تقارير

المسرح.. أحد دعائم الهوية الفلسطينية

قراءة في مسيرة المسرح الفلسطيني ودوره في الحفاظ على الهوية الفلسطينية

كباقي الأوطان في العالم؛ شهدت فلسطين تطوراً في الجوانب الثقافية المختلفة؛ ومنها المسرح؛ الذي يعتبر أحد أهم رموز الهوية الوطنية، الذي تأثر بسياسات المحتل. وعلى الرغم من إعاقة المحتل البريطاني (1918 ـ 1948) لظهور مسرح فلسطيني، لكن ذلك لم يمنع كتّابا مسرحيين فلسطينيين من تقديم عدد لا بأس به من المسرحيات؛ طُبع ومثّل منها القليل؛ لكن الثابت التأثير الكبير للزيارات المتكررة للفرق المصرية والشامية لفلسطين؛ وتالياً بزوغ وتطور المسرح الفلسطيني.

الدور والهدف

يجسد المسرح الواقع بصوره المتعددة، ويتوصل إلى حلول لمشاكل المجتمع،كما ان المسرح  يزيد معدلات المعرفة والوعي بين الناس، ولكونه يتطرق إلى قضايا آنية، فهو يعالج المشاكل الاقتصادية التي قد تواجه البلاد ومجموعة اوافراد. وشأنها شان الدول العربية؛ وخاصة مصر وسوريا؛ شهدت فلسطين قبل نكبة عام 1948 ازدهاراً ماثل للمسرح الفلسطيني، وقد ارتبطت الحركة المسرحية في بداياتها في فلسطين بالمدارس التبشيرية التي انتشرت في القدس ويافا وحيفا وبيت لحم، وقد هيأت  الأندية والجمعيات الناشطة في فلسطين الارضية الخصبة لتطور النشاط المسرحي؛ وقد كان التمثيل ضمن برامجها الدورية، ومن هذه الجمعيات "جمعية الشبان المسيحية" في القدس والتي أنشئت عام 1877.

وعرفت مجموعة من الأسماء التي اهتمت بالكتابة للمسرح ما بين عامي 1919 و1949، وعلى رأسهم جميل حبيب بحري، والأخوة صليبا ونصري وجميل وفريد الجوزي. وتأثرت حركة المسرح بكثير من العوامل في تلك الفترة إضافة إلى المدارس التبشيرية، فقد كانت هناك مدارس وطنية أسست كرد على المدارس التبشيرية، واهتمت هذه المدارس بالمسرح حيث قدم معظمها مسرحية واحدة على الأقل في نهاية كل عام دراسي.

وأي دارس لتاريخ المسرح الفلسطيني لا يستطيع أن ينكر عامل الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين أعوام 1920 ـ 1930، أمثال فرقة جورج أبيض والريحاني وعلي الكسار، كما قامت عدد من الفرق الأجنبية بتقديم مسرحيات شكسبير وموليير، مما دفع بعض الشبان الفلسطينيين إلى تأسيس فرق تمثيلية في العديد من المدن. وفي تلك الفترة وصل عدد الفرق المسرحية في مدينة القدس وحدها إلى ما يزيد على 30 فرقة، غير أن هذه الفرق كانت ضعيفة المستوى. وأثّرت كذلك الجمعيات والنوادي ومحطة الإذاعة الفلسطينية والصحف والمطابع بشكل أو بآخر على الاهتمام بالمسرح في تلك الفترة.

 

أدت المجازر الصهيونية وطرد غالبية سكان فلسطين إلى تشتت الطاقات المسرحية الفلسطينية، لكن لم يتوانى اللاجئون في الأردن وسوريا وغيرها من دول اللجوء من الاستمرار في الحفاظ على هويتهم الوطنية من خلال المسرح، وكذلك استمر الفلسطينيون في نشاطهم المسرحي في الداخل الفلسطيني بعد سنوات من النكبة.


وقد واجهت المسرحيين الفلسطينيين مجموعة من الصعوبات تمثلت في عدم وجود فتيات للقيام بالأدوار النسائية واستئثار بعض محبي الظهور بالأدوار الرئيسة، خصوصا إذا كانوا من أبناء العائلات أو ممن يدعم أهاليهم المسرح بشكل أو بآخر، كما ساهمت القوانين الحكومية والرقابة على النصوص في عرقلة الجهود المسرحية. 

وكان جميل حبيب بحري من أهم الكتّاب الذين كتبوا للمسرح قبل عام 1948، حيث قام بكتابة 12 مسرحية منها: الوطن المحبوب، 1923، نشرت في القاهرة؛ الخائن، مأساة من 3 فصول، 1924؛ في سبيل الشرف، مأساة من 5 فصول، 1926؛ سجين القصر، مأساة من 5 فصول، 1927؛ وشهدت فلسطين مسرحيات سياسية خلال فترة الاحتلال البريطاني تدعو إلى مناهضة أعمال الحركة الصهيونية والتسلل إلى أراضي فلسطين، وكان الهدف من وراء ذلك توعية الجمهور الفلسطيني بالمخططات الصهيونية المدعومة من دول الغرب؛ ويعتبر ذلك الهدف الجوهري للمسرح قبل وقوع النكبة الكبرى عام 1948.

تشتت الطاقات
 
أدت المجازر الصهيونية وطرد غالبية سكان فلسطين إلى تشتت الطاقات المسرحية الفلسطينية، لكن لم يتوانى اللاجئون في الأردن وسوريا وغيرها من دول اللجوء من الاستمرار في الحفاظ على هويتهم الوطنية من خلال المسرح، وكذلك استمر الفلسطينيون في نشاطهم المسرحي في الداخل الفلسطيني بعد سنوات من النكبة. 

ومن الفرق التي انتشرت في فلسطين بين عام 1948 وعام 1967 كانت فرقة "بلالين" وفرقة "دبابيس" وفرقة "المسرح الشعبي" وفرقة "المسرح الحديث" وفرقة "كشكول" وفرقة "المسرح الحي" وفرقة "المسرح الفلسطيني". وكان من الأسماء البارزة التي نشطت لإعادة الحياة إلى المسرح الفلسطيني، صبحي الداموني وأديب جهشان الذي كان أبرز أعضاء "المسرح الناهض" في حيفا، كما برز كذلك اسم نصر الجوزي ككاتب، ومن مسرحياته؛ العدل أساس الملك 1956، الدنيا أم 1956، فؤاد وليلى، الحق يعلو، شبح الأحرار، ذكاء القاضي، وهي للأطفال، صور من الماضي، وهي للأطفال كذلك،تراث الآباء، وكانت هذه المسرحية ضد بيع الأراضي في فلسطين لليهود.

وكتب كذلك برهان الدين العبوشي مسرحية: "وطن الشهيد" وكتب محمد حسن علاء الدين مسرحية شعرية في أربعة فصول عن حياة وموت الشاعر إمرؤ القيس، وكتب في الاتجاه نفسه محي الدين الحاج عيسى الصفدي مسرحية "كليب" وهي شعرية من خمسة فصول. 

ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية خطا المسرح الفلسطيني خطوة أخرى، حيث تطلع الثوار إلى إعادة النشاطات الثقافية والفنية التي أُهدرت طوال سنوات النكبة، فقامت، وبمبادرة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني، "جمعية المسرح العربي الفلسطيني"، عام 1966، وحددت لنفسها أهدافاً واضحة هي؛ التوعية بالقضية الفلسطينية وعرض تجارب الثورة الفلسطينية النضالية على المسرح، فضلاً عن إحياء التراث الثقافي الفلسطيني.

ولبلوغ هذه الأهداف تكونت فرقة للتمثيل المسرحي، زارت عواصم البلاد العربية وقدمت عروضها على مسارحها، كما اتجهت الجمعية كذلك إلى ضم شتات الموسيقيين في فرقة قدمت حفلاتها على مسارح دمشق، تخللتها أغانٍ فلسطينية وأناشيد ثورية وعروض أزياء شعبية فلسطينية. كما أسهمت جمعية المسرح العربي الفلسطيني في تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع، وقد تبنت حركة فتح هذه الفرقة. وقد قدمت الجمعية مسرحياتها على مسارح كثيرة في العواصم العربية منها؛ "شعب لن يموت" تأليف سعيد المزين فتى الثورة وإخراج صبري سندس، "الطريق" تأليف وإخراج نصر الدين شما، "حفلة من أجل الخامس من حزيران" تأليف سعد الله ونوس وإخراج علاء الدين كوكش. 

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ظهور شخصيات كثيرة في مجال التمثيل المسرحي في مناطق اللجوء الفلسطيني؛ في الأردن ومصر ولبنان؛ ومنهم على سبيل المثال لا الحصر؛ الراحل عبد الرحمن أبو القاسم وزيناتي قدسية أمد الله في عمره ورعاه؛ واللذان كانا حاضرين منذ عقد الستينيات على خشبة المسارح في سوريا؛ وكان ذلك بمثابة رافد هام للهوية الوطنية الفلسطينية والحفاظ عليها من الطمس والتغييب.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا