نشرت مجلة "
إيكونوميست" تقريرا قالت فيه إن تناول
الإفطار بعد غروب الشمس في رمضان، الذي بدأ في 2 نيسان/ أبريل، لن يكون مناسبة سعيدة
للكثير من السودانيين هذا العام.
فالإفطار الجماعي سيفسده نقص المواد الغذائية والأسعار المرتفعة
للقمح والمواد الأساسية الأخرى.
ويتوقع الكثيرون أن يتحول رمضان هذا العام إلى مواجهة بين
الشعب المحبط الذي عومل بطريقة سيئة والنظام العسكري القاسي.
وتضيف أن قلة من
السودانيين يتذكرون حالة كئيبة مرت على بلدهم. فالعملة في انهيار مستمر، وخسرت ربع قيمتها
في تشرين الأول/ أكتوبر.
أما التضخم، فقد وصل نسبة 260% وربما كان النسبة أعلى.
ويعاني 9 ملايين
من 44 مليون نسمة من "جوع حاد"، وربما تضاعف العدد بحلول أيلول/ سبتمبر.
وتعيش العاصمة الخرطوم مواجهات يومية ضد النظام، وردا عنيفا من قوات الأمن التي قتلت 90 محتجا خلال الأشهر الخمسة الأخيرة.
واللوم يقع في كل هذه الفوضى على رئيس الانقلاب عبد الفتاح
البرهان، الذي أوقف في تشرين الأول/ أكتوبر عملية الانتقال للديمقراطية الهشة.
وبدأت هذه قبل ثلاثة أعوام، عندما أطاحت ثورة شعبية بعمر حسن
البشير، الذي حكم السودان لمدة 30 عاما.
وعندما أيقن الجيش أنه سينهار في نيسان/ أبريل 2019، قام بالاستيلاء
على السلطة للسيطرة على السياسة والاقتصاد. وأجبرت التظاهرات والضغط الدولي الجنرالات
على عقد اتفاق مع قادة الاحتجاج لنقل السلطة إلى المدنيين في 2021، وقبل انتخابات كان
من المتوقع إجراؤها هذا العام.
وتعهد المانحون الغربيون والبنوك المتعددة بمليارات الدولارات
كمساعدة لتخفيف الدين وعدم عملية التحول الديمقراطي. إلا أن الانقلاب الثاني أوقف معظم
هذا الدعم أو تم تأخيره من قبل الأمريكيين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي
أوقف تدفق 1.4 مليار دولار من الدعم والمساعدة.
وليس لدى المجلس العسكري المال وقطع الدعم السخي للمواد الأساسية، وبخاصة القمح والوقود. لكن اتخذ القرار دون أي دعم غربي أو شبكات أمان لتخفيف الصدمة
على فقراء البلد. وهم والحالة هذه غاضبون ومن المتوقع تظاهرات جديدة.
وفاقم كل هذه المتاعب حرب فلاديمير بوتين حيث يستورد السودان
نسبة 80% من قمحه من أوكرانيا وروسيا، وعطل النزاع عمليات التوريد. ففي الشهر الماضي
كان سعر القمح المحلي 550 دولارا للطن، بزيادة 180% مقارنة مع أسعاره قبل عام. ويبحث
الجنرالات عن المال بطريقة يائسة حتى تظل الحكومة فاعلة.
ومن أجل سد الثغرات في الميزانية، زادوا من الضرائب على الأعمال
التجارية. وهذا مجرد تمنيات؛ لأن قلة من الأعمال التجارية في السودان تدفع الضريبة، كما
تقول المحللة في الخرطوم خلود خير، فالكثير منها يكافح للحفاظ على تجارته. ولجأ الجنرالات
وبشكل غامض للتسول إلى الدول التي كانت تدعم النظام السابق. وبهذه الطريقة، يقومون ببيع
ما تبقى من أصول ومصادر للبلاد.
وزار البرهان الإمارات
العربية المتحدة للحصول على وعود بدعم البنوك السودانية والعملية، وكذا الاستثمار في
"مشاريع تنمية" لم تحدد.
وربما كان من بين هذه المشاريع استثمار لشركة موانئ دبي
العالمية التي ظلت عينها خلال السنوات الماضية على محطة الحاويات الرئيسية في ميناء
بورتسودان. إلا أن العمال في المرفأ يعارضون أي عملية خصخصة، خوفا من خسارتهم أعمالهم.
وتم إلغاء صفقة سابقة لشركة فلبينية لتشغيل الموانئ، بعد احتجاج العمال الذي أدى لشل
حركة الميناء الذي يتعامل مع نسبة 90% من التجارة الدولية السودانية.
ويحاول الجنرالات التقرب إلى روسيا، التي لديها طموحات قديمة
لإقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، كما أنها من المشترين المهمين للذهب السوداني.
وربما كان الموضوعان على طاولة النقاش عندما زار نائب البرهان محمد حمدان دقلو (المعروف
بحميدتي) موسكو عشية الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويقود دقلو المليشيا العسكرية "قوات الدعم السريع"، والتي تدير معظم مناجم الذهب غير الشرعية. ويعتقد أنه صلة الوصل مع شركة المرتزقة الروسية
"فاغنر" التي يتهمها الدبلوماسيون الغربيون بالمشاركة في مناجم الذهب غير
المشروعة، وهو اتهام تنفيه الحكومة السودانية.
ولم يكن توقيت زيارة دقلو موسكو مصادفة، فروسيا بحاجة لمزيد
من الذهب السوداني كي تقوي اقتصادها ضد العقوبات الغربية. ويمثل الذهب نسبة 40% من
الصادرات السودانية، ويتم تهريبه عبر البلاد من خلال الإمارات العربية المتحدة ثم إلى
روسيا. وهذا يساعد على فهم السبب الذي دفع الإمارات والسودان للامتناع عن التصويت في
قرار يشجب الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة. وقال دقلو بعد عودته من موسكو إنه لا "مشكلة لدي" مع افتتاح قاعدة بحرية روسية في السودان وإن البلد يمثل
"فرصة عظيمة للاستثمارات الروسية".
وتعلق المجلة بأن الصفقات اليائسة لن تشتري الاستقرار للنظام.
وتقول إن العلاقات العميقة بين دقلو وروسيا باتت مصدر توتر مع البرهان، وهي مصدر غضب
بين المحتجين الذين يعتقدون أن روسيا دعمت الانقلاب العام الماضي. وعلى الجنرالات القلق، ليس من الاحتجاجات في الخرطوم ولكن في منطقة دارفور غرب السودان التي اتهمت فيها قوات
الحكومة ومليشيات الجنجويد، جزء من قوات الدعم السريع، إبادة عام 2003.
وظهر هذا الأسبوع أول زعيم للجنجويد أمام محكمة الجنايات
الدولية في هيغ، ليواجه اتهامات بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي أول حالة متعلقة
بالنزاع في دارفور، مع أن منظور العدالة لا يحقق السلام. ففي الشهر الماضي قتل حوالي
48 شخصا في مواجهات بالمنطقة. فعندما انتفض السودانيون قبل 3 أعوام ضد البشير تأملوا
بالسلام والازدهار، ولكنهم يواجهون بعد انقلابين أزمة سياسية وانكماشا في الاقتصاد
وزيادة في العنف.
وهذه تهدد وجود السودان، كما يقول فولكر بيرثز، المبعوث الأممي للقرن الأفريقي، و"حتى يتم تصحيح المسار
الحالي"، كما أخبر مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، فإن "البلد يسير نحو الانهيار
الاقتصادي والأمني ومعاناة إنسانية كبيرة".