أثار إعلان رجل الأعمال الأمريكي الملياردير إيلون ماسك عن صفقة شرائه موقع تويتر مقابل 44 مليار دولار، أواخر الشهر المنصرم، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية والاجتماعية، وحتى من قبل المواطنين الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتركّزت الأسئلة المُثارة حول هذا الموضوع بصيغ متعددة مثل، ما الجدوى الاقتصادية التي ستعود عليه من هذه الصفقة؟ وهل سيتأثر مستخدمو تويتر بعملية البيع سلبا أم إيجابا؟ وماذا سيقدم المالك الجديد للمشتركين وللموقع؟ لكن السؤال الأهم الذي غاب عن أذهان الكثيرين هو، ما هي السلعة التي بيعت والتي اشتراها ماسك؟
لا شك في أن موقع تويتر يُعد الأكثر متابعة في عالم اليوم، ومنذ انطلاقته عام 2013 أخذ يستحوذ على الكثير من الاهتمام والرصد والمتابعة. وتشير الإحصائيات إلى أن مستخدميه في اليوم الواحد يبلغون أكثر من 217 مليون شخص، لكنه لا يُعد موقعا مُربحا، حيث لم يحقق أية أرباح إلا في عامين فقط، حيث أن خسائره بلغت 493 مليون دولار في العام الماضي.
وعلى الرغم من قدرة هذا الموقع على جذب الانتباه في الحقل السياسي والحقل الاقتصادي أيضا، وأنه يعتبر أحد أدوات الدبلوماسية الناعمة، إلا أنه بالمقارنة مع بقية مواقع التواصل الاجتماعي لا يتمتع بالصدارة. وقد ظل تويتر يتلقى العديد من الاتهامات من اليمين في الولايات المتحدة، بسبب ما يفرضه من مراجعة لتغريدات المشتركين قبل نشرها.
وكانت ذروة هذه المواجهات عندما قام الموقع بحضر حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكن ذلك لا يمنع من القول إن النفوذ السياسي لمنصة تويتر كان كبيرا جدا في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التأثير الذي بدأه الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال استخدامه هذه المنصة بشكل كبير في إصدار الأخبار السياسية العاجلة، وبعده بدأ الديمقراطيون والجمهوريون، على حد سواء، باستعماله للأغراض السياسية.
كما سلك طريقهم الكثير من زعماء العالم وباتوا يتخذونه حيزا للتعبير عن آرائهم في الشؤون الدولية، والترويج لأفكارهم وسياساتهم المحلية. فإذا كان المالك الجديد رجل أعمال ناجحا وليست له علاقة بالسياسة، والموقع ليس ربحيا، فلماذا أقدم على شرائه بهذا المبلغ الضخم؟
حاشية ماسك يقولون إن الدافع وراء شراء تويتر ربحي فقط، لكن الرجل يرد على هؤلاء فيقول «في النية أن تكون هنالك ساحة شاملة لحرية التعبير. لقد بات تويتر ساحة مُعيبة».
هذا يعني أن هدفه الارتقاء بهذه المنصة وإنقاذها من الواقع الذي يصفه بأنه مُعيب، لكن العديد من رجال المال والأعمال والصحافيين يُفنّدون هذا الكلام، ويقولون إن تاريخ الرجل ليس كذلك، وأنه طبّق في كثير من الأحيان ديكتاتورية عمياء على أقرب المقربين له، وهم موظفوه، وطرد الكثير منهم لمجرد أنهم عبّروا عن آرائهم أو انتقدوه في مجال ما.
إذن لا مصداقية في موضوع زيادة مساحة حرية التعبير في تويتر كسبب للشراء، بل هو كلام للتعمية عن السبب الرئيسي للصفقة. فلو عدنا إلى عام 2017 نجد أن ماسك نفسه كان قد أعلن عن أنه مهتم بشراء تويتر، لكن الإعلام لم يسلط الضوء الكثير على هذا الموضوع.
آنذاك تحدث عن اهتمامه بالترويج للعملات المشفّرة وضرورة الدمج بين هذه العملات وشبكات التواصل الاجتماعي، وإذا ما أضفنا إلى هذا الموضوع أن ماسك يملك شركة ستارلنك، وهي مجموعه من الأقمار الصناعية يتشكل منها حيز واسع من شبكات الاتصالات، أيضا هو يملك شركة سبيس أكس وهي شركة لإطلاق الأقمار الصناعية، كما أنه مهتم جدا بصناعة الفضاء وصناعة السيارات الكهربائية، فإنه يصبح بحاجة ماسة إلى ذراع إعلامية. وعند النظر إلى طبقة رجال المال والأعمال يبدو واضحا لنا أن هذا القطاع بأمس الحاجة إلى الأذرع الإعلامية..
والأكثر تأثيرا في مجال الإعلام لم تعد الصحف العالمية المشهورة كـ»الواشنطن بوست» و»النيويورك تايمز» أو غيرهما، بل هي مواقع التواصل الاجتماعي. بالتالي يمكن القول إن ماسك ذهب إلى الوسيلة الأكثر تأثيرا في العالم، التي يمكن أن تُقدّم خدمات كبرى لكل مشاريعه. كما أنها درع سياسي له أيضا، عندها سيصبح قادرا على التحكم بأسعار العملات والأسهم وحتى البورصة الأمريكية بتغريدة واحدة على تويتر، فالموقع مؤثر من الناحية الاقتصادية، كما من الناحية السياسية أيضا.
إذن لا يمكن المراهنة على توسعة مساحة حرية التعبير من قبل المالك الجديد لتويتر. والحق يقال إنه لا توجد هنالك أصلا مساحة حرية واسعة لا في تويتر ولا في بقية مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لن يحدث اختلاف كبير في ظل ماسك. لكنه قد يذهب إلى تقليد ما ذهب إليه إمبراطور الإعلام مردوخ في توسيع مساحة الحرية، لكن وفق خياراته هو، وليس خيارات المشتركين. تلك الخيارات التي تخدم مصالحه التجارية وربما السياسية مستقبلا.
هو يقول إن لديه فكرة بدمج الموقع مع «الويب ثري» جيل الإنترنيت الجديد، وهذه التكنولوجيا ستفتح له آفاقا كبيرة في استغلال واستثمار الموقع لأغراضه التجارية. لكن هل يشي هذا الاهتمام الكبير من قبل الأوساط الأمريكية بهذه الصفقة، بالخوف من انعكاسات سياسية؟ يبدو ذلك موجودا، فالإدارة الأمريكية قلقة من هذه الصفقة، والصحافة الأمريكية أرجعت هذا القلق لأسباب سياسية. فالانتخابات التشريعية في نوفمبر/ تشرين الثاني يأمل منها الديمقراطيون أن يبقوا محافظين على أغلبيتهم في مجلسي الشيوخ والنواب، لكنهم يتخوفون من عودة ترامب إلى استخدام هذه المنصة، لأنه يمكن أن يؤثر كثيرا في طموحهم هذا، على الرغم من أن الأنباء الواردة منه تقول إنه غير راغب بالعودة إلى تويتر. فالرجل لا تزال لديه قاعدة شعبية واسعة في الولايات المتحدة. مع ذلك فإن ما يرتبط بالأمن القومي فهو خط أحمر لا يمكن السماح به من دون ضوابط، لكن يبقى السؤال الأكثر أهمية ما هي السلعة التي تم بيعها واشتراها ماسك؟
هنالك قاعدة متعارف عليها في مواقع التواصل الاجتماعي ربما لا يعرفها الكثيرون تقول «حينما تكون الخدمة المُقدّمة مجانية، فهذا يعني أن المستخدمين، الذين هم أنت وأنا هم السلعة». إذن نحن من تم بيعنا وشراؤنا في هذه الصفقة. وسيقوم المالك الجديد بتطبيق هذه النظرية لتطوير هذه السلعة، وجعلها أكثر استجابة لطموحاته الاقتصادية، وربما السياسية في المستقبل.
فاليوم هنالك حديث عن توثيق حسابات جميع المستخدمين، وإنشاء خوارزميات مفتوحة المصدر لكي تتيح ربط تويتر بتطبيقات وألعاب إلكترونية أكثر. كما يروم القيام بتجارب لاستغلال واستثمار العملات الورقية على هذه المنصة. ويقال إن توثيق الحسابات قد يحد من الحملات التي تستهدف أشخاصا أو دولا بعينها، شوهدت في هذه المنصة كثيرا، وحاول الموقع سابقا التدقيق فيها، لكنها ظلت مشكلة قائمة. كما أن هنالك حديث عن إجراءات لمحاربة الذباب الإلكتروني، من خلال نظام رقمي يوثق جميع المعلومات الخاصة بالمستخدمين. في هذه الحالة يصبح من الصعب جدا أن يكون هنالك مستخدمون غير حقيقيين أو بهويات زائفة، لكن كل هذه ما زالت مجرد أفكار في عُهدة المالك الجديد.