أصبح الجيش المصري على موعد مع خسارة اثنتين من أهم وأقدم شركتين من امبراطوريته الاقتصادية، في خطوة فسرها مراقبون بأنها تأتي استجابة لضغوط المؤسسات المالية الدولية المُقرضة للبلاد، وتلبية لرغبة بعض الدول الخليجية الطامعة بالشركتين، وجني لبعض الأموال لإنقاذ الاقتصاد المتداعي.
مجلس الوزراء المصري، في اجتماعه بمدينة العلمين الجديدة، الأربعاء، وافق على تأهيل الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية)، والوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي) -المملوكتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة- تمهيدا لطرحهما بالبورصة.
أجواء الصفقة
طرح شركتي الجيش بالبورصة وأمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي يأتي أيضا وفق خطة حكومية أُعلن عنها 16 آيار/ مايو الماضي، لجذب استثمارات جديدة بنحو 10 مليارات دولار بالسنوات الأربع المقبلة عبر بيع حصص في أصول مملوكة للدولة إلى مستثمرين محليين ودوليين.
الصندوق السيادي المصري، أعلن في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، طرح 10 شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية المالك لـ30 شركة بقطاعات البناء والأغذية والتعدين والبتروكيماويات، بحصصها الكاملة بالبورصة المصرية وترويجها للمستثمرين.
حينها جرى الإعلان عن طرح اثنتين منها في كانون الأول/ ديسمبر 2020، و3 بالربع الأول من 2021، فيما لم يتم الإعلان عن موعد طرح الخمسة المتبقية، ولذا فإن طرح "وطنية"، و"صافي" يكون قد تأخر نحو عامين كاملين.
اقرأ أيضا: خبير لـ"عربي21": السيسي يحمل أجندة خفية لتدمير مصر
ووفق نشرة "انتربرايز"، الخميس، فإن شركات طاقة إقليمية قامت خلال 2021، بإجراءات الفحص النافي للجهالة على شركة "وطنية"، لكن لم تعلن أي تطورات جديدة بهذا الشأن منذ ذلك الحين.
ولفتت إلى أن مصر لم تقدم تفاصيل عن توقيت الطرح أو حجم الحصص المستهدفة، فيما تتوقع النشرة الاقتصادية أن تتضمن عملية الطرح إعادة هيكلة الشركتين لتمهد الطريق لبيع حصص منهما لمستثمر استراتيجي قبل الشروع في الطرح العام.
لكن المثير هنا هو توقيت الطرح الآن في ظل الأزمة العالمية المتصاعدة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وعودة انتشار فيروس كورونا في العالم، وتفاقم أزمات توريد الغذاء وخاصة الوقود والقمح والزيوت.
وكذلك يأتي توقيت الطرح، في ظل أزمات الاقتصاد المصري المتصاعدة، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية مع توالي رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة، بجانب المؤشرات الاقتصادية السلبية عن أوضاع الاقتصاد المحلي، وخسائر البورصة المتتالية بالأشهر السابقة.
ويأتي طرح "وطنية"، للبيع على عكس التوجهات العالمية، وبالتزامن مع سعي الحكومة الفرنسية لتأميم كامل لشركة كهرباء فرنسا "إلكتريسيتي دو فرانس" وشراء باقي الحصص غير المملوكة للدولة بقيمة 9.7 مليارات يورو، وذلك في ظل أزمة ارتفاع سعر الوقود تأثرا بالأزمة الروسية الأوكرانية.
ودائما ما يوجه مراقبون مصريون، انتقادات واسعة لعمليات طرح الشركات المملوكة للدولة المصرية، معلنين عن مخاوفهم من تقديرات أقل من القيم السوقية، وعمليات فساد محتملة في توقيتات الطرح، وغيرها من الإجراءات التي تثير الشك والريبة.
"عيون خليجية"
وتشير تصريحات سابقة لمسؤولين مصريين إلى أن شركات تابعة للسعودية والإمارات تترقب بشدة صفقة "وطنية"، و"صافي"، وهو ما كشفت عنه تصريحات الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان لقناة "العربية"، 6 نيسان/ أبريل الماضي.
حينها أعلن سليمان، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد يستحوذ على حصص بـ"وطنية"، ومحطات "سيمنز" للكهرباء التي بنتها ألمانيا لمصر قبل سنوات، كجزء من خطة للصندوق لاستثمار 10 مليارات دولار بمصر.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، وفي الوقت الذي تسيطر فيه الشركات الإماراتية على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري بينها القطاع الطبي والإنشاءات بجانب شراكات عديدة مع صندوق مصر السيادي؛ بدا سعي أبوظبي لشراء شركة "وطنية".
وكشفت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أن شركة "أدنوك" الإماراتية تدرس شراء حصّة في شركة "وطنية للبترول" التابعة للجيش المصري، والمُشاركة مع صندوق مصر السيادي، لشراء الملكية الكاملة للشركة الوطنية للبترول.
اقرأ أيضا: مصر تعتزم بيع 65% من أصول الدولة.. وشكوك حول الجدوى
"مناورة.. وأهداف ثلاثة"
وفي تقديره لدلالات طرح شركتي الجيش وطنية وصافي بالبورصة الآن رغم أوضاع السوق المصري والعالمي، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر علي عبد العزيز، إنها ربما تكون مناورة لتبرئة الجيش من السيطرة على الاقتصاد، وتنفيذا لتوجيهات الجهات المقرضة، وتلبية لأطماع خليجية.
الأكاديمي المصري، أضاف لـ"عربي21": "يبدو أن تدخل الجيش في الاقتصاد المصري أضر بشدة بالقطاع الخاص، وذلك في وقت حققت فيه هذه الشركات أرباحا مليارية ذهب أغلبها لحسابات قيادات الجيش، حيث يعتبرونها من ضمن ملكياتهم الخاصة ما داموا في مناصبهم العسكرية".
"ولعل هروب رؤوس الأموال، وانخفاض حصص القطاع الخاص من استثمارات الدولة، وانخفاض مؤشر مديري المشتريات لأدنى مستوى بعامين؛ دفعت صندوق النقد والبنك الدوليين للضغط على النظام لطرح جزء من شركات الجيش بالبورصة أو أمام القطاع الخاص مقابل قروض جديدة".
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أنه "ومن ناحية أخرى ظهرت مطالب دول الخليج للاستثمار في هذه الشركات أو شرائها أو جزء منها، مقابل توفير سيولة دولارية للنظام وللجيش".
ولفت إلى أن "هذه نقطة غاية في الخطورة؛ لأن الجيش يمتلك حصة كبيرة من الاقتصاد المصري لا تقل عن 30 بالمئة، وهناك ما نعلمه منه وما لا نعلمه عن طريق وكلاء من الباطن".
وخلص عبد العزيز للقول: "وهذا يعني أن طرح شركتي وطنية وصافي بالبورصة قد تكون مناورة من النظام لمحاولة تبرئة الجيش، وفي نفس الوقت تحقيق مطالب الجهات الدولية، وأنظمة الخليج".
"أهمية الشركتين"
وبحسب موقع "وطنية" عبر الإنترنت، فإن الشركة تعمل منذ 29 عاما بسوق الوقود المحلي، إذ أنشئت عام 1993م بهدف إنشاء وإدارة محطات خدمة وتموين السيارات وتسويق المنتجات البترولية والزيوت والشحومات، ولمنتجاتها جودة عالية وسمعة طيبة بين المستهلكين.
وتمتلك 255 محطة تموين وقود، وتحت الإنشاء 20 أخرى ومخطط وصولها إلى 300 محطة، تقدم أعمال التأمين الفني للسيارات، وتضم سلسلة من منافذ البيع المحلية الشهيرة.
لكن وفي الوقت الذي قد تخسر فيه إمبراطورية الجيش شركة "وطنية"، فإنها تكون قد تركت مجال بيع الوقود إلى مجال استخراج البترول، إذ أسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية الشركة "الوطنية لاستكشاف وتنمية البترول" عام 2016، ليدخل الجيش مجال صناعة البترول.
وعن شركة "صافي"، فلها نحو 26 عاما من العمل بالسوق المحلي، إذ أنشئت عام 1996 بواحة سيوة بغرب البلاد، وتضــــــم 3 مصانـــــع، اثنان لإنتاج المياه الطبيعية المعبأة، ومصنع لإنتاج وتعبئة زيت الزيتون، بجانب مصنع إنتاج وتعبئة المخللات، ونحو 24 منفذا للبيع بالقاهرة الكبرى.
"لهذا تثير الشكوك"
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المقيم في نيويورك عمرو خليفة، وفي رؤيته لأبعاد الصفقة والصفقات المماثلة قال إن "هناك العديد من الخبراء الاقتصاديين المصريين والغربيين، بما فيهم البنك الدولي، يدركون خطورة سيطرة القوات المسلحة على ملفات اقتصادية متعددة".
خليفة، أكد خلال حديثه لـ"عربي21" أن "طرح شركتين تمتلكهما القوات المسلحة في ظل الظروف الاقتصادية المتعثرة للبلاد من المنطقي أن يثير الشكوك لسببين، الأول أن "هناك ريبة من مصداقية التعاملات في البورصة المصرية، كما سبق وتم إثباته بعد نهاية عصر المخلوع حسني مبارك".
واستطرد: "أما السبب الثاني، فهو وجود خوف حقيقي بين السطور من أن يكون محرك الطرح هو المكسب المادي للقوات المسلحة وأفراد في دوائرها العليا بالتحديد، وليس المصلحة الوطنية".
وأردف خليفة: "من المنطقي أن تكون مثل هذه المعاملات تحت المجهر المحلي والدولي؛ لأن الكارثة الاقتصادية الحالية هي نتاج قرارات نظامية تفتقد بعد النظر، ويطليها نسب عالية من الفساد".
"سيطرة أوسع"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أثار خبر طرح "وطنية"، و"صافي"، كثيرا من الجدل والانتقادات للنظام ولاقتصاد الجيش.
وفي تفسيره لخطوة طرح "وطنية"، و"صافي"، قال الباحث المصري عباس قباري: "كل الحكاية أن الجيش يتخلص من اقتصاد (الفكة) في مقابل الاقتصاد (مفتوح المصدر)".
وأضاف: "يعني اقتصاد الـ200 بنزينة التابعة لوطنية حل محله اقتصاد آبار البترول وحقول الغاز واقتصاد الزيت والزيتون، والمياه المعدنية التابعة لصافي حل محلها شركة للأقمار الصناعية".
خبير اقتصادي: مصر ستفلس.. والحل في رحيل السيسي
ما خيارات الحكومة المصرية لوقف "انهيار" القطاع الخاص؟
مصر تعتزم بيع 65% من أصول الدولة.. وشكوك حول الجدوى