تصاعدت المطالب في مصر بضرورة إحالة ملف مقبرة اللطرون الجماعية،
التي دفن فيها عشرات الجنود المصريين الذين أُحرقوا أحياء قرب مدينة القدس أثناء حرب
1967، إلى الجهات الدولية المعنية وتقديم شكوى رسمية ومحاسبة المسؤولين عنها.
وأثار الكشف عن "المقبرة الجماعية" التي عمرها 55 عاما للجنود المصريين ضجة في الأوساط المصرية، ما دفع القاهرة لإثارة القضية
مع سلطات الاحتلال التي تعهدت بأنها ستتعامل مع الأمر بكل إيجابية وشفافية.
على المستوى المصري الرسمي ذكرت صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة
الجمهورية بمصر على موقع "فيسبوك"، أن الجانب الإسرائيلي سوف يتواصل ويقوم
بالتنسيق مع السلطات المصرية بشأن مستجدات الأمر بغية الوصول إلى الحقيقة.
بدورها كلفت الخارجية المصرية سفارتها لدى تل أبيب بالتواصل
مع سلطات الاحتلال لتقصي حقيقة ملابسات القضية، والمطالبة بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية
هذه المعلومات.
وبحسب التقارير التي نشرتها وسائل إعلام عبرية، فإن قوات
إسرائيلية قتلت الجنود المصريين حرقا، ثم دفنتهم سرا في منطقة اللطرون (منطقة بين القدس
وتل أبيب ومقام عليها حاليا متنزه يسمى "ميني إسرائيل") التي شهدت معارك
بين جيش الاحتلال والجنود المصريين خلال حرب حزيران/ يونيو 1967.
بشأن خسائر الجيش المصري في حرب عام 67 يقول الفريق أول محمد
فوزي قائد حرب الاستنزاف ضد الاحتلال بعد النكسة في كتابه "حرب الثلاث سنوات
1967- 1970" إنه تم حصر 13600 فرد عاد منهم 3799 فردا أسرى بينهم 471 ضابطا و3280
جنديا و38 مدنيا تمت مبادلتهم مقابل 219 إسرائيليا في عام 1968 أما بقية المفقودين،
وعددهم 9800 مفقود، فقد ظل التعامل معهم قانونيا كأنهم أحياء، حتى سنة 1971 عندما أعلن
استشهادهم".
سيناريوهات التعامل مع القضية
وبشأن دلالة موافقة الاحتلال الإسرائيلي على نشر هذا التقرير
السري رغم تحفظه سابقا على الكشف عنه، قال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية
بالجامعة الأمريكية سابقا، الدكتور عبد الله الأشعل، إن "الهدف من نشر مثل هذا
التقرير هو إحراج الجيش المصري والقيادة المصرية والتي جاءت بالتزامن مع زيارة الرئيس
الأمريكي جو بايدن للمنطقة، ولكن مصر أثارت
القضية على أعلى مستوى لاستجلاء المسألة والتحقيق في هذه الواقعة".
فيما يتعلق بسيناريوهات التعامل مع القضية، أوضح لـ"عربي21"
أن "ما جرى مع هؤلاء هو جريمة حرب، وتخالف كل المواثيق والقوانين الدولية واتفاقيات
جنيف، ومن حق مصر اللجوء إلى المسارات الدولية المتعارف عليها وتقديم شكوى من أجل محاسبة
ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين على هذا الجرم الكبير".
ودعا أستاذ القانون الدولي "إلى ضرورة الكشف عن مصير
آلاف الجنود والضباط المصريين خلال الحروب التي وقعت بين البلدين، واستعادة رفات هؤلاء
الجنود وفتح تحقيقات موسعة للكشف عن مصير آخرين مفقودين، وتشكيل لجان خاصة، ولكن الأمر
يتوقف على مدى جدية مصر في الضغط بهذا الصدد للحصول على المعلومات كافة".
وحمل الأشعل الأردن مسؤولية وقوع هؤلاء الجنود في فخ قوات
الاحتلال، وأوضح أن "نظام جمال عبد الناصر وقع مع الأردن عام 1967 اتفاقية للدفاع
المشترك تقضي بإرسال مصر كتيبتين من الصاعقة إلى الأردن ومنها إلى الضفة الغربية للسيطرة
على المطارات التي تنطلق منها الطائرات الإسرائيلية والقريبة من مناطق الضفة دون تزويدهم
بأدوات استطلاع وخرائط كافية ما أدى إلى حدوث هذه المقتلة".
اقرأ أيضا: تفاصيل صادمة عن حرق الاحتلال جنودا مصريين أحياء (شاهد)
الأعداد الحقيقية..
بحسب صفحة وحدة الدراسات العسكرية والأمنية للمجموعة 73 مؤرخين
فإن العدد الإجمالي للجنود يتجاوز هذا الرقم بكثير، وقالت المجموعة التي تصف نفسها
بأنها مؤسسة ثقافية لتأريخ بطولات الجيش المصري: "إن هناك رفات ما يقرب من
250 جنديا مصريا استشهدوا داخل فلسطين المحتلة في معارك حزيران/ يونيو 1967 وليس مجرد
80 فقط".
وطالبت الوحدة السلطات المصرية بفتح تحقيق وإعادة رفات
هؤلاء الجنود لأرض الوطن وتكريمهم التكريم اللائق المستحق، وإعلاء قيمة التضحية والفداء، وإذكاء الروح الوطنية والانتماء، والعمل على تشكيل فريق شعبي ورسمي.
كما طالبت بإقامة جنازات عسكرية تليق بالشهداء وفتح ملف القتل
الممنهج للأسرى المصريين في 67 سواء داخل فلسطين أو سيناء، وطلبت تقديم اعتذار رسمي
للشعب المصري عن عمليات القتل الممنهج للأسرى المصريين مشيرة إلى أن لديها وثائق وشهادات
حية على وقوع نفس الجرائم في حرب 1973 أيضا والتي قامت بنشر بعضها.
حقوق الجنود وواجبات النظام
من جهته، طالب الخبير العسكري العميد السابق في الجيش المصري
عادل الشريف، السلطات المصرية "بالتحرك الجاد لكشف ملابسات تلك المحرقة والمطالبة
برفات الجنود القتلى، والمصارحة بتفاصيل العملية العسكرية التي شاركوا فيها، وصرف التعويضات
المناسبة لأسرهم وتكريمهم بشكل لائق".
ودعا، في تصريحات لـ"عربي21" إلى "إثارة قضية
تعويضات القتلى والأسرى المصريين واحتلال سيناء وتهريب ثرواتها والتي كان الرئيس الراحل
محمد مرسي قد بدأها إبان توليه الرئاسة عام 2012، سواء بشكل ثنائي أو باللجوء إلى الخيارات
الدولية المتاحة".
وتابع: "لكن للأسف لا نعول كثيرا على النظام المصري
في هذه القضية التي أثيرت عبر جميع وسائل الإعلام، ولا نتوقع حتى تقديم شكوى دولية
ضد الكيان الصهيوني وفق القانون الدولي واتفاقيات جنيف والتي تدين هذا الفعل المشين".