا تعترف بكوسوفو.
وفي نهاية التقرير؛ تؤكد المجلة أن إنذار يوم الأحد كان
بمثابة تذكير لبروكسل بأن اعتراف الصرب بكوسوفو لا يزال بعيد المنال، وأن قبضة روسيا
في المنطقة لم تختف بعد، كما أنه يسلط الضوء على الآثار المتتالية للعدوان الروسي؛
حيث يقسم دول الاتحاد الأوروبي بين تلك المتمردة أو تلك التي ستنضم إلى صفوفها عن إجماع
بروكسل.